بين أميركا وروسيا

10 سبتمبر 2016
+ الخط -
استقرت في رؤية معارضين سوريين كثر آراء ثلاثة متناقضة حول الغزو الروسي لسورية، قال أولها إن أميركا نجحت، أخيراً، في استدراج موسكو إلى فخ في المستنقع السوري، حيث ستتعرض لضرباتٍ مؤثرةٍ كالتي تلقتها في أفغانستان، ولعبت دوراً كبيراً في انهيار الاتحاد السوفييتي. وقال ثانيها عكس ذلك، وهو أن روسيا دخلت إلى سورية، لتنجز مهمة أميركية هي إضعاف المعارضة المسلحة إلى حدٍّ يرغمها على قبول حل سياسي، يبقي على الأسد خلال فترة انتقالية اتفق عليها الجباران، فضلا عن السماح له بإعادة ترشيح نفسه في الانتخابات التي ستجري بعد نهاية هذه الفترة، بينما زعم رأي ثالث أن هدف الغزو المدعوم أميركيا هو إضعاف إيران، تمهيدا لإرغام الأسد على قبول الحل السياسي الذي دأب على رفضه، تمسّكاً منه بحل عسكري تؤيده طهران، كان من المحال إقناعه بالتخلي عنه من دون تدخل عسكري روسي، يمسك بأوراقه ويضعف إيران ويفرض عليهما الحل الدولي.
قامت نظرية "الفخ والمستنقع" على الاعتقاد بأن واشنطن ستمد المقاومة في لحظةٍ لا بد آتية بصواريخ مضادة للطائرات، أو ستسمح لحلفائها بتقديمها لها، لقلب علاقات وموازين القوى لصالح الثورة، وتحقيق هدفين: انفراد البيت الأبيض بتحديد مآل الصراع في سورية، واستخدام نتائجه لاختراق المجالين العربي والإقليمي والفوز بالشرق الأوسط، وبالتحديد منه إيران، بما أن العرب ليسوا خارج القبضة الأميركية. 
لم تتحقق هذه النظرية، بل وقع عكسها، وبدل أن تسقط روسيا في "الفخ" وتغرق في "المستنقع"، أحجمت أميركا عن خوض الصراع ضدها في المجال العسكري، واستغلت التعقيدات التي سببها غزوها لتدير ظهرها للحل السياسي، وتتلاعب بالجميع عبر تلاعبها بالموقف من الأسد، وتسارع، في الوقت نفسه، إلى بناء وجود عسكري أميركي ثابت شمال سورية، وإدخال مكوناتٍ سياسية وعسكرية جديدة إلى الصراع، ألقى بعضها ظلالاً كثيفة من الشك حول التزامها بوحدة سورية ودولتها المستقلة والسيدة، وقوّض بعضها الآخر جوانب من سياساتها المعلنة ونظرتها إلى حلٍّ يستبدل النظام الأسدي بآخر ديمقراطي، تطبيقاً لوثيقة جنيف وقرارات دولية عديدة، بدا أنها لم تعد مرجعية ملزمة بالنسبة لها.
لم يصدّق من آمنوا بنظرية "الفخ والمستنقع" ما كان يؤكده جميع دبلوماسيي أميركا، وهو أن إدارتها لا ولن تمتلك "خطة ب"، ولن تطور بديلا لسياساتها السورية الراهنة، ولن تجعل الحل من أولوياتها، بينما كانت التجربة تؤكد أنها تدير الصراع ولا تعمل لحله، وإلا لما خالفت مواقفها قرارات دولية شاركت في إقرارها حول سورية، ولما أسست وجوداً عسكرياً مؤثراً على أرضها، ولما أقامت بنى وتشابكات تتيح لها الإمساك بالمجال السوري، ومدّ نشاطها إلى ما ورائه، حيث تسود علاقات شد وجذب محلية وإقليمية ودولية شديدة التعقيد مع موسكو وإيران، لا تبدو واشنطن متلهفة على حسمها.
لا تتبنى واشنطن سياسات مواجهة عسكرية، مباشرة أو بالواسطة، حيال الوجود العسكري الروسي في سورية، بل تستغله كي تقيم بموازاته وجوداً عسكرياً خاصاً بها، في مناطق مفتوحة على تركيا والعراق وإيران، يمكّنها الإمساك بها من وضع مفاتيح سورية والمنطقة في يدها، ومن رسم حدود لدور روسيا في سورية، بعد أن حالت دون امتداده إلى خارجها، ووطدت حضورها العسكري في العراق والأردن، ووسّعت نفوذها ليشمل الجيش الحر وخصمه "قوات سورية الديمقراطية" الكردية، وعزّزت أوراقها السورية، وقدرتها على التدخل العميق في عموم المنطقة، وأسهمت في احتجاز الحل السياسي، لأنها ربطته دوماً بخدمة مصالحها وليس بتلبية مطالب السوريين، ونجحت في إرساء بنية علائقية وتحتية لن تسمح لأحد أو لحل بالتعرض لها، تستطيع استخدامها حتى ضد روسيا، في سورية وخارجها.
ونظرية "الفخ والمستنقع"؟ إذا لم تخرج المعارضة من "فخ" سذاجة توهمها أن خصومها أصدقاء، وتؤمن أن مصير شعبها يرتبط بتنظيم قواها الذاتية، قضت غرقاً في "المستنقع" الدولي الذي لم تحسن يوما السباحة فيه.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.