أُسْدِل الستار عن انتخابات رئاسية رابعة خاضها الرئيس/المرشح عبد العزيز بوتفليقة، وكان "الحظّ" من نصيبه، وبنسبة مريحة جداً (81،53 في المئة) جديرة بجمهورية موز.
وقبل هذه الانتخابات، كان كثير من الجزائريين ينتظرون لفتة ضمير من رئيس يُصارح شعبه بمرضه المستعصي ويُعلن عدم ترشحه، تارِكاً الفرصة لمَن هو أكثر استعداداً للعمل من أجل الجزائر، التي تحتاج شبيبتها النشيطة والحالمة رئيساً شابّاً دينامياً يتماهى معها. ولكن لا شيء حدَث، وترشَّحَ "العجوز" وفاز.
وإذا كان المغاربيون والعرب في سنوات الثمانينات من القرن الماضي يسخرون من الرئيس التونسي "المجاهد" الحبيب بورقيبة، الذي انتخَب نفسَه رئيساً مدى الحياة، فلا شيء يختلف عنه في وضع بوتفليقة.
العامل الثاني، وهو بداية تأسيس معارضة حقيقية جادّة تستقطب الشعب الجزائري، وخصوصاً شبابه، وتعبر عن تطلعاتهم، في الوقت الذي لم تَعُد فيه الإحالة على الماضي النضالي للشعب الجزائر تُحرِّك الحشود، فالأزمة الاقتصادية خانقة.
ويستطيع علي بن فليس، الذي لم يُعِدَّ جيداً لهذا الاستحقاق الانتخابي أن يبني مشروعاً جديداً يتضمن تصوراً لحكم جديد يؤسس، حقاً، للجمهورية الثانية في البلد، ينفتح فيه على كل المكونات السياسية الأخرى، ليشكّل ورقة ضغط قوية على المؤسسة العسكرية الجزائرية.
ولن يكون لهذا البديل من مصداقية إذ لم يُجِب عن سؤال عُزوف الجزائريين المقلق عن التصويت. وحينها لن تجد المؤسسة العسكرية مناصاً من توليفة جديدة والدعوة لأول مرة لانتخابات رئاسية جديدة مبكِّرة. وإذا كان المرشح بن فليس، يحتج ويرفض نتائج الانتخابات متذرّعاً بالتزوير، فالتزوير لا يُفسِّرُ الأمر كُلَّه. لأن بن فليس، يحتاج، فعلاً، إلى إظهار مدى اختلافه عن سابقيه على الرغم من أنه خرج من رَحِمِ مؤسسات الدولة هذه، التي يراها مُعظمُ الجزائريين فاسدة.
وإذا كان الإسلاميون الجزائريون، على اختلافاتهم وتنوعهم، مُكوّناً رئيسياً في الحرب الأهلية، ولم يَظْهَروا في هذه الانتخابات الرئاسية، بشكل يتناسب مع قوتهم وحجمهم وتنظيمهم في المجتمع، فلا يعني أنهم غائبون أو منعدمون. إنّ تشتتهم وتنافس قياداتهم وقراءتهم للربيع العربي ولِتَجارب الاسلاميين فيها ثم معرفتهم بمرض الرئيس/المرشح دفعتهم للتروي والانتظار. ولكنّ قوتهم التعبوية ثابتة، وقدرتهم على الإزعاج إن شاؤوا موجودة. ويستطيعون إن أرادوا أن يؤثروا في ميزان الصراع السياسي إذا ما كان أي استحقاق انتخابي شفّافاً وديمقراطياً.
ومن هنا الحديث عن تعديل دستوري في غضون ستة أشهر لاستحداث هذا المنصب. وليس من المستبعد أن يُقترح المنصب على بن فليس، إذا شاء التأقلم مع المؤسسة الحاكمة، وقَبِل التعايش معها. وهو ما سيكون مفيداً للطرفين على المستوى المتوسط.
لم تكن منجزات عبد العزيز بوتفليقة، خلال فتراته الرئاسية السابقة لافتةً ويمكن الافتخار بها، عدا دوره في تثبيت المصالحة الوطنية. إن ما يريده الشعب الجزائري، هو رؤية وتلمّس سياسة ثابتة للتنمية ولتشغيل الشباب، تُخصَّص لها ميزانية كبيرة واضحة جديرة بإنجاحها.
ولا يريد أن يرى، مع كل أزمة مجتمعية، محاولات رشوة وإفْساد وشراء ذمم من قبل الدولة، تتلبَّس مَظَاهِر المساعدة، ولكنها تخفي قَلَقاً على أصحاب القرار السياسي. ولم يكن تخصيص 25 في المئة من ميزانية الدولة في بداية انفجار "الربيع العربي" إلا قراراً مفضوحاً لامتصاص غضب الشباب، الذين بدأوا في التحرك السلمي فَتَمَّ احتواؤُهُم.
ولكن "ليس كل مرّة تَسْلَمُ الجرة"، لأنه إذا لم تفكر الدولة في حلول استراتيجية تراعي مستقبل الثروة النفطية وطبيعة المجتمع الجزائريّ الشاب، فلن يكتفي هؤلاء الشباب برشى جديدة.
وإذا كان التفكير في تخصيص 15 في المئة من الموازنة من أجل إدماج الشباب في المجتمع وفي سوق العمل، في صلب برنامج عبد العزيز بوتفليقة الجديد، لولايته الرابعة، فيجب أن يُوضَع في الحسبان أن حركة "برَكَات" (يكفي!) وغيرها ستراقب الأمر، عن كثب، ولن تسامحه هذه المرة. لأنها حركات مجتمعية ومُواطنيّة سياسية واعية وُلِدَت لتدوم.
ربما يكون بوتفليقة، رئيس الجزائر مدى الحياة، قد آثَر أن يُغادِرَ إلى مثواه من قصر الرئاسة. ولكن لا أحد سيِّدُ قراره في هذه الدنيا. فَهلْ سيُؤدي فشل الرئيس، (إلاّ إذا نجح بمعجزة!) إلى استقالته المبكرة أم أنه سيكون ثاني رئيس جزائري يموت خلال فترة حكمه، حيث سبقه هواري بومدين؟
منظر الرئيس، وهو على كرسيّه المتنقل أحزن كثيرين لأن الرئيس بدوره يستحق العناية، ولأن مجتمعاً شابّاً جزائرياً نشيطاً يستحق أفضلَ من هذا القَدَر.