كان هناك خلاف كبير على الاسم، أكد المسؤول عن القسم الثقافي في صحيفة "داغنز نيختر" (آخر خبر) في تصريح نقل عنه أمس، بل إن مراسل راديو السويد ماتياس بيرج، صرّح بناء على مصادر مطلعة، أن أعضاء الأكاديمية اختلفوا لأسباب سياسية حول بعض الأسماء، وتناقلت صحف سويدية وبريطانية ومن بينها الـ "غارديان" أن الخلاف كان حول اسم أدونيس، بسبب "موقفه الجدلي من الإسلام السياسي" ومن الأحداث في سورية.
طبعاً لن يدور أي خلاف على بوب ديلان، الذي حاز الجائزة بالفعل، رغم أنه أحد المؤيدين الكبار للاحتلال الإسرائيلي مثلاً؛ فمن السذاجة أن يذهب بنا الظن إلى أن يشكّل الأمر نقطة خلاف في مؤسسة كالأكاديمية السويدية ودوائرها.
قبل أن أشرع في كتابة هذه السطور وأنا من المعجبين بأعمال ديلان، لم أكن قد قلّبت كثيراً في مواقفه السياسية أو قرأت عنها، والآن أستطيع القول إن ديلان مثله مثل فنانين وكتّاب كبار، لم يترددوا في دعم الاحتلال الإسرائيلي، فصاحب "القطار البطيء قادم"، قدّم أغنية أيضاً في دعم "إسرائيل" بعد عدوانها على لبنان عام 1982، بل وأقام فترة من حياته في "الكيبوتسات" الصهيونية وفقاً لوسائل إعلامية إسرائيلية، كما أقام حفلة في تل أبيب سنة 2014 كرد فعل على المقاطعة.
كنت أريد أن أكتب شيئاً وأجدني الآن أكتب عن شيء آخر. لكن هذا من ذاك، الأثر الذي تركه ديلان على أجيال أتت من بعده منذ بداياته في مطلع الستينيات يأتي من اللحظة المفصلية التي صنعها في تاريخ كتابة الأغاني والموسيقى الأميركية، فليس بعيداً عن الصحة أن نستعمل ديلان لنؤرخ لحقبة قبله وبعده في تاريخ كتابة الأغاني في الموسيقى الأميركية.
بدأ الأمر حين غادر الشاب، روبرت آلان زيمرمان، بيته الريفي في بلدة في مينسوتا عام 1959. إنه العام نفسه الذي مات فيه مغني الروك، بودي هولي، آنذاك أطلق الأميركيون على يوم وفاته "يوم ماتت الموسيقى". فترة كانت فيها أسماء من وزن إلفيس برسلي، تشاك بيري، وفاتس دومينو، وكانت هناك أيضاً فرقة بريطانية وصلت أغانيها إلى أميركا في شباط/فبراير 1964؛ غيرت الـ "بيتلز" في مزاج وسوق الأغاني الأميركية، بل إن هناك من يرى أنها حلّت لسنوات محل برسلي في الثقافة الشعبية وفي الروك الأميركي.
سيأتي الشاب روبرت، ويغير اسمه ليطلق على نفسه ديلان، مقتبساً اسم الشاعر الويلزي توماس ديلان الذي كتب قصائد وأغانيَ أصبحت جزءاً من الثقافة البريطانية والأميركية (هاجر إلى هناك) من دون أن يلقى اهتماماً من جهات النقد المؤثرة التي تعمّدت تهميشه.
وحين تكون شاباً أو مراهقاً في أميركا الخمسينيات والستينيات، فأنت بالتأكيد تسمع الروك، أي تشاك بيري وبودي هولي وإلفيس برسلي، وهذا ما كان يغنيه الفتى زيمرمان، يلعب شيئاً من الغيتار هنا وهناك وشيئاً من البيانو ويعيد غناء الروك مع فرق مغمورة.
لكن اهتماماً بموسيقى الفولك بدأ عند ديلان، كما تقول الحكايات المتناقلة بعد وقوعه تحت تأثير مغني الفولك، وودي غوثري، الذي كان مريضاً بداء هنتنغتون الذي يمس الصحة العقلية، وكان روبرت يزوره بشكل مستمر في المصح، مما جعله في دوائر عشاق الفولك خليفة لنجم حركة إحياء هذا النوع من الموسيقى.
غير أن المسار الموسيقي الحقيقي لديلان بدأ بانتقاله إلى غرينتش نيويورك، حيث كانت الأشياء تتغير وتحدث حقاً أكثر من أي مكان آخر في أميركا، وستظل الفترة القصيرة الأولى متعثرة، حتى الأغاني الناجحة التي كتبها فشلت حين أداها بصوته، مثلما حدث مع "في مهب الريح" التي أصبحت أغنية العام حين أدتها فرقة "بيتر وبول وماري"، وفشلت حين قدمها بصوته بل رفضت الإذاعة بثها.
ظلت الأغاني التي يكتبها ديلان تشبه المزاج الشائع لأغنية الفولك، والتي تعود في تقاليدها ومزاج مواضيعها إلى القرن التاسع عشر، عن العدالة الاجتماعية والفقر والمساواة وحقوق العمال. ومع استمرار ديلان في الكتابة لنفسه تضمّن ذلك تطويراً للغته الذاتية والذهاب إلى مواضيع أخرى جديدة، حتى أصبح من المفارقة أن تحاول كتابة أغانيك الخاصة وأن تجعلها في الوقت نفسه جزءاً من سياق عام. وبالتدريج بدأ الإحساس بأن ديلان يبتعد عن الفولك، وعن الـ "نحن" إذ إنه ذاهب إلى الأنا، وهذا جعله عرضة إلى الانتقاد ممن كانوا يرونه نجمهم الصاعد، ولكن هذا الانتقال من "نحن" إلى "أنا" هو الذي أعطى معنى جديداً لفن كتابة الأغنية. وأول هذه الأغاني "كابوس الموتوسايكو"، حيث يظهر النفس القصصي الكوميدي لديه.
بعد ذلك سيظهر ألبوم Bringin' It All Back Home، وفيه يستخدم الغيتار االكهربائي، وحين ظهر عقب صدور الألبوم في مهرجان "نيوبورت لموسيقى الفولك"، صعد مع غيتاره الكهربائي ليلقى موجة من الصراخ والرفض، ثمة قصص كثيرة تروى عن نجوم ركضوا وأكفهم على آذانهم، ومن بينهم مغني الفولك بيتر سيغر. مع هذه الحفلة التراجيدية لم يعد لديلان نجومية بين عشاق الفولك، لكن نجوميته صعدت أكثر ككاتب للأغاني، ووصلت أغانيه قمة الميوزيك تشارت في فترة الستينيات، حين قدّم Highway 61 Revisited و Blonde on Blonde، ووصف النقاد أعماله بأنه يأخذ موسيقى الثقافات المختلفة ويضربها ببعضها ليصنع هذا الانفجار.
وفي الحقيقة إن النجومية أو لنقل ذروتها بالنسبة إلى ديلان كانت في هذه الفترة من 1963 وحتى 1966، فكانت سنوات مضيئة وقصيرة مثل مذنب، إذ وقع له حادث وهو يقود دراجته النارية سنة 1966 وانسحب على إثره مدة من العمل في الموسيقى، وحين عاد كان شيء فيه قد خبا، كتب عدة أغان نجحت وغناها آخرون، ثم أصدر ألبوم "بورتريه ذاتي" عام 1970، فقوبل بعبارة "ما هذا الخراء؟" من قبل كاتب الرولينغ ستون والناقد الموسيقي غريل ماركوس. تبع ذلك الاستقبال البارد والمجافي لأعماله، أكثر من إخفاق، هكذا كان حال ألبومه Blood on the Tracks 1975 الذي وُصف بأنه مجرد أحاديث لشخص يتدرب على الغناء من قبل كثيرين، ثم انقسمت الآراء حوله فهناك من اعتبره مفصلاً في مسيرة ديلان يجعل من يحب أعماله ينظر إلى فنه بطريقة مختلفة.
وسواء دامت نجومية وسحر ديلان سنوات قصيرة أو طويلة، فالحقيقة التي لا يختلف عليها أحد في تاريخ الموسيقى الأميركية أنه ترك أثراً لا يمحى على جيله وأجيال أتت بعده في الكتابة الغنائية وابتكار نمط جديد فيها، وتقريبها من فن كتابة القصيدة.
ولغاية هذا العام، حيث أصدر أحدث ألبوماته Fallen angels، ظل مواظباً في إصدار الألبومات وكتابة الأغاني، بل الكثير منها، من دون أن تلقى ذلك النجاح الساحر مرة أخرى، تلك الأغاني التي كان يتلقفها المغنون سيخف جمالها، لم يكتب مثل "مطر شديد سيسقط" (1963) التي كانت تبكي آلن غبنسبيرغ كلما سمعها، ولن تتكرر desolation row (1965 التي أخذت من حالة "الأرض اليباب"، لكن ذلك لا ينفي أن هناك أغان ضربت له في السبعينات مثل "الطرق على أبواب الجنة" و"فنجان آخر من القهوة"، وهناك بعض الأغنيات التي نجحت في الثمانينيات ولكنها ليست كثيرة مثل "كل ذرة رمل" و"معظم الوقت".
شعلة بوب ديلان الأخاذة خبت من زمن، إلى أن تذكرته نوبل أمس وذكّرته بأيامه الخوالي، التي نجّم فيها ولم يعرف كيف يستعيدها.
مستر تامبورين
قدّم الفنان أغنية "مستر تامبورين" التي تعتبر من نمط الـ "فولك روك" سنة 1965. أُديت الأغنية بنسخ كثيرة من فرق ونجوم آخرين وشكلت نجاحاً لمعظم من غنّاها. تظهر في الأغنية بحسب النقّاد تأثّرات كثيرة تحدّث عنها ديلان نفسه أيضاً؛ هناك شيء من أحد أعمال باخ وشيء من الـ "بيتلز"، ومن شعرية رامبو وأجواء فلّيني. وتعد الأغنية واحدة من أهم 500 أغنية في القرن العشرين.