بين انتخابات تنافسية وأخرى لا شيء

25 مارس 2018
+ الخط -
لم تشهد مصر منذ حركة التغيير العسكرية في يوليو 1952 انتخابات بشكل ديمقراطي وسياسي بحت كتلك التي جرت في عام 2012 بعد نجاح ثورة 25 يناير 2011 وتخلي الرئيس حسني مبارك عن منصبه وتكليفه المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوي بإدارة شؤون البلاد، وما سبقتها من تعديلات دستورية من لجنة عينها المجلس في 15 فبراير/ شباط 2011 لإجراء تعديلات على دستور 1971 الذي تم تعطيله بموجب الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري في 13 فبراير/ شباط 2011.

كان لتلك التعديلات في مواد الدستور طابع خاص على الساحة السياسية في مصر، خصوصاً أنها كانت الطريق لإجراء أول انتخابات تشريعية ورئاسية بعد ثورة يناير وتسليم الجيش السلطة إلى تيار مدني، وكانت من بين التعديلات الدستورية أن تكون مدة الرئاسة أربع سنوات لا تتكرر إلا مرة واحدة، أي لا يجوز للرئيس الترشح أكثر من دورة وتعديل الشروط التعجيزية التي دسها نظام مبارك في مواد الدستور للقضاء على التنافسية التي لم تكن موجودة من الأساس والتي كان من بينها أيضاً استبعاد وزارة الداخلية من الإشراف على الانتخابات وجعلها تحت إشراف قضائي كامل لما كان معهوداً من تورطها في تزوير السباق لمبارك والحزب الوطني المنحل والحاكم آنذاك.

الشأن العام في تلك الفترة جعل السباق الرئاسي الأهم والأقوى في تاريخ مصر مع وجود قوة فعلية للمرشحين على الساحة السياسية والشعبية، فكان منهم عمرو موسى وحمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد سليم العوا... جميعهم كانوا ذوي ثقل في المجتمع المصري، حتى إن النظام السابق كان حاضراً في هذا السابق من خلال رئيس وزرائه الأخير أحمد شفيق، وكانت كافة التيارات والتوجهات موجودة من الإسلاميين واليسار والاشتراكيين والناصريين وغيرهم من ذوي التوجهات المتعددة.


لكن الشعبية غالبة الوجود والحضور كانت للتيار الإسلامي المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين ومرشحها الدكتور محمد مرسي. ولهذا أسباب منطقية كثيرة، فقد كانت جماعة الإخوان قادرة على التحرك وحشد مناصريها بشكل واسع، مستغلة وجودها داخل القاعدة الشعبية في مصر وكثرة مؤيدي التيار الإسلامي وحتى السياسي للجماعة التي قررت أن يكون المرشح عن حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي لها. لم تكن تخفى على أحد الشعبية الفائقة التي لم يسبق لها مثيل التي كان يتمتع بها الإخوان حتى في عز النظام والرئيس المخلوع مبارك.

ولكن سرعان ما انتهت تلك التجربة الديمقراطية إلى اللاشيء بعد أن أطاح المجلس العسكري محمد مرسي، وتولى السلطة المشير عبد الفتاح السيسي في انتخابات لما يسبق لها مثيل، إذ تخطت الأصوات الباطلة عدد الأصوات التي حصل عليها منافسه حمدين صباحي.

في انتخابات 2018 التي لم تكد تصل حتى إلى حد أن توصف بالانتخابات أو على الأقل "استفتاء"، حالة القضاء على التعددية والمنافسين التي اتبعها النظام المصري كانت كافية لإبعاد كافة المرشحين ذوي الثقل؛ بين معتقل كالفريق سامي عنان رئيس الأركان الأسبق أو الفريق أحمد شفيق المنافس السابق للإخوان.

النظام المصري جعل من المناخ الديمقراطي والوضع السياسي الذي خلقته ثورة الخامس والعشرين من يناير شيئاً لم يكن. فليس من الممكن القول إن شيئاً قد تغير إلى الأفضل. كل شيء عاد إلى الأسوأ كما كان قبل يناير أو أكثر.

لا شك في أن الرئيس السيسي نفسه يدرك تماماً أن هذه ليست انتخابات وأنه لا يحتاج أصواتاً للفوز بها، وإن كان هو ينافس مرشحاً قلّ من لا يعلمون أنه مرشح دفع به النظام الحاكم في الدقائق الأخيرة لتفادي نظارات المجتمع الدولي حيال الأساليب القمعية التي اتخذت ضد المرشحين السابقين.

السياسة القمعية كانت طاغية على المشهد السياسي في مصر، خصوصاً قبل هذه الانتخابات، ومتزامنة في نفس الوقت مع التراجع الشعبي الواسع لكافة الأحزاب والتيارات في مصر عند المواطن، الذي أصبح لا يعنيه من الأمر السياسي والانتخابي شيء، مع تزايد المشكلات وأزمات المعيشة التي أصبحت هي الشاغل الأساسي للمصريين، والتي يرجعها كثير منهم إلى الإجراءات الاقتصادية القاسية التي يتخذها الرئيس منهجاً له.