بيت ساحور... مدينة الحِرف والخوف من الوباء

24 يونيو 2020
تقع شرق مدينة بيت لحم (Getty)
+ الخط -
في توقيتٍ حساس تئن فيه محافظة بيت لحم جنوب الضفة الغربية تحت وطأة غياب الوافدين والسياح، وتوقف الحركة السياحية بشكلٍ كامل إثر جائحة كورونا، وخسارة مالية للقطاع السياحي في المدينة، تقدَّر حتى الآن بمليار دولار، جاء خبر إعلان بيت ساحور، شرق بيت لحم، قبل نحو أسبوعين، مدينة حِرف عالمية من قبل مجلس الحِرف العالمي الذي نقل الخبر إلى وزارة السياحة والآثار الفلسطينية.
رشحت وزارة السياحة الفلسطينية مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية لتكون مدينة حِرف عالمية، وبالفعل حصل ذلك عام 2016، ليعقب ذلك ترشيح بيت ساحور في نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2019، ثم موافقة مجلس الحِرف العالمي على تصنيفها مدينة حِرف هذا العام، بعد أن زارتها لجنة خاصة في فبراير/ شباط الماضي، بحسب ما يفيد به لـ"العربي الجديد" الناطق الإعلامي باسم وزارة السياحة الفلسطينية جريس قمصية.
يقول قمصية إن "هذا الإعلان يعني فتح الآفاق التجارية والتسويقية لمنتجات خشب الزيتون على وجه الخصوص التي يجري تجهيزها في مشاغل بيت ساحور، وذلك بإمكانية مشاركة الحِرفيين في معارض عالمية، بالإضافة إلى لفت أنظار السياح والجهات والشركات ذات الصلة إلى هذه المُنتجات".
تضم بيت ساحور 350 مشغلاً مُرخصاً لصناعة تحف خشب الزيتون الذي يُعتبر مُقدساً لدى المسيحيين، لارتباطه بحياة السيدة مريم، تستهلك ثمانية أطنان سنوياً من خشب الزيتون، بالإضافة إلى مشاغل منحوتات وتحف الصدف وغيرها من الأشغال اليدوية، موجودة في مدينة بيت ساحور، ويعمل بها ما لا يقلّ عن نصف سكان المدينة البالغ عددهم 15 ألف نسمة.
وتشكل الأشغال اليدوية اقتصاد بيت ساحور بصورة أساسية؛ إذ يعتاش أهل المدينة الصغيرة من هذه الحرفة التي توارثوها غالباً عن أجدادهم وآبائهم، منذ القرن الرابع ميلادي عندما علّم الرهبان اليونان أهل المدينة هذه الحرفة.
لكن رغم إعلان بيت ساحور مدينة حِرف عالمية، والاحتفاء الرسمي وسعادة حِرفيي بيت ساحور باللقب الجديد، إلا أن الواقع غير مُبشر، بحسب هؤلاء الحرفيين، منذ توقف الحركة السياحية في محافظة بيت لحم مطلع مارس/ آذار الماضي، حتى اليوم، بعد إعلان حالة الطوارئ لمكافحة فيروس كورونا، الأمر الذي أفضى إلى توقف عمل هذه المشاغل وانقطاع دخل الحِرفيين.
لم تُنجز الأربعينية سامية مصلح، من بيت ساحور، أي تحفة خشبية من شجر الزيتون منذ قرابة أربعة أشهر، نتيجة انتشار فيروس كورونا الجديد، وإعلان الحالات الأولى للإصابة بالفيروس فلسطينياً في مدينة بيت لحم.
تقول مصلح لـ"العربي الجديد": "لدي ابن وابنة خسرا أعمالهما نتيجة كورونا، وأنا منذ إغلاق بيت لحم وانتشار الفيروس لم أعمل في المشغل. يعلم الله صعوبة وضعي المعيشي أنا وعائلتي، وللأسف أبحث عن عمل بديل حتى تعود الحركة السياحية في بيت لحم إلى طبيعتها".
الحال نفسه لدى الثلاثيني نضال دكرت، وهو أحد أصحاب مشاغل خشب الزيتون في بيت ساحور الذي تعلم هذه الحرفة من والده، منذ كان عمره 15 عاماً، وقد سبقه والده في افتتاح المشغل في ستينيات القرن الماضي.
يقول دكرت لـ"العربي الجديد": "الوضع مأساوي. لم تمرّ على بيت لحم هذه الظروف من قبل. نحن نخشى على حِرفة صناعة خشب الزيتون من الاختفاء، ونحن الحرفيين في بيت ساحور نناشد كل الجهات مساعدتنا في البحث عن مخرج لأزمة توقف عملنا بسبب انتشار فيروس كورونا. أنا أحد أصحاب المشاغل المترتب عليهم قروض وديون للبنوك، ولدي التزامات عليّ الإيفاء بها".
أربعة عمال في مشغل إيهاب خير في بيت ساحور، تعطلت أعمالهم بسبب كورونا، وكذلك العديد من أفراد العائلات الذين يعملون مع المشغل من المنازل، كالموظفين في وظائف أُخرى خلال النهار، ويشتغلون على بعض "الطلبيات" في منازلهم ليلاً.
يقول خير لـ"العربي الجديد" إن إعلان بيت ساحور مدينة حِرف عالمية "أمر جيد للغاية، فقد يساعدنا ذلك على تطوير حِرفتنا، لكن اتضح الأثر المالي السيئ لجائحة كورونا على مشاغلنا والحِرف التي نعمل فيها، ونحن نمرّ بوضع صعب جداً، وأنا لدي 6 أبناء، وزوجتي موظفة في الدوائر الحكومية، وبصراحة نحاول تدبر أمرنا من راتبها".

70% من مُنتجات المشاغل الحرفية في بيت ساحور كانت تُسوَّق داخل فلسطين للسياح الوافدين إلى محافظة بيت لحم، وبلداتها السياحية المتجاورة، حيثُ بيت ساحور، والغرب حيثُ مدينة بيت جالا، إما عبر المشغل أو ببيعها غالباً لمحلات التحف الشرقية في محافظة بيت لحم، المعروفة باسم محلات "السنتواري"، وما يبقى من هذه النسبة يُباع للكنائس والأماكن الدينية المسيحية في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال لا الحصر، بحسب ما يُفيد به إيهاب خير الذي يؤكد أن سوق بيع المنتجات الحرفية أُغلق أمام الحرفيين بالكامل، بسبب إغلاق أماكن العبادة والكنائس حول العالم.
تنظر وزارة السياحة والآثار إلى خطوة إعلان بيت ساحور مدينة حِرف عالمية نظرة سياسية، إذ يساعد هذا الاعتراف - بحسب الناطق باسم الوزارة جريس قمصية - في المحافظة على الموروث الثقافي والشعبي الفلسطيني وحمايته من السرقة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتثبيت الوجود الفلسطيني على الأرض وفي المحافل الدولية، كذلك فإنه اعتراف من مجلس الحِرف العالمي بقدرة الفلسطينيين على حفظ هذا الموروث وحمايته.
وعن الخطوات التي تستعد لها بلدية بيت ساحور لتفعيل اللقب الذي حصلت عليه المدينة، يقول رئيس البلدية جهاد خير لـ"العربي الجديد": "نحن في إطار إنشاء معهد لتعليم الأجيال الجديدة الحِرف اليدوية التي تشتهر بها بيت ساحور، بالإضافة إلى منطقة تضم 40 مشغلاً للحرفيين شرق بيت ساحور، وذلك في إحدى المناطق المصنفة (ج) في مدينة بيت ساحور، لحماية الأرض من المصادرة من قبل الاحتلال، بالإضافة إلى نية البلدية إنشاء متحف لعرض المنحوتات الخشبية وباقي المنتجات اليدوية التي تُنجزها مشاغل المدينة".
المساهمون