المعارضة التي وجدت نفسها خارج الصورة بسبب تدخّل الجيش، على الرغم من دورها في تحريك الشارع ضد حكم كومبواريه، تحاول الآن استعادة زمام المبادرة، فقد أعلنت رفضها مصادرة الجيش السلطة وتحكّمه في مسار الأمور في البلاد، ودعت إلى تظاهرات شعبية يوم الأحد الماضي.
وعقد زعماؤها لقاء مع الرئيس العسكري الجديد، إسحاق زيدا، الذي تعهّد بأن تتشكل الهيئة الانتقالية الجديدة من الأطراف كافة، معلناً في بيان عقب لقائه زعماء المعارضة أن "السلطة لا تهمنا، والأولوية وحدها للمصلحة العليا للأمة".
ومع أن مظاهر سيطرة زيدا على مقاليد الحكم في واغادوغو بدت واضحة، إلا أن المراقبين يخشون من وجود انقسامات داخل الجيش، من أبرز مظاهرها الانقلاب المضاد الذي قاده زيدا نفسه ضد قائد الجيش بعد أقل من 24 ساعة على توليه الحكم.
كما أن الضغوط الدولية بدأت تتزايد على النظام العسكري الجديد في بوركينا فاسو، بعد أن تحولت الانتفاضة الشعبية إلى انقلاب عسكري من دون وجود دور حيوي للعناصر المدنية.
وتقوم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس" بوساطة دولية في بوركينا فاسو، ودعت في وقت سابق إلى إقامة نظام انتقالي "يرأسه مدني"، و"يتطابق مع النظام الدستوري"، ولوّحت بفرض عقوبات إذا لم يتم ذلك.
دور المعارضة بين الطموح والمتاح
تسعى المعارضة في بوركينا فاسو إلى الحصول على دور حيوي في المرحلة الانتقالية، وكذلك يريد المجتمع الدولي، ولكنها تعاني من ضعف وترهّل بسبب سياسات كومبواريه طيلة فترة حكمه، إذ عمد الى منع قيام معارضة قوية، وهذا ما يعزز المخاوف بشأن مستقبل بوركينا فاسو.
ولا يُستبعد أن يؤثر العسكريون بوسائل مختلفة على أحزاب المعارضة حتى تستمر هيمنتهم على السلطة، وقد ظهرت بوادر ذلك حين دُعي قادة المعارضة إلى إلغاء التظاهرات التي كانت مقررة الأحد، وهو ما لم يستجب له العديد من قادة التظاهرة، ونظموا تظاهرة أمام مقر التلفزيون جوبهت بالقمع من الجيش.
وفي بداية الأحداث، تم طرح اسم الجنرال السابق، كوامي لوغي، لقيادة المرحلة الانتقالية نظراً لشعبيته الواسعة بين قادة التظاهرات وسُمعته التي اكتسبها من معارضته الشرسة لنظام كومبواريه، والتي أدت إلى إقالته من منصبه كوزير للدفاع بعد اتهامه بالمشاركة في انقلاب عسكري ضد الرئيس السابق، وعلى الرغم من ذلك فإن حظوظ لوغي تتوقف على ما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد.
كما أن زعيم المعارضة، زيفرين ديابريه، رئيس حزب "التداول الديمقراطي"، يحظى بمكانة سياسية مرموقة وقبول فرنسي، وهو رجل أعمال وسياسي مخضرم.
احتمالات ومآلات
وعلى الرغم من تعقّد الأوضاع في بوركينا فاسو، وما يلفها من غموض، إلا أنه يمكن من خلال تتبّع الأحداث استنتاج مجموعة من الاحتمالات يُتوقع ألا تخرج عنها مآلات الأمور في واغادوغو، أولها هو أن تستمر التظاهرات وتصعّد المعارضة من احتجاجاتها.
فورقة الشارع لا تزال في يدها، كما أن العديد من الشباب ما يزال مصرّاً على عدم تولي العسكريين السلطة، لأنهم من بقايا نظام كومبواريه، وهو الذي عيّنهم في مناصبهم، والكثير من هذه الحركات الشبابية والطالبية كان لها دور كبير في إنجاز الانتفاضة ضد حكم كمباوري.
الاحتمال الثاني أن يواصل القادة العسكريون سيطرتهم على الأوضاع، ويتمكنوا من تدجين قوى المعارضة وإغراء بعض قادتها بالمناصب مع القيام ببعض الخطوات الشكلية، التي تهدف إلى تهدئة الأوضاع ميدانيّاً. ويبقى التحدي الأصعب أمام نجاح هذا الاحتمال هو العناصر الشبابية التي قادت الثورة ضد كومبواريه، فإذا ما نجح العسكريون في احتواء هذه العناصر فإنه من المرجح أن تتجه الأوضاع الداخلية نحو مزيد من الخضوع في يد العسكريين.
ويبقى الموقف الدولي حاسماً في ترجيح أي من هذين الاحتمالين، خصوصاً الموقف الفرنسي، إذ يخشى الفرنسيون من امتداد الاضطرابات إلى العديد من الدول الأفريقية التي لا تختلف أوضاعها السياسية كثيراً عن الأوضاع التي أدت إلى الانتفاضة في بوركينا فاسو. وعليه من المتوقع أن ينشط الفرنسيون وكذلك مجموعة "أيكواس" من أجل مساعدة الأطراف في بوركينا فاسو على التوصّل إلى حل للأزمة السياسية الناجمة عن سقوط نظام كومبواريه.