تحت عنوان "إرادة التغيير"، انطلقت أخيراً في متحف الفنون الجميلة بمدينة الإسكندرية فعاليات "بينالي الاسكندرية" السادس والعشرين لدول حوض البحر الأبيض المتوسط بمشاركة 18 فناناً وفنانة يمثلون 13 دولة، بينها ست دول عربية هي مصر وليبيا وسوريا والجزائر والمغرب وتونس.
دورة البينالي الأخيرة أقيمت عام 2009، وكان من المقرر أن تقام الدورة الحالية عام 2011، إلا أنها تأجلت بسبب اندلاع الثورة المصرية. ضمّت لجنة التحكيم الدولية لهذه الدورة كلّا من الأميركي أولو أوجيب (رئيساً)، وتوماس إلر (ألمانيا)، وسيلين يندت (النرويج)، وفيصل سمره (البحرين/السعودية)، ونُدييه ماني توريه (السنغال)، ومحمد شاكر (مصر). أما جوائز البينالي فأربع: الجائزة الكبرى بقيمة مئة ألف جنيه مصري، وثلاث جوائز أخرى قيمة كل منها 35 ألف جنيه.
وحال فوزه بالجائزة الكبرى، أثار عمل الفنانة هدى لطفي بعض الجدل لتضمنه انتقادات مباشرة للسلطة. يتألف العمل من مقطعَي فيديو يعرضان على شاشتين متجاورتين: في المقطع الأول الذي يحمل عنوان "بيادات" نرى مجموعة من جنود الأمن المركزي في طابور عرض، لا يظهر منها سوى الأقدام وهي تدب على الأرض بقوة في نسق عسكري؛ أما المقطع الآخر، الذي يحمل عنوان "كايرو ريسونس"، فيتضمن مجموعة من اللقطات لمشهد العشوائيات والبيوت القاهرية القديمة التي أصابها التشوه بفعل الإهمال. وقد أثار هذا العمل حفيظة بعض النقاد والمتابعين لأعمال البينالي لأسباب عدة. فقد رأى بعضهم أن ذهاب الجائزة الكبرى لعمل من أعمال الفيديو هو ترسيخ لسيطرة الفنون المعاصرة على غيرها من الأشكال والأساليب الفنية الأخرى.
وفاز عمل الفنانة الليبية أروى أبو عون على إحدى جوائز البينالي الصغرى، وهو يتكون من صورتين فوتوغرافيتين متجاورتين لامرأة، هي الفنانة نفسها، أمام المرآة. في الصورة الأولى، تظهر المرأة عارية الرأس، بينما تظهر صورتها المنعكسة في المرآة محجّبةً. وفي الصورة الأخرى، نرى المشهد ذاته لكن بطريقة معكوسة. ويناقش العمل فكرة الأخلاق وارتباطها أو عدم ارتباطها بالملبس، كما يعكس، برأي الفنانة، حالة الجدل بين التيارات المحافظة والمدنية في مجتمعاتنا، خاصة في بلدان الربيع العربي.
وكانت الجائزة الثانية الصغرى من نصيب الفنان المصري كمال الفقي الذي شارك بتجهيز يتألف من مجموعة كبيرة من الشخوص المنحوتة بخامة البوليستر الملونة. عملٌ يقارب فكرة القمع والدولة السلطوية التي يمثلها ذلك الشخص العملاق الذي يكاد يدوس بأقدامه أشخاص آخرين أصغر حجماً، علماً أن جميع الشخوص معلقّة في الفراغ كعرائس متحرّكة يتحكم بحركاتها كيانات أكبر حجماً وأكثر سطوة.
أما الجائزة الثالثة الصغرى فنالها الفنان السلوفيني ساسو سيدلاك على تجهيزه الذي يتألف من "روبوت" (إنسان آلي) يتحرك بآلية محددة وسط غابة من الأزرار والأسلاك الكهربائية التي تمكّن المتلقّي من التحكم به. ويتبنى العمل نفس الفكرة السابقة، أي الإنسان الأشبه بالآلة الذي لا يتحكّم بمصيره ولا إرادة له.
تعرّضت هذه الدورة إلى انتقادات عديدة بسبب الطريقة التي تم على أساسها اختيار الأعمال الفائزة. إذ ذهبت معظم الجوائز إلى أعمال تتبنى ثيمة البينالي التي تم الإعلان عنها، أي "إرادة التغيير"، علماً أن إدارة البينالي لم تُشر إلى ضرورة الالتزام بالثيمة حين أرسلت الدعوات إلى الفنانين المشاركين، كما يقول الفنان الجزائري حمزة بنواه الذي رأى أيضاً أنه كان على هذه الإدارة أن تبني، من البداية، رفضها أو قبولها للأعمال المشاركة على أساس تلك الثيمة.
وبدوره، لم يلتزم الفنان البوسني نسيم طاهروفيتش بالثيمة المذكورة، في عمله المعروض، لظنه أنها مجرد عنوان أو شعار عام ليس من المفترض الالتزام به. وإذ لا ينفي أن هناك فعاليات تضع لنفسها ثيمة أو عنوان يجب الالتزام به في مضمون الأعمال المشاركة، لكنه يرى أنه كان على اللجنة المنظمة أن تحدد ذلك للفنانين المشاركين للمرة الأولى.
لقطة من عمل هدى لطفي الفائز بالجائزة الأولى |
من جهته، أبدى الفنان عصمت داوستاشي، وهو أحد أبرز فناني الإسكندرية، تحفّظه على هذه الدورة وأعرب عن دهشته أمام العجلة والسرّية اللتين أعد بهما البينالي. ويقول الفنان الذي قاطع جميع فعاليات الدورة: "لم توجّه دعوة للفنانين غير المشاركين إلى حضور الدورة، ولم يحظ الحدث بدعاية كافية، لذا نجد أن الكثير من فناني الإسكندرية لم يعرفوا عن البينالي، وفوجىء العديد منهم بموعد تنظيمه في أشهر الصيف، وهو ما لم يكن متبعاً من قبل، إذ درجت العادة أن تقام الدورات خلال أشهر الشتاء أو الربيع، بعيداً عن زحام الصيف في مدينة الإسكندرية".
خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد قبيل الافتتاح، برّر الفنان صلاح المليجي ما شاب هذه الدورة من سلبيات أو قصور بضعف المخصصات المالية المتاحة، معرباً عن أسفه لعدم مساهمة رجال الأعمال في تدعيم البينالي بالشكل اللائق. وفي هذا السياق قال: "لقد توجهنا إلى محافظ الإسكندرية في البداية للحصول على دعم من المحافظة، فأحالنا إلى جمعية رجال الأعمال في الإسكندرية، التي ردت بمساهمة هزيلة للغاية، وهو ما دفعنا إلى رفض تلك المساهمة والاكتفاء بالإمكانات المادية المتاحة لدينا".
ولعلنا لا نشارك المليجى حماسه حين يقول: "إن إقامة البينالي في مثل هذه الظروف التي تمر بها مصر يعد إنجازاً في حد ذاته".