مذ كان صغيراً، عشق بن عبد الصادق الريفي التاريخ، وتعمّق في تاريخ طنجة. هذه الهواية صارت مصدر رزقه، وبات يقصده كثيرون لشراء الكتب والمخطوطات
ليس مبالغاً القول إن بعض الأشخاص يملكون مفاتيح المدن وأسرارها. بن عبد الصادق الريفي، هو أحد هؤلاء. عشق التاريخ مذ كان صغيراً يجالس والده وأشقاءه. ومع الوقت، زاد عشقه هذا. يملك الريفي محلاً صغيراً في حيّ القصبة القديم في مدينة طنجة. لا يخطئه أحد. ما يحتويه محلّه من "أنتيكا" وكاميرات وإكسسوارات، يجذب كثيرين. ليس هذا فقط، في الداخل أيضاً، كتب ولوحات وملصقات وصور وغيرها من الأشياء القديمة.
لم يسعَ إلى ترتيب المحل. وما على الداخل إليه إلّا البحث بدقة عمّا يريد. يقول لـ"العربي الجديد": "أحببتُ الكتب والتاريخ من خلال جلساتي مع والدي. وحين بلغت الخامسة عشرة في العام 1985، قرأت كتاب طنجة وضاحيتها، وصرت أشتري كتباً أخرى حول العائلات وأصولها، واكتشفت بأن جدي الأكبر هو فاتح طنجة، حين كانت تحت الاستعمار البريطاني".
درس الريفي اللغة العربية في جامعة تطوان (شمال المغرب)، وتخرّج منها من دون أن يجد عملاً. فحوّل هوايته إلى مهنة لم يتخلّ عنها يوماً، علماً أنه عمل لبعض الوقت في مجال البناء. المهم بالنسبة إليه هو الكتاب مهما بلغ ثمنه. يقول: "في تسعينيات القرن الماضي، كُنت أشتري الكتاب بخمسين دولاراً حتى في الوقت الذي كنت فيه عاطلاً من العمل، وهذا جنون".
في ذلك الوقت، كان الناس يُقبلون على تجارة الكتب. وعمل في هذا المجال أشخاص من طنجة وخارجها. تعلّم الريفي على أيديهم، وصار يعرف كيفية شراء الكتب واقتنائها وبيعها. تعلّم الصبر والتأني، ولم يكن يهمّه إذا ما كان سعر الكتاب مرتفعاً أم لا. وفي العام 1999، استقلّ الريفي بتجارته، وبدأ يشتري الكتب. يقول: "لم أتّبع منهاجاً محدّداً. بالنسبة إليّ، جميع الكتب صالحة. لكنّني كنتُ متعصّباً لما هو مغربي. لذلك، اعتدت بيع تلك الأجنبيّة".
صار للريفي محلّه. وبدأ الناس يقصدونه ويسألونه عن عناوين كتب معينة ونادرة. في تلك الفترة، اهتمّ معهد "العالم العربي" في باريس في جمع الكتب القديمة من بلدان مختلفة، وقد رصد ميزانية لهذا المشروع. وكانت طنجة من بين المدن التي شملها المشروع. وقدم الريفي للمعهد مجموعة من الكتب، أبرزها "تاريخ الشرفاء"، الذي صدر في العام 1919.
في تلك الفترة أيضاً، كانت الكتب تسرق من مكتبات الدولة الكبيرة، مثل الخزانة العامة في تطوان، والمكتبة العامة في طنجة، والمكتبة الوطنية في الرباط، وصارت تُباع في الأسواق، علماً أن عليها طابع المكتبة. يقول الريفي: "كنت أحصل على بعض الكتب، ولا أعرف إن هي مسروقة أم رُميت من قبل الهيئة الوصية على الإصلاحات في تلك المكتبات".
وشهدت تجارة الكتب تحوّلات عدّة، منها ارتفاع أسعارها، خصوصاً بعد مجيء صاحب "دار التراث"، الناجي صاحب، إلى طنجة برفقة دبلوماسيّين، باحثاً عن كتب ومخطوطات. كان يشتري الكتب ويبيعها بأسعار مرتفعة.
اقــرأ أيضاً
لاحقاً، غاب الناجي وآخرون، وبقي الريفي. ولأنه متعصّبٌ لكلّ ما يخصّ طنجة، أطلق صفحة على "فيسبوك" حملت اسم "تينجا". وصار ينشر صوراً باللونين الأبيض والأسود تتضمن حكايات جديدة تشوّه بعضها في كتب التاريخ. وأطلق صفحة أخرى حملت اسم "بن عبد الصادق الريفي".
ما زال يشتري لوحات لرسّامين محليّين، وكتباً عن تاريخ المغرب والمنطقة، ومخطوطات ووثائق، وعملات وطوابع، وهواتف وساعات قديمة، ومجوهرات. ومع ارتفاع أسعار المسكوكات الفضية والمجوهرات المحلية، اختار الاكتفاء ببيع الكتب وبطاقات طنجة القديمة.
عادة ما يهتم الأغنياء والأساتذة والباحثون الجامعيّون بالمجيء إلى محله، خصوصاً منهم الإسبان والفرنسيّون والإنكليز والمغاربة المتموّلين. يقول الريفي: "تعرّفت على أساتذة جامعيّين وفنانين"، لافتاً إلى أن غالبية الباحثين عن كل ما هو أثري عادةً هم النخبة والمثقفون أو التجار.
وقد ساعدته أستاذة علم الاجتماع، الإسبانيّة نتاليا الريباس ماتيوس، في مناهج البحث. يقول: "تعلّمت منها كيفيّة وصل الأحداث التاريخية وتفاصيل أخرى عن الكتب والكتابة والطباعة". صحيح أنه مضى على تخرجه من الجامعة وقت طويل، إلا أنه التحق بها مجدداً في العام 2011 لدراسة القانون، وشارك في إنتاج فيلم وثائقي عن طنجة في العام 2005، حمل عنوان "ليمينس".
في حوزة الريفي مادة أرشيفيّة مهمّة وغنيّة، تتضمّن "أسراراً لم تُحكَ بعد". يخطّط لنشرها في وقت لاحق، والاستغناء عن المادة "المحرّفة". يلفت إلى أن "غالبية المعلومات المتداولة عن تاريخ طنجة غير صحيحة".
اقــرأ أيضاً
ليس مبالغاً القول إن بعض الأشخاص يملكون مفاتيح المدن وأسرارها. بن عبد الصادق الريفي، هو أحد هؤلاء. عشق التاريخ مذ كان صغيراً يجالس والده وأشقاءه. ومع الوقت، زاد عشقه هذا. يملك الريفي محلاً صغيراً في حيّ القصبة القديم في مدينة طنجة. لا يخطئه أحد. ما يحتويه محلّه من "أنتيكا" وكاميرات وإكسسوارات، يجذب كثيرين. ليس هذا فقط، في الداخل أيضاً، كتب ولوحات وملصقات وصور وغيرها من الأشياء القديمة.
لم يسعَ إلى ترتيب المحل. وما على الداخل إليه إلّا البحث بدقة عمّا يريد. يقول لـ"العربي الجديد": "أحببتُ الكتب والتاريخ من خلال جلساتي مع والدي. وحين بلغت الخامسة عشرة في العام 1985، قرأت كتاب طنجة وضاحيتها، وصرت أشتري كتباً أخرى حول العائلات وأصولها، واكتشفت بأن جدي الأكبر هو فاتح طنجة، حين كانت تحت الاستعمار البريطاني".
درس الريفي اللغة العربية في جامعة تطوان (شمال المغرب)، وتخرّج منها من دون أن يجد عملاً. فحوّل هوايته إلى مهنة لم يتخلّ عنها يوماً، علماً أنه عمل لبعض الوقت في مجال البناء. المهم بالنسبة إليه هو الكتاب مهما بلغ ثمنه. يقول: "في تسعينيات القرن الماضي، كُنت أشتري الكتاب بخمسين دولاراً حتى في الوقت الذي كنت فيه عاطلاً من العمل، وهذا جنون".
في ذلك الوقت، كان الناس يُقبلون على تجارة الكتب. وعمل في هذا المجال أشخاص من طنجة وخارجها. تعلّم الريفي على أيديهم، وصار يعرف كيفية شراء الكتب واقتنائها وبيعها. تعلّم الصبر والتأني، ولم يكن يهمّه إذا ما كان سعر الكتاب مرتفعاً أم لا. وفي العام 1999، استقلّ الريفي بتجارته، وبدأ يشتري الكتب. يقول: "لم أتّبع منهاجاً محدّداً. بالنسبة إليّ، جميع الكتب صالحة. لكنّني كنتُ متعصّباً لما هو مغربي. لذلك، اعتدت بيع تلك الأجنبيّة".
صار للريفي محلّه. وبدأ الناس يقصدونه ويسألونه عن عناوين كتب معينة ونادرة. في تلك الفترة، اهتمّ معهد "العالم العربي" في باريس في جمع الكتب القديمة من بلدان مختلفة، وقد رصد ميزانية لهذا المشروع. وكانت طنجة من بين المدن التي شملها المشروع. وقدم الريفي للمعهد مجموعة من الكتب، أبرزها "تاريخ الشرفاء"، الذي صدر في العام 1919.
في تلك الفترة أيضاً، كانت الكتب تسرق من مكتبات الدولة الكبيرة، مثل الخزانة العامة في تطوان، والمكتبة العامة في طنجة، والمكتبة الوطنية في الرباط، وصارت تُباع في الأسواق، علماً أن عليها طابع المكتبة. يقول الريفي: "كنت أحصل على بعض الكتب، ولا أعرف إن هي مسروقة أم رُميت من قبل الهيئة الوصية على الإصلاحات في تلك المكتبات".
وشهدت تجارة الكتب تحوّلات عدّة، منها ارتفاع أسعارها، خصوصاً بعد مجيء صاحب "دار التراث"، الناجي صاحب، إلى طنجة برفقة دبلوماسيّين، باحثاً عن كتب ومخطوطات. كان يشتري الكتب ويبيعها بأسعار مرتفعة.
لاحقاً، غاب الناجي وآخرون، وبقي الريفي. ولأنه متعصّبٌ لكلّ ما يخصّ طنجة، أطلق صفحة على "فيسبوك" حملت اسم "تينجا". وصار ينشر صوراً باللونين الأبيض والأسود تتضمن حكايات جديدة تشوّه بعضها في كتب التاريخ. وأطلق صفحة أخرى حملت اسم "بن عبد الصادق الريفي".
ما زال يشتري لوحات لرسّامين محليّين، وكتباً عن تاريخ المغرب والمنطقة، ومخطوطات ووثائق، وعملات وطوابع، وهواتف وساعات قديمة، ومجوهرات. ومع ارتفاع أسعار المسكوكات الفضية والمجوهرات المحلية، اختار الاكتفاء ببيع الكتب وبطاقات طنجة القديمة.
عادة ما يهتم الأغنياء والأساتذة والباحثون الجامعيّون بالمجيء إلى محله، خصوصاً منهم الإسبان والفرنسيّون والإنكليز والمغاربة المتموّلين. يقول الريفي: "تعرّفت على أساتذة جامعيّين وفنانين"، لافتاً إلى أن غالبية الباحثين عن كل ما هو أثري عادةً هم النخبة والمثقفون أو التجار.
وقد ساعدته أستاذة علم الاجتماع، الإسبانيّة نتاليا الريباس ماتيوس، في مناهج البحث. يقول: "تعلّمت منها كيفيّة وصل الأحداث التاريخية وتفاصيل أخرى عن الكتب والكتابة والطباعة". صحيح أنه مضى على تخرجه من الجامعة وقت طويل، إلا أنه التحق بها مجدداً في العام 2011 لدراسة القانون، وشارك في إنتاج فيلم وثائقي عن طنجة في العام 2005، حمل عنوان "ليمينس".
في حوزة الريفي مادة أرشيفيّة مهمّة وغنيّة، تتضمّن "أسراراً لم تُحكَ بعد". يخطّط لنشرها في وقت لاحق، والاستغناء عن المادة "المحرّفة". يلفت إلى أن "غالبية المعلومات المتداولة عن تاريخ طنجة غير صحيحة".