ماذا في جعبة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الذي غادر بصورة عاجلة إلى السعودية والإمارات؟ سؤال يتردّد في واشنطن منذ مساء أمس الأربعاء، بعد إعلان وزارة الخارجية عن الزيارة المفاجئة التي اقتضتها عملية "أرامكو". هل هو في مهمة للتطمين أم للتحضير أم للتشاور؟ التسريبات شحيحة والقراءات والاجتهادات متأرجحة، لكنها تدور إجمالاً في نفس الفلك من التوقعات المستندة إلى تلميحات وخطوات وتحركات، رافقت ذهابه الاضطراري إلى المنطقة.
في هذا الإطار، جرى التوقف عند نقاط عدة اعتُبرت بمثابة مؤشرات على الوجهة المرجح أن تعتمدها إدارة ترامب في تعاملها مع هذا التطور غير الاعتيادي الذي ينبئ بتدشين مرحلة تغيير لقواعد اللعبة الكبرى في المنطقة.
أولاً إن زيارة الوزير جاءت بعد ثلاثة أيام من وقوع التفجير، سادتها بلبلة في الموقف الأميركي عموماً، إدارةً و"كونغرساً" ونخباً سياسية وعسكرية ودبلوماسية. التباين كان واضحاً في تحديد المسؤولية وطرق الردّ. الرئيس ترامب احتفظ من البداية وما زال، بموقف رمادي. استمهل الردّ لغاية "أن نسمع من السعودية" حول الموضوع. إشارة فرملة موجهة للمملكة.
بالتزامن مع قرار الزيارة، اتخذ الرئيس ترامب خطوات وأعطى تصريحات، تصب في دعم هذا التوجه. أوعز لوزارة المالية بفرض المزيد من العقوبات على طهران، في وقت لم تبقَ فيه جهة أو قطاع أو حقل إيراني، لم تطاوله العقوبات الأميركية. بدا ذلك بمثابة لزوم ما لا يلزم.
وكأن الرئيس أراد بذلك الإيحاء بأن إدارته ترفع من وتيرة التشدد إزاء إيران رداً على عملية "أرامكو". لكن عملياً لا تأثير لمثل هذه الخطوة في هذه الحالة. ثم إن العقوبات الأميركية، التي لا شكّ أنها تسببت بأذى بالغ لإيران، لم تفلح في حمل طهران على التراجع عن سياسة التحدي والمبادرة إلى الهجوم. كان ذلك واضحاً في اعتراض حاملات النفط في مضيق هرمز ومياه الخليج. وبذلك فإن الإدارة تعرف محدودية الردع لاستخدام سلاح العقوبات مع إيران. وبالتالي بدا قرارها بفرض المزيد، أقرب إلى الديكور منه إلى العقاب.
إلى جانب ذلك وبالترافق معه، اختار الرئيس ترامب، الأربعاء، روبرت أوبراين لمنصب مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، خلفاً لجون بولتون الذي طرده قبل أيام. أوبراين يشغل حالياً موقع "رئيس قسم التفاوض لإطلاق سراح الرهائن الأميركيين في الخارج". حقق نجاحاً في مهمته كمفاوض، تمكن من إطلاق سراح عدة رهائن من تركيا والسويد وغيرها. محامٍ معروف جاء به الرئيس ترامب إلى الخارجية كأحد مؤيديه. والآن، اختاره على أساس انتمائه المحافظ، كما لكونه من المعترضين على الرئيس أوباما واتفاقيته النووية مع إيران.
والأهم لأنه بارع في التفاوض لإبرام الصفقات، وغير أيديولوجي كما كان بولتون. مواصفات تتفق مع مقاربة الرئيس للسياسة الخارجية والإيرانية منها. وزيادة في التأكيد على ذلك، دافع الرئيس الأربعاء عن قراره بالتراجع عن الغارة الجوية ضد إيران، رداً على إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة فوق مياه مضيق هرمز في يونيو/حزيران الماضي. ويتجه البيت الأبيض نحو دعوة مجلس الأمن للنظر في الاعتداء على "أرامكو"، لاستصدار قرار بالإدانة، وذلك في إطار السعي لبناء تحالف دولي ضد إيران. وفي هذا السياق، حرص ترامب، الأربعاء، خلال جولة في ولاية كاليفورنيا، على ترك الباب مفتوحاً أمام خيارات أخرى "أقلّ من الخيار النهائي" العسكري.
كل هذه الإشارات عززت الاعتقاد مرة أخرى بأنّ الرئيس ما زال يستبعد الرد العسكري. لكن تصريح الوزير بومبيو اليوم الخميس في السعودية، زاد من تشويش الصورة عندما قال إن ضرب "أرامكو" هو بمثابة "العمل الحربي"، من دون التلميح إلى العواقب؛ توصيفه لا يتفق مع الموقف المعلن للرئيس.
المؤكد أنه ليس بإمكان ترامب تجاهل الحادثة. بومبيو يتحدث بصوت عالٍ ليطمئن أصحاب العلاقة، من دون أن يخرج عن دائرة موقف رئيسه؛ على أن تجري ترجمة ذلك "بمساعدة السعودية على تعزيز إمكانية ردعها"، كما أوضح رئيس هيئة الأركان الجنرال جوزف دانفورد، الذي حرص على نفي احتمال القيام برد عسكري "وشيك" ضد إيران. مع ذلك، تبقى الصورة زئبقية.