21 فبراير 2018
بنكيران يقلب الطاولة
بعد 91 يوماً من تعطيل ميلاد الحكومة الجديدة في المغرب، من ثلاثة أحزاب سياسية رفضت التحالف معه، أقدم رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران، زعيم الإسلاميين المغاربة الذي فاز في ثاني انتخاباتٍ بعد الربيع العربي، على قلب الطاولة على خصومه، وأعلن للرأي العام عن فشل المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة، محملا غريميه، عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار القريب من السلطة، وأمحند العنصر رئيس الحركة الشعبية المقرّبة هي الأخرى من السلطة، مسؤولية تعطيل تشكيل حكومة جديدة، وذلك لافتقادهما معا استقلالية القرار، والتصرّف بسوء نيةٍ مع مسار تشكيل حكومةٍ جديدةٍ بعد انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2016، والتي أعطت تقدما بارزا لحزب الإسلاميين، العدالة والتنمية، (125 مقعداً في مجلس النواب).
عرّى بيان بنكيران، والذي نزل كالماء البارد فوق ظهر خصومه، واقع مؤامرةٍ سياسيةٍ، تحاك منذ ثلاثة أشهر للانقلاب على نتائج الاقتراع، وإفشال خروج ثاني حكومة من مسار سياسي معقد. ولهذا خلّف بيان ما سمي في المغرب "انتهى الكلام" دوياً سياسياً قوياً، وحمل المراقبين على دعوة الملك إلى التدخل حكماً بين المؤسسات، مخافة أن تنزلق البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، أمام حالة الفراغ التي دامت مدة طويلة.
المغرب الآن في مفترق طرق، فإما نرجع إلى الاختيار الديمقراطي بأحد احتمالين: انتخابات سابقة لأوانها، والرجوع إلى تحكيم الشعب بنمط اقتراع جديد وشفافية أكبر، أو الضغط على مراكز القوى التي تختفي وراء أحزاب السلطة، لوقف مخطط عزل بنكيران وحزبه، وعدم التحالف معه، لأسباب غير ديمقراطية، أو سينزلق المغرب إلى سيناريو أسود سيتم فيه التراجع عن كل مكاسب الإصلاحات السياسية والمؤسساتية التي عرفها المغرب منذ سنوات، وعندها كل الأبواب ستصير مفتوحة أمام السقوط في سلطويةٍ جديدةٍ، ستتخلى عن كل ضابط دستوري أو قانوني أو سياسي.
الذي يريد إضعاف رئيس الحكومة وإذلاله، وإدخال وزراء لا يقبل بهم إلى حكومته، والمشاركة معه في اختصاصاته، وتقزيم نتائج حزبه، وامتصاص روح صندوق 7 أكتوبر، وإغراق الأغلبية بستة أحزاب، لا جامع بينها غير خلط الأوراق ودق مسامير الخلافات وسط بيتها، الذي يريد أن يهين رئيس الحكومة، وتنهكه بتمطيط زمن المفاوضات، وإظهاره للداخل والخارج أنه رئيس حكومة ضعيف، ولا سلطة له، له ذلك. لكن، لابد أن يجيب على السوال الأهم: لأي شيء سيصلح بنكيران غداً، إذا قبل بكل هذه الإهانات؟ وأي قيمةٍ سياسيةٍ ستكون له لمواجهة الداخل والخارج؟ وأي شرعيةٍ ستكون له، لمباشرة الإصلاحات الكبيرة في بلادٍ تقوّم التغيير بطبيعة أهلها؟
جوانب كثيرة مظلمة ظهرت في الثلاثة أشهر الماضية التي تعرّض فيها رئيس الحكومة للابتزاز، ومنها التنظير لخرق الدستور، والتلاعب بالأحزاب وإهانتها، والرجوع إلى مدح الملكية التنفيذية، وخلط الأوراق للتغطية على السلطوية، وغيرها من الألاعيب. لكن، مع ذلك، هناك جوانب "مضيئة" في هذه الأزمة السياسية، غير المسبوقة في تاريخ المغرب، منها الفرز السياسي الجديد الحاصل بين الأحزاب الديمقراطية المستقلة في قراراتها والأحزاب السلطوية التي بلا قرار ولا إرادة…
من حسنات هذه الأزمة، أيضاً، ظهور حقيقة أن الدولة لا تفعل ما تشاء، متى تشاء، وكيف تشاء، وأن الحقل السياسي يشهد صراعاً سياسياً، ومفاوضات حقيقية ومعقدة بين الأطراف، تشير إلى أن لممثلي صندوق الاقتراع وزناً، وللرأي العام وزناً، وللدستور وزنا، وأن الأطراف المصابة بالحساسية من الديمقراطية في جهاز الدولة انتقلت من الهجوم إلى الدفاع.