17 نوفمبر 2024
بوتين إلى الفوز في مهزلة الانتخابات الروسية
تفيد كل التوقعات والمؤشرات بأن اليوم الأحد، الثامن عشر من مارس/ آذار الحالي، سيشهد فصلاً جديداً من مهزلة الانتخابات الرئاسية الروسية، يُذكر بتكرار الفصل نفسه الذي حدث في العام 2012، حين عاد فلاديمير بوتين في لعبة تبادل المناصب مع ديمتري ميدفيديف إلى كرسي الرئاسة الذي سبق وأن احتله بوتين 14 عاماً، عبر ثلاث فترات (2000 ـ 2004، و2004 - 2008، 2012 - 2018)، تخللها فترة رئاسة ميدفيديف الشكلية بين الفترتين الثانية والثالثة، حين اختار بوتين التحايل على الدستور الروسي، بدلاً من تعديله، كونه ينص على فترتين رئاسيتين حدا أقصى.
وتجري الانتخابات الروسية في غياب أي مرشح حقيقي، يمكنه منافسة بوتين، وذلك بعد أن أقصى النظام البوتيني كل رموز المعارضة عن حلبة المنافسة، ولفق لهم تهماً مختلفة، مثلما فعل نظام عبد الفتاح السيسي حيال أي شخصية مصرية كانت تفكر أو حتى تنوي ترشيح نفسها منافسا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولم يتحمل النظام البوتيني ترشيح ألكسي نافالني، أبرز رموز المعارضة الروسية، بل حكم عليه بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ بتهمة اختلاس أموال، بينما قبل ترشيح كل من بافل غوردنين، رجل الأعمال الذي يدير مزرعة لينين التعاونية وفق نهج رأسمالي، عن الحزب الشيوعي الروسي، والمرشح القومي الشعبوي،
فلاديمير جيرينوفسكي، والصحافية الليبرالية كسينيا سوبتشاك، حيث تفيد استطلاعات الرأي بأن هؤلاء المرضي عن ترشيحهم لن يحصلوا على نسب أصوات تتجاوز الخمسة أو السبعة في المائة، ما يشير إلى أنهم مرشحون صوريون، وليسوا منافسين حقيقيين لفلاديمير بوتين، الذي اختار هذه المرة أن يترشح مستقلا، وليس عن حزبه "روسيا الموحدة"، وسخّر كل إمكانات روسيا الاتحادية الإعلامية واللوجستية، من أجل دعم حملته الانتخابية. وهذا ما يفسر دعوات قوى المعارضة إلى مقاطعة هذه الانتخابات، بوصفها مشهداً جديداً لفصول مسرحيةٍ عبثية، هدفها تكريس الحكم الفردي لبوتين، الساعي إلى تجاوز فترة الثمانية عشر عاماً التي أمضاها ليونيد بريجنيف في حكم الاتحاد السوفييتي المندثر (1964-1982)، والطامح إلى الاقتراب من فترة جوزيف ستالين في حكم الاتحاد السوفييتي (1922-1953).
وعلى الرغم من أن بوتين يخوض مهزلة الانتخابات الرئاسية، من دون أن يواجه فيها منافساً حقيقياً، إلا أنه يرفض المشاركة في مناظرات تلفزيونية مع المرشحين الآخرين، ولا يكفّ عن الاستعراض خلال ظهوره في مهرجانات حملته الانتخابية، ودغدغة مشاعر الروس القومية والاجتماعية، والتعبير عن رضاه، وما أنجزه في مسيرة حياته، بوصفه أول رئيس لروسيا تنحدر عائلته من أسرة فلاحية كانت تعمل بالسخرة، مخفياً سيرته في الحزب الشيوعي والأعمال القذرة التي قام بها في فترة خدمته في الاستخبارات الروسية، فضلاً عن استخدامه موارد حكومية لتمويل مهرجانات حملته الانتخابية وتنظيمها، واعتماده وسائل سوفييتية في إجبار موظفي الدولة عمالها وفنانيها للمشاركة في حملاته وجولاته والتصفيق له.
ولم يخف فلاديمير بوتين طموحاته الرئاسية، منذ وصوله إلى حكم الاتحاد الروسي عام
2000، وكشف عنها في أكثر من مناسبة، ويأمل في البقاء في الحكم إلى الأبد، مستخدماً مختلف المبرّرات الشكلانية "الدستورية" و"المشروعية" لتحقيق طموحاته، حيث سبق وأن استخدم ميدفيديف في لعبة تبادل المناصب والأداور، لكي يمهد الطريق لعودته إلى كرسي الرئاسة 2012، وستمتد فترة رئاسته الرابعة إلى عام 2024، لكنه سيضطر للانتظار حتى عام 2030 لكي يعود مجدداً إلى كرسي الرئاسة، وذلك إن لم يعدل الدستور الروسي، ويجبر على تكرار لعبة تبادل المناصب مع ميدفيديف أو سواه، الأمر الذي يطرح أسئلة كثيرة بشأن حقيقة الديمقراطية في روسيا، ومهزلة تبادل السلطة والنفوذ بين بوتين وأزلامه. ولعل السؤال الأبرز يطاول إمكانية أن تفضي عملية تحديد الرئاسة بفترتين متتاليتن إلى تداول حقيقي للسلطة، وعما إذا كانت تشكل التفافاً عليه في بعض تجارب الدول. إضافة إلى أن الديمقراطية لا تختصر بالانتخابات البرلمانية والرئاسية الشكلانية، ولا بالقوانين الدستورية وسواها، بل هي أعمق من ذلك بكثير.
في المقابل، تجد أطروحات فلاديمير بوتين وتوجهاته الانتخابية قبولاً لدى شرائح اجتماعية روسية واسعة، تمثل كتلة الروس الباحثين عن زعيم، يشدّد قبضته الفولاذية والتسلطية على مقاليد الحكم في الاتحاد الروسي، الذي يتأرحج في سيره على مختلف الصعد، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يقدم بوتين تصوراً ينهض على ضرورة بناء كيان "روسيا القوية"، والدولة الصلبة لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، من خلال تشكيل الآلية الثابتة له، فيما تلقى أطروحاته وتصوراته امتعاضاً شديداً من قوى المعارضة الروسية الليبرالية وأحزابها.
وقد غالى بوتين في إشادة نظام مركزي، عطّل المبادرات المحلية والاجتماعية، وألحق الضرر ببنية مؤسسات المجتمع المدني، ظناً منه أن روسيا بحاجة إلى دولة مركزية قوية لتقوية بنيتها وتركيبتها الاتحادية، وهو يخفي، في توجهاته، حقيقة معاداته الديمقراطية. من هنا نفهم مواقف روسيا المعادية للثورات والانتفاضات التي اجتاحت عددا من البلدان العربية منذ نهاية العام 2010، وتطالب الحريات والديمقراطية، وخصوصا الثورة السورية، حيث أعلن الساسة الروس منذ اليوم الأول لاندلاعها وقوفهم القوي إلى جانب النظام بكل إمكاناتهم العسكرية والسياسية واللوجستية، وتبنوا وجهة نظره وطريقة تعامله مع الأوضاع الدامية والمتفاقمة. والأنكى أن نظام بوتين يحاول عشية مهزلة الانتخابات الرئاسية تحقيق نصر عسكري في سورية على حساب إبادة المدنيين السوريين في غوطة دمشق الشرقية، وفي إدلب وريف حماة، كي يقدمه للناخب الروسي لكسب صوته، وبما يمكّنه من إطاله حكمه الفردي الأوحد لروسيا.
وتجري الانتخابات الروسية في غياب أي مرشح حقيقي، يمكنه منافسة بوتين، وذلك بعد أن أقصى النظام البوتيني كل رموز المعارضة عن حلبة المنافسة، ولفق لهم تهماً مختلفة، مثلما فعل نظام عبد الفتاح السيسي حيال أي شخصية مصرية كانت تفكر أو حتى تنوي ترشيح نفسها منافسا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولم يتحمل النظام البوتيني ترشيح ألكسي نافالني، أبرز رموز المعارضة الروسية، بل حكم عليه بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ بتهمة اختلاس أموال، بينما قبل ترشيح كل من بافل غوردنين، رجل الأعمال الذي يدير مزرعة لينين التعاونية وفق نهج رأسمالي، عن الحزب الشيوعي الروسي، والمرشح القومي الشعبوي،
وعلى الرغم من أن بوتين يخوض مهزلة الانتخابات الرئاسية، من دون أن يواجه فيها منافساً حقيقياً، إلا أنه يرفض المشاركة في مناظرات تلفزيونية مع المرشحين الآخرين، ولا يكفّ عن الاستعراض خلال ظهوره في مهرجانات حملته الانتخابية، ودغدغة مشاعر الروس القومية والاجتماعية، والتعبير عن رضاه، وما أنجزه في مسيرة حياته، بوصفه أول رئيس لروسيا تنحدر عائلته من أسرة فلاحية كانت تعمل بالسخرة، مخفياً سيرته في الحزب الشيوعي والأعمال القذرة التي قام بها في فترة خدمته في الاستخبارات الروسية، فضلاً عن استخدامه موارد حكومية لتمويل مهرجانات حملته الانتخابية وتنظيمها، واعتماده وسائل سوفييتية في إجبار موظفي الدولة عمالها وفنانيها للمشاركة في حملاته وجولاته والتصفيق له.
ولم يخف فلاديمير بوتين طموحاته الرئاسية، منذ وصوله إلى حكم الاتحاد الروسي عام
في المقابل، تجد أطروحات فلاديمير بوتين وتوجهاته الانتخابية قبولاً لدى شرائح اجتماعية روسية واسعة، تمثل كتلة الروس الباحثين عن زعيم، يشدّد قبضته الفولاذية والتسلطية على مقاليد الحكم في الاتحاد الروسي، الذي يتأرحج في سيره على مختلف الصعد، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يقدم بوتين تصوراً ينهض على ضرورة بناء كيان "روسيا القوية"، والدولة الصلبة لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، من خلال تشكيل الآلية الثابتة له، فيما تلقى أطروحاته وتصوراته امتعاضاً شديداً من قوى المعارضة الروسية الليبرالية وأحزابها.
وقد غالى بوتين في إشادة نظام مركزي، عطّل المبادرات المحلية والاجتماعية، وألحق الضرر ببنية مؤسسات المجتمع المدني، ظناً منه أن روسيا بحاجة إلى دولة مركزية قوية لتقوية بنيتها وتركيبتها الاتحادية، وهو يخفي، في توجهاته، حقيقة معاداته الديمقراطية. من هنا نفهم مواقف روسيا المعادية للثورات والانتفاضات التي اجتاحت عددا من البلدان العربية منذ نهاية العام 2010، وتطالب الحريات والديمقراطية، وخصوصا الثورة السورية، حيث أعلن الساسة الروس منذ اليوم الأول لاندلاعها وقوفهم القوي إلى جانب النظام بكل إمكاناتهم العسكرية والسياسية واللوجستية، وتبنوا وجهة نظره وطريقة تعامله مع الأوضاع الدامية والمتفاقمة. والأنكى أن نظام بوتين يحاول عشية مهزلة الانتخابات الرئاسية تحقيق نصر عسكري في سورية على حساب إبادة المدنيين السوريين في غوطة دمشق الشرقية، وفي إدلب وريف حماة، كي يقدمه للناخب الروسي لكسب صوته، وبما يمكّنه من إطاله حكمه الفردي الأوحد لروسيا.