ربّما ملّت من الحديث مع السياسيين، ومن لفّهم ودورانهم، وربّما ملّت من السياسة كلّها. هي التي قابلت زعماء دول وملوكاً ورؤساء، ربّما يكون أبرزهم الرئيس جورج بوش الابن، أثناء ولايته، والزعيم المخلوع معمّر القذّافي. وهي التي قابلت اقتصاديين ورجال أعمال ورجال فكر وفلسفة ومواطنين.. وهي القائلة: "الصحافة ليست مهنتي".
في عام 2012 التقت بولا يعقوبيان بالمهندس الميكانيكي باتريك زغبي، وقد كان عائدا من عمله لسنوات في بلد خليجيّ، وادّخر ما أمكنه من مال، وقرّر أن يفتتح عملا جديدا له في لبنان، هو تصنيع حقائب اليد النسائية من بقايا إطارات السيارات المستعملة.
لكنّ عامي 2011 و2012 كانا صعبين على لبنان واللبنانيين، وكاد باتريك أن يصفّي أعماله ويعود إلى حيث كان، بعدما خسر الكثير من المال. لكنّ لقاءه بالإعلامية بولا يعقوبيان أنقذه وأنقذ الفكرة: "شعرتُ أنّه في حاجة إلى الدعم، فشاركته مالياً ومعنوياً، وإلا كان سيوقف المشروع ويسافر مجدّداً إلى الخارج"، تقول بولا في حديث لـ"العربي الجديد".
بولا ناشطة بيئية منذ سنوات، وتتابع الأخبار البيئية بشغف، وقد شاركت في حملة تنظيف أعماق البحر اللبناني، وقريباً ستشارك في إطلاق حملة تنظيف أعماق مرفأ جبيل الأثري. وقد دفعت أموالا كثيرة لبناء معمل شرق بيروت، الذي يشغّل عدداً لا بأس به من العاملين لصناعة الحقائب.
باتريك زغبي يشرف على الفريق الذي ينتج نحو 500 حقيبة من كلّ 80 إطار هواء داخليا. وهو الإطار الكاوتشوكي الذي يكون داخل إطار السيارة: "لا يمكننا العيش مع كميّات النفايات الضخمة التي ننتجها، لذا لا بدّ أن نفكّر في إعادة استعمالها، عبر تدويرها، بإعادة تصنيعها على حالها، وليس بتذويبها مثلا. وفي لبنان هناك كميّات كبيرة من إطارات السيارات، التي يلزمها آلاف السنوات كي تتحلّل في الطبيعة، ففكّرت أنّ هذا المشروع يتلاقى مع اهتماماتي البيئية"، تقول بولا.
أما الأرباح التي جنتها خلال عامين، فتبرّعت بها إلى جمعية تعالج الأطفال المصابين بمرض التوحّد، وإلى جمعية أخرى تُعنى بإعادة التشجير في مناطق لبنانية مختلفة، تحت إشراف وزارة البيئة.
طموح المشروع أن يفتتح أفرعاً له في الأسواق العربية: "وأن نبيع، مستندين إلى وعي بيئي، هو قليل حالياً، لكنّه موجود وبدأ يتطوّر في لبنان وفي الدول العربية"، تضيف.
هذا السبت، الموافق 8 نوفمبر/تشرين الثاني، وفي الخامسة من بعد الظهر بتوقيت بيروت، تفتتح بولا المتجر الأوّل في بيروت. وسيكون متخصّصا في بيع حقائب اليد النسائية، وحقائب الظهر للتلاميذ، ومحافظ للرجال أيضا، في أسواق بيروت "Beirut Souks". المتجر اسمه "VEA".
لن يزيد ثمن الحقيبة، في حدّه الأقصى، عن 300 دولار أميركي. وسيكون حاضراً في الافتتاح عدد كبير من رجال السياسة والإعلام والاقتصاد والمجتمع اللبناني. إذ تسخّر بولا شبكة علاقاتها كلّها لإنجاح هذا المشروع: "ولو وظّفت أموالي واسمي في مشروع تجاريّ آخر لكسبت شهرة ومالا أكثر بكثير، لكنّ همّي الأوّل بيئي" تقول.
وتؤكّد أنّ المشروع يتوجّه إلى الشباب والمراهقين، الذين باتوا يحملون وعياً بيئياً لم يكن متوافراً للأجيال السابقة. وهي تستعمل اهتماماتها البيئية وشهرتها من عملها في تقديم برنامج سياسي أسبوعي على شاشة تلفزيون "المستقبل"، لصناعة "مستقبل أفضل لنا جميعاً".
وعلى سيرة الحديث عن "مستقبل لبنان"، توافق بولا على أنّ "لبنان يتّجه إلى الحضيض في السياسة، وعلينا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه، كي نساهم في استمرار البلد، وهذا المشروع واحد من طرق التعبير عن الاهتمام بالبلد". هذا لأنّ "الإصلاح السياسي مستحيل في لبنان، حيث الطريق مقفل على التغيير، ولأنّ تغيير عقليات الناس أمر غير ممكن حاليا، والتغيير السياسي شبه مستحيل، لذا أدعو المهتمّين إلى المحافظة على البلد أقلّه".
في لبنان، حيث لا يمر شهر، منذ عام 2005، من دون أن يقطع مناصرو فريق سياسي طريقاً من هنا أو من هناك، بإشعال إطارات (دواليب) السيارات، هناك من يحاول أن يحوّل هذا الدولاب من رمز للانقسام السياسي والأمني والعسكري، إلى رمز للجمال البيئي..
ورغم أنّ المهمة مستحيلة، إلا إنّها محاولة تستحقّ الاحترام والإجلال. والمسافة قصيرة جدا وطويلة جدا.
قصيرة بين الدولاب الذي يحرقه رجال لبنان في الشارع، ما زاد من أمراض الحساسية لدى اللبنانيين في السنوات الأخيرة، وبين الدولاب المتحوّل إلى حقيبة صديقة للبيئة على أيدي نساء لبنان. وطويلة جداً بين كون اللبنانيين شعبا "على الطريق" تتناتشه الدول الإقليمية والدولية، وبين تحوّلهم إلى شعب موحّد وصل به الترف إلى إعادة تصنيع نفاياته.