وامتنع فقط حزب العمل البلجيكي، الشيوعي، عن التصويت، بينما صوت ممثلو اليمين المتطرف ضد نتائج التقرير، ومن الأمور اللافتة في التقرير هو إجماع معديه على وضع توصية يتم بموجبها إلغاء إشراف السعودية على "المسجد الكبير" الذي يعتبر أحد أهم مساجد المسلمين في بلجيكا.
سبعة عشر نائبا، و164 جلسة للجنة على مدى 18 شهرا، وما يقرب من 200 من الأشخاص الذين تم الاستماع إليهم، و939 صفحة من النتائج والتوصيات، هو تقييم عمل لجنة التحقيق البرلمانية التي تم إنشاؤها في أعقاب هجمات 22 مارس / آذار 2016 التي شهدتها بروكسل وتمت الموافقة على تقريرها النهائي أمس الخميس.
وكما يفسر لـ "العربي الجديد"، الخبير في الشؤون البلجيكية، محمت كوكسال، فإن "عمل اللجنة كان متوترا في بعض الأحيان. ولم يكن من السهل دائما التوصل إلى توافق في الآراء داخلها. وقد كان هذا الأمر صعبا للغاية عندما تعلق الأمر مثلا بالتطرق إلى دور ضابط الاتصال في إسطنبول التابع للشرطة الفدرالية، والذي اتهمه، بشكل مبكر، وزير الداخلية، يان يامبون، بالتقصير".
وتابع قائلا: "النواب عملوا ما في جهدهم للتوصل إلى الحقيقة والتي أدت إلى تبرئة الشرطي من هذه التهمة". وكان ضابط الشرطة المعني قد وصلته معلومات من السلطات التركية في صيف عام 2015 تفيد بعودة إبراهيم البكراوي، وهو أحد منفذي الهجوم على مطار بروكسل، إلى بلجيكا، بعد محاولته العبور إلى سورية.
ويضم التقرير النهائي أربعة أجزاء، يتناول الأول عمل خدمات الإنقاذ يوم 22 مارس / آذار، والثاني مساعدة الضحايا ووضعهم القانوني. أما الثالث فيخص الطريقة التي تعاملت بها السلطات الأمنية البلجيكية مع التهديدات الإرهابية، والرابع حول تنامي التطرف في بلجيكا. وضم كل جزء مجموعة توصيات قدمت إلى السلطة التنفيذية.
جدل حول الإنقاذ
وقد خصص الجزء الأول من التقرير إلى حد كبير لخدمات الإغاثة. ويقدر النواب أنه في 22 مارس / آذار 2016، بدأت المرحلة العامة من خطة الطوارئ في وقت متأخر بعض الشيء.
وأكدوا أنه بعد الهجوم الذي وقع في مطار بروكسل، "كان اتجاه العمليات غير متساو وغير كاف". ويوصي التقرير "بالانتقال بسرعة أكبر وبشكل أكثر منهجية إلى المرحلة العامة" بمجرد أن يتضح أن هناك هجوماً إرهابياً. كما أوصت اللجنة بتعزيز وحدة إدارة مركز الأزمات التابع لوزارة الداخلية، وتزويدها بمنصة معلومات ورصد للقرارات المتخذة. والهدف هو تجنب الاتصالات المتتالية من قبل مجموعة من المؤسسات لصالح الاتصال المباشر بالقرارات التي يتخذها مركز الأزمات. وتوصي اللجنة أيضا بتبسيط خطط الطوارئ والاستجابة، فضلا عن إنشاء منصة إلكترونية لمجموعات الإنقاذ.
حقوق الضحايا
ومما لا شك فيه أن إحدى اللحظات الصعبة لعمل اللجنة هي التي خصصت للاستماع إلى أقارب الضحايا. وقد قدم هؤلاء شهادات حول الصعوبات التي تواجههم خاصة في ما يتعلق بالتواصل مع السلطات. وأوضحوا مدى شعورهم ببيروقراطية الإجراءات الإدارية دون معرفة الجهة التي يجب الاتصال بها في بعض الملفات.
وقد دعا النواب إلى إنشاء إدارة موحدة للتعامل مع الضحايا لتفادي تنقلهم من إدارة إلى أخرى، إضافة إلى تعيين شخص مرجعي لكل ضحية على حدة لمساعدته في خطواته المتعددة. وثمة توصية هامة أخرى تطالب الدولة بدفع التعويضات، قبل تحويل العملية إلى الصندوق الذي أنشأته شركات التأمين الخاصة التي تعرضت لانتقادات حادة بسبب تعاملها السيىء مع الضحايا.
عمل المخابرات
الثغرات في أجهزة الاستخبارات والأمن التي سمحت للإرهابيين بتنفيذ العمليات الإرهابية هي الملف الذي حظي باهتمام كبير من قبل النواب. "على الرغم من إصلاح عمل الشرطة منذ ملف دوترو - الذي اختطف وقتل مجموعة من الفتيات في بداية التسعينيات - فإن الاتصالات بين الشرطة الفدرالية والشرطة المحلية لا تزال غير كافية كما كشفت هذه الهجمات، وهذا شيء مقلق جدا"، كما يقول محمت كوكسال.
وقد أعرب النواب عن دهشتهم إزاء ضعف المعلومات لدى أجهزة أمن الدولة والمخابرات العسكرية. وكما جاء في التقرير "كانوا لا يعرفون شيئا، أو قليلا فقط، من المعلومات عن الغالبية العظمى من المنفذين، بينما كان لبعضهم ماض مشترك مع متهم معروف هو عبد الحميد أبا عود". وفي ضوء ذلك، أوصت اللجنة بتيسير عمليات تبادل المعلومات وإتاحتها في إطار أمني مشترك، مع الدعوة إلى إنشاء هيئات فدرالية أو محلية حيث تجتمع كل الجهات الفاعلة للعمل معا.
وأوصت اللجنة أيضا بضرورة العمل على تجانس الأدوات المستعملة في مكافحة الإرهاب والحفاظ على مستوى من المركزية في هذه العملية، مع رفض مسألة دمج أجهزة الاستخبارات، والعمل فقط على تفادي الازدواجية. وثمة عنصر آخر لشرح الفشل يتعلق بالافتقار إلى الوسائل المالية والبشرية، لا سيما في الشرطة الفدرالية وأمن الدولة.
لذا اعتبرت اللجنة أن الكرة الآن في ملعب الحكومة التي تمتلك القرار المالي لتعزيز وحدات الشرطة المختلفة بما تحتاج إليه من وسائل مالية وبشرية. كما ذكر النواب أن الفشل في مواجهة هذه الهجمات يعود أيضا إلى ضعف التعاون الدولي.
اتفاقية المسجد الكبير
وتشكل إحدى التوصيات التي حظيت بتوافق كبير بين النواب تلك المتعلقة بإعادة النظر في اتفاقية تسيير المسجد الكبير في بروكسل، والموقعة مع المملكة العربية السعودية. وكانت جلسة الاستماع لممثلي المركز الإسلامي والثقافي ببلجيكا المسير للمسجد قد انتهت بتساؤلات كبيرة، حيث اكتفى مسؤولو المسجد بنفي التهم الموجهة إليهم بتعزيز التطرف دون تقديم أي دلائل.
وأوصى التقرير النهائي للجنة التحقيق حول الهجمات الإرهابية بوضع حد لاتفاقية 1969، التي تم بموجبها عهد تسيير المسجد الكبير إلى السعودية. واقترح النواب أن تمنح الإدارة إلى كيان جديد يضم المجلس التنفيذي لمسلمي بلجيكا، وهي هيئة رسمية، و"جميع الحساسيات والتيارات التي تميز الإسلام والمسلمين في بلجيكا"، كما جاء في التقرير.