أمام واجهة محله الصغير في شمالي قطاع غزة، يُعلق زهير أحمد قطوف البلح بلونها الأحمر، التي جلبها من أراضٍ زراعية في الجنوب، في عمل موسمي لتوفير مصدر دخل، بعد ركود تجارة الزجاج والألومنيوم التي يحترفها.
منذ 6 سنوات، يُغلق زهير أبواب محله الخاص بتجارة الزجاج والألومنيوم، لكن الواجهة تظل مزينة بقطوف البلح على مدار الساعة، خلال الفترة من شهر سبتمبر/أيلول وحتى نوفمبر/تشرين الثاني، فالحاجة لتنشيط المدخول المادي تدفعه للتجارة بالبلح في هذه الفترة من كل عام.
ورغم اعتماد زهير على موسم البلح بشكل كبير خلال هذه الفترة من كل عام، إلا أن الظروف المناخية قلصت من أعماله هذه السنة لكن عوائدها لا تزال صامدة في ظل الانهيار الاقتصادي للقطاع.
يقول التاجر الفلسطيني لـ"العربي الجديد" : "أتعامل مع أصحاب أراض في دير البلح وخانيونس (جنوب القطاع)، كل سنة وأضمن من 100 إلى 200 نخلة، لكن هذه السنة ضمنت فقط 60 نخلة، فشدة حرارة الصيف جعلت البلح ينضج قبل أوانه واضطررت لأبدأ تجارتي في أوائل سبتمبر/أيلول، بينما المفترض أن يبدأ أواخره".
المشكلة نفسها يوضحها المزارع إبراهيم الأسطل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلا إن "محصول البلح خلال السنوات الأخيرة زاد سوءاً بسبب شدة الحرارة، وهو ما يجعله ينضج قبل أوانه، لكن تظل كمية الإنتاج مرضية إلى حد ما في ظل هذه الظروف المأساوية في غزة، خصوصاً الحصار الإسرائيلي والأوضاع الاقتصادية الصعبة".
محاولة الفلسطينيين التغلب على ظروف الحصار الإسرائيلي وما خلفه من أوضاع معيشية واقتصادية متردية، يُترجم في انتشار باعة البلح على شوارع ومفترقات قطاع غزة من شماله حتى جنوبه، خلال هذه الفترة من كل عام والتي تتشكل في موسم جني البلح، أملاً في بيع ما بحوزتهم من محصول.
فضلاً عن أن هذا الموسم قد يكون فرصةً لعددٍ من الشبان الذين يكافحون أوجه الحصار وتداعياته، خصوصاً المتعلقة في ارتفاع نسبة البطالة إلى نحو 70%، وفقاً لتقرير أصدره البنك الدولي أخيراً، حيث يخلق موسم البلح فرص عمل سواء من خلال بائعيه المنتشرين على الطرقات أو العاملين على حصاده في الأراضي الزراعية المخصصة لأشجار النخيل.
أحمد الشرافي، الذي وقف ليشتري قُطفاً من البلح الأحمر عند أحد الباعة على مفترقٍ رئيسي في مدينة غزة، لا يُنكر سوء الأوضاع الاقتصادية، لكنه يعتاد على شراء قطف واحدٍ في كل عام. يقول أحمد لـ "العربي الجديد": "أنا متعود كل سنة أشتري قطف أحمر وبعلقه عندي في البيت حتى يصير رطب ونأكله، وأحياناً نعمل منه مربى".
ويؤكد مدير دائرة البستنة في وزارة الزراعة في غزة، محمد الناقة، أن "موسم البلح للعام الجاري، حقق الاكتفاء الذاتي على رغم أن الإنتاج كان أقل من العام الماضي". ويقول لـ"العربي الجديد": "بلغت المساحة الزراعية لأشجار النخيل للعام 2018 في غزة، 11670 دونماً زراعياً (الدونم يعادل ألف متر مربع)، منها 8000 دونم مثمر و3670 دونما غير مثمر" .
ويوضح الناقة أن "متوسط الاستهلاك السنوي للفرد الواحد في غزة يصل إلى 6 كيلوغرامات، في حين قد بلغ متوسط الإنتاج للدونم لهذا العام 1.5 طن، وبذلك يقدر مجموع كمية الإنتاج في المساحات المزروعة بالبلح، ما يزيد عن 12 ألف طن، وهو أمرٌ يعني أن الموسم يحقق اكتفاءً ذاتياً".
وينوه المسؤول الحكومي إلى أن قلة الإنتاج عن العام الماضي، ترجع إلى الظروف المناخية حيث ارتفاع درجات الحرارة التي أثرت سلباً على جودة المحصول، إضافة إلى مشكلة قلة الأمطار.
ويمر قطاع غزة بأوضاع توصف بالكارثية في الأشهر الأخيرة، مع تشديد الاحتلال حصاره المطبق منذ عام 2007 من جهة، وظروف الانقسام الفلسطيني التي أدت إلى فرض الرئيس محمود عباس إجراءات عقابية ضد سكان غزة، من جهة أخرى، فضلا عن أزمات أخرى، بدأت تكتب فصولاً جديدة من المعاناة، تتمثل في وقف المساعدات الخارجية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وغيرها من الأزمات المرتبطة بمخططات تصفية القضية الفلسطينية.
وأظهر تقرير حديث للبنك الدولي، شحاً كبيراً في السيولة النقدية لدى الفلسطينيين في قطاع غزة وانهياراً اقتصادياً متصاعداً، وهما ما قد يمهدان لخطر تلبية الاحتياجات الأساسية لسكان غزة، على غرار أن فرداً واحداً من أصل اثنين في القطاع، يعاني من الفقر، حيث وضعت هذه العوامل غزة في حالة شلل ارتفعت معها حدة الأزمات الإنسانية من فقر وبطالة وتدهور الخدمات الأساسية.
وأسهمت الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية في إبريل/ نيسان 2017، من خلال تقليص رواتب آلاف الموظفين التابعين لها بنسبة تصل لنحو 50%، إلى خفض القدرة الشرائية في القطاع بشكلٍ ملحوظ، وهو الذي انعكس سلباً على الأسواق التجارية في غزة، حيث تشير تقديرات المختصين الاقتصاديين إلى أن إجمالي الأموال التي قامت السلطة بحجبها عبر تقليص الرواتب، بلغت حوالي 20 مليون دولار شهرياً، والتي كانت تشكل محركاً أساسياً للسوق الغزي خلال السنوات الأخيرة.