02 نوفمبر 2024
بين النقاب والميني جوب نساء أخريات
تدور معركة عاتية على أجساد النساء، ولو أنها لا تستدعي اهتماماً كبيراً، مقارنة بعناوين السياسة البراقة. مع اقتراب شهر رمضان، عاد النقاش حول حشمة لباس النساء، فبرزت صفحات خاصة على "فيسبوك" في الجزائر، تدعو الصائمين والصائمات إلى فضح أي لباس غير محتشم قد ترتديه نساء في المجال العام، وصولاً إلى الدعوة إلى تصوير النساء غير المحتشمات ونشر صورهن من منطلق الفضح الرادع لارتداء أي لباس قد يخدش إيمان الصائمين. في المقابل، دعت مجموعة علمانية تونسية النساء إلى ارتداء تنورة "الميني جوب" في الشارع، في ما أطلقت عليه اسم "اليوم العالمي للميني جوب"، رداً على محاولة الإسلاميين "تأديب" النساء في لباسهن في المجال العام.
في الغرب، بلغ رفض ارتداء النساء للنقاب الكامل حد اعتداءات مباشرة على منقبات، وأحد هذه الأمثلة نزع موظف في دائرة عامة في بلجيكا نقاب سيدة، كانت تسأله عن عنوان مكان عام. رد الموظف الذي أقر بأنه تجاوز حدوده، بالقول إنه يشعر بالضيق للحديث إلى امرأة لا يرى وجهها، إلا أن السيدة تجاهلت موقفه، وكررت طلبها، ما دفع به إلى ردة الفعل الغاضبة. رفعت السيدة شكوى ضد الرجل، في حين كان عليها أن تدفع الغرامة التي تفرضها البلاد على النساء اللواتي يغطين وجوههن بالكامل في المجال العام. في مناطق مختلفة من فرنسا، يتوالى فرض غرامات قاسية على نساء يخرقن الحظر على ارتداء النقاب الكامل، وتتزايد تعبيرات رفضه في الشارع.
في مملكة داعش، يصب "المجاهدون" حقدهم على أجساد النساء رجماً وقتلاً واغتصاباً واستعباداً ومتاجرة وسبياً. يساعد هؤلاء "مجاهدات"، يشاركنهم الحقد على أجساد بنات جنسهن، بعضهن قدم من ثقافة ارتداء "الميني جوب" والحانات إلى مملكة الحشمة السوداء. تبدو سادية هؤلاء بإنزال أشكال العقاب على النساء الرافضات للانتظام في قواعد الدولة الإسلامية، ومنهن المتقدمات في السن، انتقاما من أجساد النساء، مصدر كل الإغراءات وكل الذنوب، كما يرونها. وكانت ممثلة الأمم المتحدة لمكافحة العنف الجنسي قد تحدثت عن "مأسسىة العنف الجنسي" على يد داعش من الاغتصاب إلى التعذيب وبيع نساء عذراوات في مزادات، باعتبارهن أغراضا جنسية وإرغامهن على الدعارة وغيرها من روايات السادية الجنسية المقذعة على يد "المجاهدين".
في مصر حيث يحكم العسكر العلمانيون، يستخدم العنف الجنسي وسيلة للتعذيب والتخويف بشكل منتظم على يد قوات الأمن، وتواجه النساء خطر التحرش الجنسي في الشارع كل يوم، ويخضعن لفحوص العذرية في مخافر الشرطة. في أنحاء أخرى أكثر "ليبرالية" من العالم العربي، تقتل النساء على أيدي أزواجهن في ثورات غضب أو انتقام، أو إنقاذاً لشرف العائلة من سلوك المرأة "المشين"، ويدفن كل من القضاء وبيئة الضحية مصيرها التعس، ويواصل الجميع حياتهم في اليوم التالي، وكأن شيئا لم يكن.
كانت دعوة صحافي مصري للنساء المحجبات إلى خلع الحجاب في الشارع، في محاولة لافتعال مناسبة جديدة لإقصاء الإسلاميين، قد أثارت ردات فعل متباينة لدى النساء، اعتبرت غالبيتها العظمى أن ارتداء الحجاب، أو نزعه، مسألة شخصية، في حين خرجت أصوات لشهادات نساء عن قرارهن خلع الحجاب، وما استتبع ذلك من عواقب عائلية واجتماعية، تجعل ارتداء الحجاب أمراً وخلعه أمراً آخر. أكدت شهادات هؤلاء النساء أننا لا نزال بعيدين عن ادعاء الحرية الشخصية في علاقة النساء بأجسادهن.
شكلت عملية استرداد النساء كرامة أجسادهن وحريتها أحد عناوين الثورات العربية، ولو أنها بقيت هامشية، نسبة إلى النزاع السياسي المحتدم. بين دفاع النساء التونسيات عن حقوقهن المكتسبة من عهد بورقيبة، خوفا من فقدانها على يد المد الإسلامي، إلى الدعوة لتمكين المحجبات، أخيراً، من ارتداء الحجاب في المجال العام من دون عواقب سياسية. من الأصوات التي تدعو إلى حق النساء بإخفاء أجسادهن من دون تعرضهن للتمييز، والأفكار النمطية أو المنع والعقاب إلى الأصوات المطالبة بحق النساء في تقرير مظهرهن الخارجي، من دون تعرضهن لسيف العقاب الديني والاجتماعي، وصولاً إلى التشييء الكامل للنساء على يد داعش، باعتبارهن أدوات خالصة للمتعة، خالية من أي معنى إنساني.
تأتي دعوة صفحات فيسبوكية عربية إلى فضح النساء غير المحتشمات، خلال شهر رمضان، تماشيا مع عرف اعتبار أجساد النساء جزءاً من الشأن العام، وأحد المجالات الرئيسية للصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، في مجتمعات ما بعد الثورات، حيث بلغ تغول الأصوات المحافظة في المعسكرين أوجه. وتعبر ردة فعل الفريق المناهض بالدعوة إلى ارتداء الميني جوب في "يوم عالمي" للاحتفاء باللباس غير المحتشم عن رغبة مماثلة في استخدام أجساد النساء منبراً سياسياً وتؤكد، من حيث لا تريد، فرضية الفريق الأول حول تبعية أجساد النساء للمنظومة الاجتماعية.
وبين رائدات النقاب ورائدات "الميني جوب" نساء أخريات، يخضن، كل يوم، مجازفة امتلاك حرية تقرير مصير أجسادهن، بعيدا عن سواد المجموعة الأولى، وكليشيهات المجموعة الثانية، وكلاهما يدّعي دفاعا مستميتاً عن كرامة النساء وحقوقهن.