بالرغم من صغر حجمها وقلة عدد سكانها، تعتبر بلجيكا من بين الدول الأكثر تقدماً صناعياً في أوروبا، فهي تستورد المواد الخام بكميات كبيرة بسبب شح مواردها الطبيعية، وتقوم، بعد ذلك، بمعالجتها لتجهيزها، بشكل أساسي، للتصدير. إذ تشكل الصادرات البلجيكية حوالي ثلثي الناتج المحلي الإجمالي، ونحو ثلاثة أرباع التجارة الخارجية مع بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى.
على مدى قرن ونصف القرن من الزمن، حافظت بلجيكا على مكانتها باعتبارها دولة صناعية ذات اقتصاد متنوع، ليس فقط بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي وما تملكه من مرافق نقل متطورة، ولكن أيضاً بسبب قدرتها، خلال معظم هذه الفترة، على تنمية وسائل الإنتاج تلبية للاحتياجات المتغيرة للتجارة العالمية.
اقرأ أيضا: إيرلندا.. وصعود النمر السلتي
فمنذ خمسينيات القرن الماضي، سنّ البرلمان البلجيكي قوانين التوسع الاقتصادي لتمكين الصناعات الراسخة من تحديث معدات مصانعها القديمة، وتعزيز قدرات القوة العاملة لديها حتى باتت تمتلك درجة عالية من المهارة والإنتاجية، حيث لا تزال الصناعة التقليدية تتركز في إقليم "والونيا"، في حين تتواجد الصناعات الحديثة في "فلاندرز". إضافة إلى ذلك، ترتبط وسائل النقل المتطورة في بلجيكا بشكل وثيق مع تلك التي في الدول المجاورة، حيث يعتبر ميناؤها الرئيسي، "أنتويرب"، من أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم.
في الواقع، بلجيكا هي موطن لعدد من شركات تصنيع السيارات الدولية الكبرى، مثل "فورد" و"فولفو" و"رينو"، ولها منافذ وشركات تابعة للعديد من الشركات متعددة الجنسيات التي أصبحت تُهيمن على بعض قطاعات الاقتصاد البلجيكي. على سبيل المثال، تسيطر شركات البرمجيات الأميركية حالياً على نحو 42% من السوق البلجيكية، في حين تسيطر شركات، مثل "كومباك" و"ديل"، على سوق أجهزة الكمبيوتر الشخصية.
اقرأ أيضا: فنلندا.. والطريق نحو الإبداع!
بعد التحول الصناعي خلال فترة السبعينيات، برز عدد من الصناعات الجديدة، بما في ذلك صناعة المواد الكيميائية والمعادن والآلات والأغذية والأدوية، وأصبحت بلجيكا مركزاً دولياً لتجارة الماس. رغم ذلك، فقد واجهت، حتى أحدث الصناعات مثل صناعة السيارات، عقبات كبيرة، إذ بدأ القطاع الصناعي يفقد بريقه، وأهميته النسبية للاقتصاد الوطني، منذ حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. في المقابل، بدأ قطاع الخدمات يكتسب مزيداً من الأهمية مع استنفاد المملكة معظم مواردها الطبيعية، حيث انخفض إنتاج الصلب والمنسوجات بشكل ملحوظ، أما الصناعة المتبقية فقد أصبحت تنتج منتجات جاهزة من مواد يتم إعادة تصنيعها.
شهدت حقبة الثمانينيات فترة صعبة من التكيف الهيكلي، نجمت عن تراجع الطلب على منتجات بلجيكا التقليدية، وتدهور الأداء الاقتصادي. نتيجة لذلك، هز الركود أركان الاقتصاد في الفترة بين 1980 و1982، متسبباً في ارتفاع معدلات البطالة، وتكاليف الرعاية الاجتماعية، إضافة إلى ارتفاع العجز الحكومي إلى 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
اقرأ أيضا: نيوزلندا وفن إدارة الأزمات
إزاء هذه الخلفية القاتمة، تمكنت الدولة من مواصلة تكيفها مع المتغيرات الاقتصادية حيث وضعت الحكومة الائتلافية في عام 1982، برنامج الانتعاش الاقتصادي. وفي مايو/ أيار 1990، ربطت الحكومة عملتها المحلية، الفرنك البلجيكي، بالمارك الألماني من خلال تتبعها، في المقام الأول، لأسعار الفائدة الألمانية المستقرة.
في عام 1993، أصبحت بلجيكا دولة اتحادية تتكون من ثلاثة أقاليم (فلاندرز، وألونيا، وبروكسل)، حيث تم إعطاؤها صلاحيات اقتصادية شملت مجالات التنمية الصناعية، والبحوث، وتشجيع التجارة، والتنظيم البيئي، ما جعل النظام الاتحادي لبلجيكا بمثابة الأساس لبناء اتحاد أوروبي موحد رغم الانقسامات الإقليمية. فلا غرابة، إذن، أن تصبح بلجيكا من الأعضاء الأوائل للاتحاد النقدي الأوروبي في عام 1998.
في الواقع، نجحت سياسة "تفويض السلطة للأقاليم" وبرنامج السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي في جذب الاستثمار الأجنبي الجديد كوسيلة لتعزيز فرص العمل، وذلك من خلال تقديم حزمة من الحوافز والمزايا للمستثمرين الأجانب المحتملين، حيث باتت الشركات الأجنبية، اليوم، تشكل حوالي 12٪ من إجمالي قوة العمل في بلجيكا.
اقرأ أيضا: الخدمات.. سِر تفوُّق الإنجليز!
وكما هو الحال مع معظم دول منظمة التعاون والتنمية، أصبح قطاع الخدمات، في الوقت الراهن، القطاع المهيمن على الاقتصاد البلجيكي، إذ تُمثل وظائف هذا القطاع نحو 78% من إجمالي فرص العمل في البلاد.
(خبير اقتصادي أردني)
على مدى قرن ونصف القرن من الزمن، حافظت بلجيكا على مكانتها باعتبارها دولة صناعية ذات اقتصاد متنوع، ليس فقط بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي وما تملكه من مرافق نقل متطورة، ولكن أيضاً بسبب قدرتها، خلال معظم هذه الفترة، على تنمية وسائل الإنتاج تلبية للاحتياجات المتغيرة للتجارة العالمية.
اقرأ أيضا: إيرلندا.. وصعود النمر السلتي
فمنذ خمسينيات القرن الماضي، سنّ البرلمان البلجيكي قوانين التوسع الاقتصادي لتمكين الصناعات الراسخة من تحديث معدات مصانعها القديمة، وتعزيز قدرات القوة العاملة لديها حتى باتت تمتلك درجة عالية من المهارة والإنتاجية، حيث لا تزال الصناعة التقليدية تتركز في إقليم "والونيا"، في حين تتواجد الصناعات الحديثة في "فلاندرز". إضافة إلى ذلك، ترتبط وسائل النقل المتطورة في بلجيكا بشكل وثيق مع تلك التي في الدول المجاورة، حيث يعتبر ميناؤها الرئيسي، "أنتويرب"، من أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم.
في الواقع، بلجيكا هي موطن لعدد من شركات تصنيع السيارات الدولية الكبرى، مثل "فورد" و"فولفو" و"رينو"، ولها منافذ وشركات تابعة للعديد من الشركات متعددة الجنسيات التي أصبحت تُهيمن على بعض قطاعات الاقتصاد البلجيكي. على سبيل المثال، تسيطر شركات البرمجيات الأميركية حالياً على نحو 42% من السوق البلجيكية، في حين تسيطر شركات، مثل "كومباك" و"ديل"، على سوق أجهزة الكمبيوتر الشخصية.
اقرأ أيضا: فنلندا.. والطريق نحو الإبداع!
بعد التحول الصناعي خلال فترة السبعينيات، برز عدد من الصناعات الجديدة، بما في ذلك صناعة المواد الكيميائية والمعادن والآلات والأغذية والأدوية، وأصبحت بلجيكا مركزاً دولياً لتجارة الماس. رغم ذلك، فقد واجهت، حتى أحدث الصناعات مثل صناعة السيارات، عقبات كبيرة، إذ بدأ القطاع الصناعي يفقد بريقه، وأهميته النسبية للاقتصاد الوطني، منذ حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. في المقابل، بدأ قطاع الخدمات يكتسب مزيداً من الأهمية مع استنفاد المملكة معظم مواردها الطبيعية، حيث انخفض إنتاج الصلب والمنسوجات بشكل ملحوظ، أما الصناعة المتبقية فقد أصبحت تنتج منتجات جاهزة من مواد يتم إعادة تصنيعها.
شهدت حقبة الثمانينيات فترة صعبة من التكيف الهيكلي، نجمت عن تراجع الطلب على منتجات بلجيكا التقليدية، وتدهور الأداء الاقتصادي. نتيجة لذلك، هز الركود أركان الاقتصاد في الفترة بين 1980 و1982، متسبباً في ارتفاع معدلات البطالة، وتكاليف الرعاية الاجتماعية، إضافة إلى ارتفاع العجز الحكومي إلى 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
اقرأ أيضا: نيوزلندا وفن إدارة الأزمات
إزاء هذه الخلفية القاتمة، تمكنت الدولة من مواصلة تكيفها مع المتغيرات الاقتصادية حيث وضعت الحكومة الائتلافية في عام 1982، برنامج الانتعاش الاقتصادي. وفي مايو/ أيار 1990، ربطت الحكومة عملتها المحلية، الفرنك البلجيكي، بالمارك الألماني من خلال تتبعها، في المقام الأول، لأسعار الفائدة الألمانية المستقرة.
في عام 1993، أصبحت بلجيكا دولة اتحادية تتكون من ثلاثة أقاليم (فلاندرز، وألونيا، وبروكسل)، حيث تم إعطاؤها صلاحيات اقتصادية شملت مجالات التنمية الصناعية، والبحوث، وتشجيع التجارة، والتنظيم البيئي، ما جعل النظام الاتحادي لبلجيكا بمثابة الأساس لبناء اتحاد أوروبي موحد رغم الانقسامات الإقليمية. فلا غرابة، إذن، أن تصبح بلجيكا من الأعضاء الأوائل للاتحاد النقدي الأوروبي في عام 1998.
في الواقع، نجحت سياسة "تفويض السلطة للأقاليم" وبرنامج السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي في جذب الاستثمار الأجنبي الجديد كوسيلة لتعزيز فرص العمل، وذلك من خلال تقديم حزمة من الحوافز والمزايا للمستثمرين الأجانب المحتملين، حيث باتت الشركات الأجنبية، اليوم، تشكل حوالي 12٪ من إجمالي قوة العمل في بلجيكا.
اقرأ أيضا: الخدمات.. سِر تفوُّق الإنجليز!
وكما هو الحال مع معظم دول منظمة التعاون والتنمية، أصبح قطاع الخدمات، في الوقت الراهن، القطاع المهيمن على الاقتصاد البلجيكي، إذ تُمثل وظائف هذا القطاع نحو 78% من إجمالي فرص العمل في البلاد.
(خبير اقتصادي أردني)