03 اغسطس 2022
بلديات لبنان تكشف عورة الطبقة السياسية
استعاد اللبنانيون طعم الانتخاب، وحرية الاختيار التي افتقدوها بعد انقطاع دام نحو سبع سنوات، نتيجة التمديد مرتين للمجلس النيابي، المنتهية ولايته منذ عام 2009، وبفعل الفراغ الذي يخيّم على موقع رئاسة الجمهورية، بسبب عدم انتخاب رئيس منذ سنتين، ناهيك عن حكومةٍ مشلولةٍ وعاجزةٍ، تقوم عملياً بتصريف الأعمال، بفعل الخلافات والمناكفات التي تتناتش الأحزاب والقوى التي تشارك فيها.
ومع حلول موعد الانتخابات البلدية، لم يكن بإمكان الحكومة أن تمدّد، أو تؤجل مرة أخرى، وتتحمل مواجهة النقمة المتصاعدة، وغضب الناس الذين زَكمت أنوفهم روائح النفايات السامة التي عجزت السلطة والطبقة السياسية عن رفعها من الشوارع على مدى ثمانية أشهر، وروائح الصفقات والفساد والسمسرات وهدر المال العام في الوزارات ومؤسسات الدولة. لذلك، قرّرت إجراء الانتخابات المحلية التي انطلقت مرحلتها الأولى في بيروت ومحافظتي البقاع وبعلبك-الهرمل، والتي ستستمر حتى نهاية الشهر على مدى أربع مراحل. وراحت جميع الأحزاب والقوى تستعد للمواجهة وتحضر ماكينتها الانتخابية، بهدف تنفيس النقمة وإلهاء الناس بالمنافسات المحلية بين العائلات.
ولكن، لم تجر الرياح بما تشتهي السفن، وشكلت المحطة الانتخابية الأولى مفاجآت لجميع القوى من دون استثناء، حتى لمن يعتبر أن جمهوره "مؤدلج" ومحصن وملتزم، أي حزب الله، الذي خاض معارك قاسية في عقر داره في محافطة بعلبك. وكذلك بالنسبة لتيار "المستقبل"، الذي يتزعمه سعد الحريري، الذي خاض امتحاناً عسيراً مع حلفائه المسيحيين الذين يعتبر أنهم "طعنوه" في معركة بلدية بيروت التي قرّر أن يعتمد، في تشكيلة مجلسها البلدي المؤلف من 24 عضواً، مبدأ المناصفة في توزيع المقاعد بين المسلمين والمسيحيين. وهو نهجٌ اعتمده والده رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري، على الرغم من الغلبة الواضحة للمسلمين السنة في العاصمة، حفاظاً على فكرة العيش المشترك بين اللبنانيين. وقد شاركت في اللائحة جميع الأحزاب المسيحية (القوات اللبنانية والتيار العوني والكتائب والأحزاب الأرمنية)، بالإضافة إلى حركة "أمل"، التي يتزعمها رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، فيما فضّل حزب الله عدم المشاركة.
ومقابل لائحة فريق السلطة، تشكلت لائحة من المجتمع المدني، أطلقت على نفسها تسمية "بيروت مدينتي"، اعتمدت مبدأ المناصفة الطائفية، وزادت عليه مبدأ المناصفة بين الجنسين، وضمت مهندسين مدنيين وبيئيين وناشطين في الشأن العام ومثقفين وفنانين، مثل الممثلة والمخرجة، نادين لبكي، والمغني والملحن، أحمد قعبور. ولاقت اللائحة استحساناً لدى الرأي العام المكتوي بنار الطبقة السياسية، وتمكّنت من تحقيق أرقام لافتة بلغت نسبة 40%، وكان في وسعها أن تحدث المفاجأة الكبرى، لولا ضعف الإقبال على الاقتراع الذي تجاوز بقليل نسبة 20%. وقد تبين لاحقاً أن "بيروت مدينتي" حازت تأييداً واسعاً لدى الرأي العام المسيحي غير الحزبي، وتقدم عدد من مرشحيها في دائرة بيروت الأولى (لبكي حلت أولاً في الأشرفية) على رئيس لائحة فريق السلطة وأعضائها، وربما أيضاً بفعل التمرد (أو الإيعاز؟) الذي حصل داخل قواعد الحزبين المسيحيين الرئيسيين ("القوات" و"العوني") بالتصويت لـ "بيروت مدينتي" أو بممارسة التشطيب. وهذا ما ولّد حالةً من الغضب لدى الحريري وفريقه، الذي بات عليه أن يواجه مسألة تراجع شعبيته، وضعف إقبال الناخبين في معقله من جهة، وإعادة النظر، من جهةٍ ثانية، في العلاقة مع الحليف المسيحي التي نسجها ورسخها بعد اغتيال الحريري في عام 2005، ناهيك عن الخلاف الناشئ بين الطرفين منذ فترة حول عدم انتخاب رئيس للجمهورية.
وبطبيعة الحال، أحدثت العملية الانتخابية بلبلةً أيضاً داخل الأحزاب المسيحية نفسها، وأظهرت كم أن حساباتها غير مطابقة لواقع "البيدر المسيحي" ومزاجه، فقد راهن "الثنائي المسيحي" بين ميشال عون وسمير جعجع، اللذيْن أجريا "مصالحةً تاريخية" بعد أكثر من خمسة وعشرين سنة من الخصام، على قدرتهما على اكتساح الساحة واستقطاب 85% من المسيحيين، كما أعلنا، وإذ بأول انتخاباتٍ يخوضانها معاً تظهرهما غير قادريْن على حصد نصف أصوات المسيحيين، ولا حتى على حشد جمهورهم، ودفعه إلى صناديق الاقتراع إلى درجة أن مسيحيي لائحة "بيروت مدينتي" تقدّموا عليهم في عقر دارهم. وحصل الأمر نفسه عملياً في معركة زحلة، أكبر مدينة كاثوليكية في الشرق، حيث ظهرت أيضاً هشاشة هذا التحالف الذي تمكّنت من خلاله لائحة الأحزاب الثلاثة مجتمعة (عون، جعجع، الجميل) من الفوز بفارقٍ بسيط أمام لائحة أحد أقطاب المدينة التقليديين، ناهيك عن الخلافات التي طفت على السطح بين قيادات التيار العوني. وستكون قدرة هذا "الثنائي" على الاستقطاب أمام اختبارٍ مفصلي في المراحل المقبلة.
واقع حال الطرف الشيعي الأقوى والمدجج بالسلاح (حزب الله) ليس أفضل، فقد خاض أشبه بمعركة وجود في دوائر البقاع (الشيعية)، التي يعتبر أنها يجب أن تبقى "قلاعاً حصينة" لخطوط عبور مقاتليه باتجاه سورية. فمن أصل 155 بلدية في قضاء بعلبك-الهرمل، لم يتمكّن من الفوز إلا في 17 بلدية فقط، واضطر، في غالبيتها، للتراجع أمام العائلات. وخسر معركة بلدية مدينة الهرمل، وواجه تحدّياً شرساً في مدينة بعلبك نفسها، تمكّنت خلالها اللائحة المنافسة، المؤلفة من شخصيات من المجتمع المدني والعائلات، وكادت أن تنتزع البلدية من حزب الله، حاصدة 46% من أصوات الناخبين، ما استدعى توجه نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، إلى بعلبك، للإشراف مباشرةً على سير المعركة، علماً بأن لائحته كانت تضم كل الفريق "الممانع" من "أمل" وحزب البعث إلى الحزب القومي السوري و"التيار العوني". في المقابل، أظهر حزب الله أنه يتقن لعبة السلطة وحساباتها، ولا يرى حرجاً في الوقوف إلى جانب الفاسدين، كما فعل في زحلة، حيث وزع أصواته بين اللوائح الثلاث. وفي بيروت، لم يشأ الانحياز علناً إلى جانب فريقٍ أو لائحةٍ، على الرغم من وجود ثلاث لوائح معارضة، محاولاً هكذا الحفاظ على خيطٍ، ولو رفيع، مع الحريري، على الرغم من تسليط كل سهام فريقه الإعلامي عليه.
كشفت الانتخابات البلدية، في المحصلة النهائية، عورة الطبقة السياسية، ومدى اتساع الهوة التي تفصلها عن الجمهور في مختلف الطوائف والمناطق.
ومع حلول موعد الانتخابات البلدية، لم يكن بإمكان الحكومة أن تمدّد، أو تؤجل مرة أخرى، وتتحمل مواجهة النقمة المتصاعدة، وغضب الناس الذين زَكمت أنوفهم روائح النفايات السامة التي عجزت السلطة والطبقة السياسية عن رفعها من الشوارع على مدى ثمانية أشهر، وروائح الصفقات والفساد والسمسرات وهدر المال العام في الوزارات ومؤسسات الدولة. لذلك، قرّرت إجراء الانتخابات المحلية التي انطلقت مرحلتها الأولى في بيروت ومحافظتي البقاع وبعلبك-الهرمل، والتي ستستمر حتى نهاية الشهر على مدى أربع مراحل. وراحت جميع الأحزاب والقوى تستعد للمواجهة وتحضر ماكينتها الانتخابية، بهدف تنفيس النقمة وإلهاء الناس بالمنافسات المحلية بين العائلات.
ولكن، لم تجر الرياح بما تشتهي السفن، وشكلت المحطة الانتخابية الأولى مفاجآت لجميع القوى من دون استثناء، حتى لمن يعتبر أن جمهوره "مؤدلج" ومحصن وملتزم، أي حزب الله، الذي خاض معارك قاسية في عقر داره في محافطة بعلبك. وكذلك بالنسبة لتيار "المستقبل"، الذي يتزعمه سعد الحريري، الذي خاض امتحاناً عسيراً مع حلفائه المسيحيين الذين يعتبر أنهم "طعنوه" في معركة بلدية بيروت التي قرّر أن يعتمد، في تشكيلة مجلسها البلدي المؤلف من 24 عضواً، مبدأ المناصفة في توزيع المقاعد بين المسلمين والمسيحيين. وهو نهجٌ اعتمده والده رئيس الحكومة الأسبق، رفيق الحريري، على الرغم من الغلبة الواضحة للمسلمين السنة في العاصمة، حفاظاً على فكرة العيش المشترك بين اللبنانيين. وقد شاركت في اللائحة جميع الأحزاب المسيحية (القوات اللبنانية والتيار العوني والكتائب والأحزاب الأرمنية)، بالإضافة إلى حركة "أمل"، التي يتزعمها رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، فيما فضّل حزب الله عدم المشاركة.
ومقابل لائحة فريق السلطة، تشكلت لائحة من المجتمع المدني، أطلقت على نفسها تسمية "بيروت مدينتي"، اعتمدت مبدأ المناصفة الطائفية، وزادت عليه مبدأ المناصفة بين الجنسين، وضمت مهندسين مدنيين وبيئيين وناشطين في الشأن العام ومثقفين وفنانين، مثل الممثلة والمخرجة، نادين لبكي، والمغني والملحن، أحمد قعبور. ولاقت اللائحة استحساناً لدى الرأي العام المكتوي بنار الطبقة السياسية، وتمكّنت من تحقيق أرقام لافتة بلغت نسبة 40%، وكان في وسعها أن تحدث المفاجأة الكبرى، لولا ضعف الإقبال على الاقتراع الذي تجاوز بقليل نسبة 20%. وقد تبين لاحقاً أن "بيروت مدينتي" حازت تأييداً واسعاً لدى الرأي العام المسيحي غير الحزبي، وتقدم عدد من مرشحيها في دائرة بيروت الأولى (لبكي حلت أولاً في الأشرفية) على رئيس لائحة فريق السلطة وأعضائها، وربما أيضاً بفعل التمرد (أو الإيعاز؟) الذي حصل داخل قواعد الحزبين المسيحيين الرئيسيين ("القوات" و"العوني") بالتصويت لـ "بيروت مدينتي" أو بممارسة التشطيب. وهذا ما ولّد حالةً من الغضب لدى الحريري وفريقه، الذي بات عليه أن يواجه مسألة تراجع شعبيته، وضعف إقبال الناخبين في معقله من جهة، وإعادة النظر، من جهةٍ ثانية، في العلاقة مع الحليف المسيحي التي نسجها ورسخها بعد اغتيال الحريري في عام 2005، ناهيك عن الخلاف الناشئ بين الطرفين منذ فترة حول عدم انتخاب رئيس للجمهورية.
وبطبيعة الحال، أحدثت العملية الانتخابية بلبلةً أيضاً داخل الأحزاب المسيحية نفسها، وأظهرت كم أن حساباتها غير مطابقة لواقع "البيدر المسيحي" ومزاجه، فقد راهن "الثنائي المسيحي" بين ميشال عون وسمير جعجع، اللذيْن أجريا "مصالحةً تاريخية" بعد أكثر من خمسة وعشرين سنة من الخصام، على قدرتهما على اكتساح الساحة واستقطاب 85% من المسيحيين، كما أعلنا، وإذ بأول انتخاباتٍ يخوضانها معاً تظهرهما غير قادريْن على حصد نصف أصوات المسيحيين، ولا حتى على حشد جمهورهم، ودفعه إلى صناديق الاقتراع إلى درجة أن مسيحيي لائحة "بيروت مدينتي" تقدّموا عليهم في عقر دارهم. وحصل الأمر نفسه عملياً في معركة زحلة، أكبر مدينة كاثوليكية في الشرق، حيث ظهرت أيضاً هشاشة هذا التحالف الذي تمكّنت من خلاله لائحة الأحزاب الثلاثة مجتمعة (عون، جعجع، الجميل) من الفوز بفارقٍ بسيط أمام لائحة أحد أقطاب المدينة التقليديين، ناهيك عن الخلافات التي طفت على السطح بين قيادات التيار العوني. وستكون قدرة هذا "الثنائي" على الاستقطاب أمام اختبارٍ مفصلي في المراحل المقبلة.
واقع حال الطرف الشيعي الأقوى والمدجج بالسلاح (حزب الله) ليس أفضل، فقد خاض أشبه بمعركة وجود في دوائر البقاع (الشيعية)، التي يعتبر أنها يجب أن تبقى "قلاعاً حصينة" لخطوط عبور مقاتليه باتجاه سورية. فمن أصل 155 بلدية في قضاء بعلبك-الهرمل، لم يتمكّن من الفوز إلا في 17 بلدية فقط، واضطر، في غالبيتها، للتراجع أمام العائلات. وخسر معركة بلدية مدينة الهرمل، وواجه تحدّياً شرساً في مدينة بعلبك نفسها، تمكّنت خلالها اللائحة المنافسة، المؤلفة من شخصيات من المجتمع المدني والعائلات، وكادت أن تنتزع البلدية من حزب الله، حاصدة 46% من أصوات الناخبين، ما استدعى توجه نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، إلى بعلبك، للإشراف مباشرةً على سير المعركة، علماً بأن لائحته كانت تضم كل الفريق "الممانع" من "أمل" وحزب البعث إلى الحزب القومي السوري و"التيار العوني". في المقابل، أظهر حزب الله أنه يتقن لعبة السلطة وحساباتها، ولا يرى حرجاً في الوقوف إلى جانب الفاسدين، كما فعل في زحلة، حيث وزع أصواته بين اللوائح الثلاث. وفي بيروت، لم يشأ الانحياز علناً إلى جانب فريقٍ أو لائحةٍ، على الرغم من وجود ثلاث لوائح معارضة، محاولاً هكذا الحفاظ على خيطٍ، ولو رفيع، مع الحريري، على الرغم من تسليط كل سهام فريقه الإعلامي عليه.
كشفت الانتخابات البلدية، في المحصلة النهائية، عورة الطبقة السياسية، ومدى اتساع الهوة التي تفصلها عن الجمهور في مختلف الطوائف والمناطق.