21 فبراير 2018
بنكيران في الميزان
يستعد زعيم حزب العدالة والتنمية في المغرب، عبد الإله بنكيران، لخوض امتحان عسير يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، حيث تجري ثالث انتخابات بعد الربيع العربي. ولهذا، هناك تضارب في تقييم حصيلة الحكومة التي تزعمها الحزب الإسلامي منذ 2011، بين متفائل ومتشائم. لكن، مع كل الاختلافات الحاصلة إزاء هذه التجربة، فإن "العدالة والتنمية" وزعيمه نجحا في القفز على ثلاثة ألغام خطيرة، كانت تهدّد التجربة، سواء من فوق في علاقة الحكومة بالقصر أو من تحت في علاقة الإسلاميين بالمجتمع.
أول لغم تجنبه زعيم "العدالة والتنمية" الدخول في مواجهات أيديولوجية مع المعارضة، على أساس التناقض التقليدي بين الإسلاميين والعلمانيين. تجنب بنكيران وحزبه السقوط في هذا الفخ، في بلادٍ لم تصل بعد إلى بناء مؤسساتٍ ديمقراطية، يمكن للأحزاب أن تتصارع داخلها على نوع المشروع المجتمعي الذي تريده عبر صناديق الاقتراع! على عكس ما فعله إسلاميون آخرون، ظل بنكيران حريصاً على عدم إدخال برنامجه الإيديولوجي إلى مقر الحكومة، بل وكان وزيره في العدل والحريات، مصطفى الرميد، أقرب إلى الأجندة الليبرالية في التشريع الجنائي منها إلى (الأجندة الإسلامية) التقليدية التي تربّى في كنفها، فدافع عن الحريات الفردية، وعدم جواز اقتحام الشرطة المنازل لمطاردة العلاقات الجنسية خارج الزواج أو شرب الخمر، مثلاً.
اللغم الثاني الذي قفز فوقه بنكيران التعارض الكلاسيكي الذي كان يحكم الفكر اليساري والمزاج المعارض بشكل عام بين الولاء للملكية أو الدفاع عن الإصلاح، بين الإخلاص للجالس على العرش أو مصارحته بالحقائق، حتى المزعج منها، بين احترام شخصه ونصحه أو انتقاد محيطه ومعاونيه… لسنواتٍ، كان التقليد في المغرب أن حلفاء الملكية يأكلون ويشربون ويغتنون، ولا يفتحون فمهم من أجل المطالبة بالإصلاح أو بالديمقراطية، في حين أن جل من كانوا يدافعون عن الديمقراطية والتغيير كانوا يُحمّلون الملكية كل الأعطاب التي يجرّها المغرب خلفه، وكانوا لا يَرَوْن زوال هذه الأعطاب إلا بزوال النظام المسؤول الأول عن كل مشكلات المملكة وتخلفها. وهو ما أدخل البلاد في صراعٍ مفتوحٍ بين الملكية واليسار، استعملت فيه كل الوسائل، حتى غير المشروع منها. كسر بنكيران وحزبه هذا التقليد، فهو لا يفتأ يعلن ولاءه للعرش، ويدافع عن شكل النظام، لكنه ينتقد حزب الدولة، ويشنّع على السلطوية تحت شعار محاربة التحكّم.
ثالث لغم قفز فوقه بنكيران الاختيار بين (حلاوة السلطة أو شرف المعارضة)، كما يقول رئيس حزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري. وجد معادلةً لم يسبقه إليها في رئاسة الحكومة، هي الدخول إلى الحكومة وإبقاء الجسور مع الشعب، والتحدّث مع المواطنين، بوضوحٍ، عن إكراهات ادارة الشأن العام، وعن الدسائس ضد المنتخبين. وسيراً على هذا النهج، ظل بنكيران يتعهد الحزب وآلته التنظيمية بالعناية والتماسك، لأنه حرص على أن لا يحرق السفن من خلفه لمّا دخل إلى الحكومة، لأنه يعرف أن سقف الإنجازات محدود واحتمال العودة إلى المعارضة وارد.
هذه هي الألغام الثلاثة التي قفز فوقها بنكيران بنجاح، لكنه سقط في أخرى كلفته، وكلفت التجربة الديمقراطية خسائر غير قليلة. الأولى، عدم الاحتكام إلى الدستور، وجعله وثيقة قابلة للتفاوض اليومي أحياناً! مع أن الطموح كان تأويله ديمقراطياً، لأنه جاء ثمرة الربيع المغربي الذي هيأ الأجواء لميلاد دستور متقدّم، قلص صلاحيات الملك، ووسّع اختصاصات البرلمان والحكومة. الثانية، عدم حسم أمور كثيرة في الأشهر الأولى للحكومة، ما جعله يضيع وقتاً طويلا في البحث عن توافقاتٍ لا تخدم الإصلاح، سواء مع النقابات أو أحزاب التحالف الحكومي أو مع مراكز القوى التي أصبح لها نصيب في القرار من دون موجب نص أو منطق. الخطأ الثالث، عدم مباشرة إصلاحات عميقة تحمي التجربة الديمقراطية من التراجع والانتكاس، مثل إصلاح المؤسسة الأمنية وجعلها في خدمة دولة الحق والقانون، وإصلاح المشهد الإعلامي، وجعله يتنفس الحرية، ويلعب وظيفة السلطة الرابعة، وإصلاح منظومة القضاء، وجعلها تدور مع ضمير العدالة، لا مع هواجس السلطة، وكل هذه مؤسساتٌ على تماسّ مباشر مع التحول الديمقراطي وإصلاح منظومة الحكم.
أول لغم تجنبه زعيم "العدالة والتنمية" الدخول في مواجهات أيديولوجية مع المعارضة، على أساس التناقض التقليدي بين الإسلاميين والعلمانيين. تجنب بنكيران وحزبه السقوط في هذا الفخ، في بلادٍ لم تصل بعد إلى بناء مؤسساتٍ ديمقراطية، يمكن للأحزاب أن تتصارع داخلها على نوع المشروع المجتمعي الذي تريده عبر صناديق الاقتراع! على عكس ما فعله إسلاميون آخرون، ظل بنكيران حريصاً على عدم إدخال برنامجه الإيديولوجي إلى مقر الحكومة، بل وكان وزيره في العدل والحريات، مصطفى الرميد، أقرب إلى الأجندة الليبرالية في التشريع الجنائي منها إلى (الأجندة الإسلامية) التقليدية التي تربّى في كنفها، فدافع عن الحريات الفردية، وعدم جواز اقتحام الشرطة المنازل لمطاردة العلاقات الجنسية خارج الزواج أو شرب الخمر، مثلاً.
اللغم الثاني الذي قفز فوقه بنكيران التعارض الكلاسيكي الذي كان يحكم الفكر اليساري والمزاج المعارض بشكل عام بين الولاء للملكية أو الدفاع عن الإصلاح، بين الإخلاص للجالس على العرش أو مصارحته بالحقائق، حتى المزعج منها، بين احترام شخصه ونصحه أو انتقاد محيطه ومعاونيه… لسنواتٍ، كان التقليد في المغرب أن حلفاء الملكية يأكلون ويشربون ويغتنون، ولا يفتحون فمهم من أجل المطالبة بالإصلاح أو بالديمقراطية، في حين أن جل من كانوا يدافعون عن الديمقراطية والتغيير كانوا يُحمّلون الملكية كل الأعطاب التي يجرّها المغرب خلفه، وكانوا لا يَرَوْن زوال هذه الأعطاب إلا بزوال النظام المسؤول الأول عن كل مشكلات المملكة وتخلفها. وهو ما أدخل البلاد في صراعٍ مفتوحٍ بين الملكية واليسار، استعملت فيه كل الوسائل، حتى غير المشروع منها. كسر بنكيران وحزبه هذا التقليد، فهو لا يفتأ يعلن ولاءه للعرش، ويدافع عن شكل النظام، لكنه ينتقد حزب الدولة، ويشنّع على السلطوية تحت شعار محاربة التحكّم.
ثالث لغم قفز فوقه بنكيران الاختيار بين (حلاوة السلطة أو شرف المعارضة)، كما يقول رئيس حزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري. وجد معادلةً لم يسبقه إليها في رئاسة الحكومة، هي الدخول إلى الحكومة وإبقاء الجسور مع الشعب، والتحدّث مع المواطنين، بوضوحٍ، عن إكراهات ادارة الشأن العام، وعن الدسائس ضد المنتخبين. وسيراً على هذا النهج، ظل بنكيران يتعهد الحزب وآلته التنظيمية بالعناية والتماسك، لأنه حرص على أن لا يحرق السفن من خلفه لمّا دخل إلى الحكومة، لأنه يعرف أن سقف الإنجازات محدود واحتمال العودة إلى المعارضة وارد.
هذه هي الألغام الثلاثة التي قفز فوقها بنكيران بنجاح، لكنه سقط في أخرى كلفته، وكلفت التجربة الديمقراطية خسائر غير قليلة. الأولى، عدم الاحتكام إلى الدستور، وجعله وثيقة قابلة للتفاوض اليومي أحياناً! مع أن الطموح كان تأويله ديمقراطياً، لأنه جاء ثمرة الربيع المغربي الذي هيأ الأجواء لميلاد دستور متقدّم، قلص صلاحيات الملك، ووسّع اختصاصات البرلمان والحكومة. الثانية، عدم حسم أمور كثيرة في الأشهر الأولى للحكومة، ما جعله يضيع وقتاً طويلا في البحث عن توافقاتٍ لا تخدم الإصلاح، سواء مع النقابات أو أحزاب التحالف الحكومي أو مع مراكز القوى التي أصبح لها نصيب في القرار من دون موجب نص أو منطق. الخطأ الثالث، عدم مباشرة إصلاحات عميقة تحمي التجربة الديمقراطية من التراجع والانتكاس، مثل إصلاح المؤسسة الأمنية وجعلها في خدمة دولة الحق والقانون، وإصلاح المشهد الإعلامي، وجعله يتنفس الحرية، ويلعب وظيفة السلطة الرابعة، وإصلاح منظومة القضاء، وجعلها تدور مع ضمير العدالة، لا مع هواجس السلطة، وكل هذه مؤسساتٌ على تماسّ مباشر مع التحول الديمقراطي وإصلاح منظومة الحكم.