بين العبادي وعبد الكريم قاسم

15 فبراير 2016
+ الخط -
هل كانت مجرد مصادفة عابرة أن يتزامن خطاب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، مساء الثلاثاء 9 فبراير/ شباط 2016 مع ذكرى اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في ما سمي "عروس الثورات"، بقيادة حزب البعث التي منعت قاسم من إلقاء خطابه الذي سجله يوم 8 فبراير/ شباط 1963، وتأجيل قراءته والاستماع له يوم 9 فبراير من العام نفسه؟ حين اضطر الزعيم للاستسلام بسبب تدمير مقره في وزارة الدفاع، ونفاذ عتاده وبقاء أربعة أشخاص فقط معه، فألقي القبض عليه وأخضع لمحكمة عسكرية، حكمت عليه بالإعدام، ونفذ الحكم في الجلسة نفسها.
بعد إعدامه، استمعوا لخطابه الذي قال فيه: "أنا أبو الفقراء، أنا بنيت للفراء المدن، أنا طردت الاستعمار، أنا أنصفت الفلاحين"، لكنهم اغتالوه، فهل كانت مجرد مصادفة أن يتزامن خطاب العبادي مع ذكرى هذه الحادثة أو الثورة؟ ولماذا أخّر العبادي خطابه إلى وقت متأخر من الليل؟ ولماذا سافر بعد إلقاء الخطاب؟ ولماذا شابه في بعض مفردات خطابه كلمات الزعيم قاسم؟ ولما ركز على بعض القرارات التي تخص دعم الفقراء، كما فعل الزعيم؟ وما أوجه التشابه والاختلاف بين الخطابين؟
أول أوجه التشابه تاريخ 9 شباط ، وثانيه استهلال العبادي خطابه بسرد جملة مما اعتبرها إنجازاته خلال عام ونصف، حيث تحدث عن إجرائه الترشيق الحكومي، وإلغائه وزارات ودمج أخرى، وتقليص أعداد الحمايات وتخفيض رواتب المسؤولين. وقال استطعنا العبور بالبلد إلى بر الأمان، على الرغم من الضغط المالي، وحفظ البلد من انهيار كان وشيكا بكل المعايير المالية والاقتصادية، وهو بهذا شابه الزعيم قاسم الذي كان يركز على توزيع الأراضي للفقراء، وطرد الاستعمار.
وتوعد العبادي بمعالجة مشكلات اقتصادية واجتماعية، ولا سيما أزمتي السكن والبطالة، بقراره منح قروض للمشاريع الصناعية والزراعية والسكنية، والمشاريع الصغيرة والحرفية، وركز على شريحتي الشباب وخريجي الجامعات لإيجاد فرص عمل لهم، فضلاً عن قراره توزيع الأراضي السكنية للمسحوقين من جميع المواطنين، مع توفير الخدمات الأساسية للأراضي التي ستوزع على المواطنين، بحيث يمكن بناء مدن متكاملة ببنى تحتية صحيحة، وهو ما يشابه خطاب عبد الكريم قاسم، بل إن أهم أوجه التشابه أن قاسم لم يبق معه سوى أربعة أشخاص من أصدقائه، وهو ما قاله العبادي الذي تخلت عنه المرجعية، وتراجعت شعبيته كثيراً، فضلاً عن تخلي بعض كتل التحالف الوطني عنه، ولا سيما كتلة دولة القانون، وبقائه وحيداً وسط الضغوط الداخلية والخارجية، وسعي بعضهم إلى تغييره.
وتتجلى أوجه الاختلاف في أن قاسم لم يتمكن من بث خطابه آنذاك، بينما تمكن حيدر العبادي من إلقائه، ناهيك عن أن قاسم لم يكن يحظى بتأييد دولي، كالذي يتمتع به العبادي اليوم، ولا سيما من الولايات المتحدة الأميركية التي أعلنت مرارا تمسكها به؛ لتناغمه مع توجهاتها بتحييد إيران وبعض المليشيات غير المنضبطة، إضافة إلى أنه تم القبض على الزعيم، وحكم عليه بالإعدام، بينما تمكن العبادي من السفر خارج البلاد قاصداً الفاتيكان، تاركاً خصومه من التحالف الوطني، قبل غيرهم من الشركاء يعضون أصابع الندم ويشتاطون غيظاَ لترشيحهم له لهذا المنصب، بعد محاولته قلب الطاولة عليهم، وسحب البساط من تحت أقدام كبار الكتل ورؤسائها.
هذه بعض التشابهات والاختلافات بين الخطابين أو الحادثتين. ولكن لماذا أخّر العبادي خطابه إلى وقت متأخر من الليل، ولماذا سافر بعده مباشرة خارج البلد؟ فهل يوجد خطر على حياته داخل البلاد؟
لن يعيد التاريخ نفسه هذه المرة بسبب الدعم الذي يتمتع به العبادي من التحالف الدولي، على الرغم من كثرة خصومه ومعارضيه داخلياً، كما أنه سيستعيد الدعم الشعبي، وربما المرجعي له، بعد طرحه مشروع التعديل الوزاري الذي توعد به رؤوساً كبيرة ورمي الكرة في ملعب الكتل والبرلمان. وفي الحالتين، سيكون له النصر على خصومه، ولم يبق له إلا أن يضرب الفاسدين بيد من حديد، فهل سيفعلها، ويخلص العراق منهم؟
A639F34A-AA61-4BDB-9F2B-F14B300125BE
A639F34A-AA61-4BDB-9F2B-F14B300125BE
همام السليم (العراق)
همام السليم (العراق)