لا عزاء لنا. نحن الجيل الآخر... ولدنا في الحرب الأهلية اللبنانية، لكن كوّنا ثقافتنا خارجها. لا عزاء لنا. نحن الذين آمنّا أن نسيم الربيع بدأ في بيروت. ولا عزاء لنا. نحن الذين كنا نردّد عند كل منعطف، وكل هزيمة، وكل خيبة عبارتنا الشهيرة: "مطرح ما بدّك روح، بيروت هي الروح". البعض منّا فقد الأمل، حلم بمستقبل أفضل فهاجر. وبقينا نحن هنا نقول "بيروت هي الروح". لكنّهم مصرّون على خنقنا، على سرقة الهواء منّا. أوقفوا كريم حوّا بسبب تعليق على حسابه على "فيسبوك"، منعوا عرض فيلم إيراني يتحدّث عن "الثورة الخضراء"، مدّد النواب لأنفسهم. كل ذلك في أقلّ من عشرة أيام. لا عزاء لنا.
آخر نسمات الحرية، يسرقونها منّا. إنهم يحاربون الإرهاب تارة، ويمنعون انفجار البلد تارة أخرى. يسافرون على حسابنا، يصرفون على حسابنا، يأمرون القوى الأمنية بضربنا، باعتقالنا، القوى الأمنية التي ندفع نحن مرتباتها. ثمّ يمنّوننا بالأمن والأمان الذي نتمتّع به. "نبعد شبح الحرب الأهلية" يقولون. هم أبطال الحرب الأهلية... لا عزاء لنا.
قبل سنوات قليلة، قبل أشهر كنا ننظر إلى الثورات العربية، نفرح بكل هذا الغضب، ونبستم ونحن ننظر حولنا في بيروت. هنا، لا نزال نقول ما نريد، لا يزال طيف الحرية يخيّم على مدينتنا. نمنا، واستيقظنا، كان كل شيء تغيّر. يراقبون حساباتنا على مواقع التواصل، يهدّدون، ويستدعون... يبصقون على مجموعة شباب وقفوا يهتفون ضد التمديد: "اصرخوا ما شئتم سوف نبقى هنا". العالم العربي يتخلّص من طغاته، ونحن ننظر إلى صناعة الطغاة الجدد... لا عزاء لنا.
لم تعد بيروت لنا. لا بحرها لنا، ولا برها لنا، ولا مقاهيها تحتملنا. سرقوا منّا آخر ما تبقى لنا، فسحة الحرية الصغيرة المسماة بيروت. إنهم يحاربون الإرهاب، إنهم يبعدون شبح الحرب الأهلية، نحن نختنق... لا عزاء لنا.