بوظة "ركب" مذاق فلسطيني تاريخي

02 سبتمبر 2018
بوظة "ركب " في رام الله (العربي الجديد)
+ الخط -
في العام 1941 تمكن جميل ركب (كان يبلغ من العمر حينها 18 عاماً) من توفير مبلغ 100 جنيه فلسطيني وافتتح به مطعماً لبيع البوظة في الشارع الرئيسي الواصل إلى البلدة القديمة من مدينة رام الله، ولم يكن في المكان سوى بوظة ركب ومحلين آخرين. ولاحقاً أصبح الشارع معروفًا باسم "شارع ركب" نسبة لمطعم البوظة الذي يعرفه كل من وطأت قدماه مدينة رام الله. 

قصة البدايات
عبد ركب، والد مؤسس مطعم بوظة ركب، وهو من عائلة ركب أحد فروع عائلة الحساسنة وهي من أصغر العائلات السبع الأصيلة المكونة لمدينة رام الله، توفي حينما كان يعمل في بيارات مدينة يافا المحتلة، وترك خلفه أربعة أطفال (ولدان وابنتان). كان أكبرهم جميل يبلغ من العمر حينها 9 سنوات، فاضطرت أرملته سارة، المرأة الثلاثينية، أن تواصل الحياة وتكافح لإعالة أبنائها فعملت بخياطة الأثواب التراثية وبيعها. وحينما بلغ ابنها جميل من العمر 14 عاماً تعلمت سارة صناعة البوظة بشكل يدوي، وبدأ جميل وإخوانه يبيعون ما تصنعه والدتهم من البوظة والمشروبات الباردة يتجولون بعربة البوظة في شوارع رام الله، بحثاً عن أماكن التجمعات والمناسبات ومواعيد خروج الطلبة من مدارسهم.
بعد 14 عاماً، تمكن جميل ركب في العام 1955 من افتتاح مصنع لإنتاج البوظة بشكل يدوي، ورغم مرور أكثر من ستين عاماً على افتتاح المصنع إلا أن ما يميزه هو دق البوظة بطريقة يدوية حتى اليوم، فيما طور المصنع إمكانياته وأصبح ينتج 42 طعمًا من البوظة، بعدما كان يقتصر على نوعين فقط.

في حديثه مع "العربي الجديد" يشرح إحسان جميل ركب، أهمية صناعة البوظة في العائلة، فيقول إنه في ثمانينيات القرن الماضي، حصل هو على شهادة الماجستير في الهندسة الكيماوية من إحدى الجامعات البريطانية، لكنه لم يجد عملاً ذا دخل مناسب، وعاد حينها إلى رام الله، ليكمل مع إخوانه ما بدأه والدهم في صناعة وإنتاج البوظة. واليوم ها هو ابنه جيمي إحسان ركب (37 عاما) يعود أيضاً قبل سنوات إلى مدينة رام الله بعدما تحصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من إحدى الجامعات الأميركية، ليكون ضمن طاقم مطعم بوظة ركب مع والده وأبناء عمه.
بالنسبة لجيمي فإن بوظة ركب أصبحت تراثاً ومكاناً سياحياً وهو يفخر بتلك البوظة التي تحمل اسم العائلة. مشيراً إلى المطعم يؤمه الفلسطينيون من أماكن مختلفة من فلسطين التاريخية وحتى المغتربون منهم وكذلك السياح العرب والأجانب، "الذين يخبروننا أنهم جاؤوا خصيصا لتناول البوظة". لـ"العربي الجديد".

عادة قديمة
المسن زكي النمري (65 عاما) وهو مقدسي من سكان مدينة أريحا حالياً، يصر على زيارة مطعم بوظة ركب لتناول البوظة اللذيذة هو وعائلته، ويستعيد ذكرياته فيها، لقد كان والده يصحبه معه إلى المطعم وهم أطفال، وكانت له ذكريات جميلة فيها، يقول النمري لـ"العربي الجديد".
أما السيدة رفيف عنبتاوي (51 عاما) وهي من سكان مدينة بيتونيا غرب رام الله، تزور مطعم بوظة ركب لتناول البوظة اللذيذة، هي مريضة بالسكري، وتتناول البوظة الخاصة بها، لقد اعتادت على تناول البوظة منذ عشر سنوات في "بوظة ركب" عدة مرات أسبوعيا، توضح رفيف لـ"العربي الجديد".
مطعم بوظة ركب أصبح شهيرا حتى لدى العديد من الشخصيات العالمية، إذ يؤكد جيمي ركب في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الأمير البريطاني وليام، زار المطعم وتناول فيه البوظة بعد زيارته لرام الله قبل نحو شهرين، وأعجبته، وقال له حينها: "أستطيع أن أتناول هذه البوظة طوال اليوم"، بينما تناولها الملك الأردني عبد الله الثاني في زيارته لمقر المقاطعة (الرئاسة الفلسطينية) قبل عدة سنوات، علاوة لزيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للمطعم في إحدى جولاته في مدينة رام الله قبل عدة سنوات وتناوله البوظة في المطعم.



يوميات العمل 

يوميا تبدأ عائلة ركب إنتاج البوظة وبيعها في مطعمها منذ الثامنة صباحًا وحتى ما بعد منتصف الليل خاصة في فصل الصيف، وما يميز المطعم بيع البوظة على مدار العام حتى في فصل الشتاء، فإن لها زبائنها، ويبيعون المشروبات الساخنة والباردة على مدار العام، إضافة إلى بيع السحلب في الشتاء.
يحاول القائمون على بوظة ركب إنتاج البوظة لتكون متنوعة في الطعم وفي متناول الجميع على أن تحافظ على جودتها التي بدأتها والدة جدهم الراحلة سارة، إذ لديهم نوع خاص من البوظة لمرضى السكري، وأسعارها في متناول الجميع بدءًا من (ربع دولار وحتى نحو خمسة عشر دولارا)، ويتمكن بعض الزبائن إما من تناولها في المطعم أو أخذها هدية، لذا يوجد لديهم نوع من البوظة المغلفة بوعاء من الفلين ومجمدة بدرجة حرارة تصل إلى 30 درجة تحت الصفر، وتبقى دون ثلاجة لمدة خمس ساعات.
ما يميز بوظة ركب عن غيرها أنها تنتج بواسطة "الدق" اليدوي وما زال أصحابها يحافظون على هذا التقليد منذ بدء والدة جدهم إنتاجها في عشرينيات القرن الماضي، إضافة لجودتها في الطعم واستخدام مكونات طبيعية في الأطعمة واستخدام بعض أنواع الشوكولاتة العالمية، وعدم استخدام المواد الحافظة، واستخدام "المستكة" العربية التي تضفي للبوظة طعمًا مميزا، وتجعلها "مطاطة" حين أكلها.
المساهمون