بكسر التاء: النضال بصوت الناجيات

08 مارس 2020
روعة أوجيه خلال حلقة "يوم لا عيد" (الجزيرة/ يوتيوب)
+ الخط -
بدأ قبل أشهر عرض برنامج "بكسر التاء" على قناة "الجزيرة". برنامجٌ اجتماعي سياسي نسوي هو الأول من نوعه على الشبكة، يُسلّط الضوء على قضايا النساء بلسانهنّ، ويحكي عن أوجاعهنّ بأصواتهنّ المرتجفة والقويّة، ويروي عبر تجاربهنّ قصص نضالاتٍ يوميّة مهمّشة في عالمٍ يُسيطر عليه الطغاة.

تنوّعت المواضيع واختلفت في الحلقات الممتدّة على 23 إلى 25 دقيقة، وتعرض على الشاشة وصفحات "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" كلّ أربعاء في السادسة والنصف مساءً. خرجت المذيعة روعة أوجيه خلالها من الشخصيّة الإخباريّة، فكانت إلى جانب مناضلات وناجيات وحقوقيّات ومواطنات في حلقات دعمٍ ومشاركة، كما تقتضي فكرة البرنامج.

من دون سابق معرفة بين المشاركات، تتشابك في روايات الأحداث التجارب على اختلاف البلدان العربية التي حصلت فيها تلك التجربة (الفاجعة غالباً في عالمٍ يضطهد النساء). وفي الحلقات الـ15 التي عُرضت حتى اليوم، تحدّثت النساء عن مشاركتهنّ في ثورات الربيع العربي، فحكينَ عن حلم الدولة المدنيّة الديمقراطية التي تحترم مواطنيها، ووطأة التطوّرات السياسيّة القاسية التي سافرت بالحلم بعيداً وتركت الثائرين والثائرات ليعيشوا مع قمعٍ أكبر، انتقاماً لدورهم في ذاك الحلم. لم يكن ذلك الموضوع السياسي الوحيد، بل تحدّثت المشاركات أيضاً عن وجع الاختفاء القسري وحياتهنّ المعلّقة جرّاء غياب أحد أحبائهنّ عنهنّ من دون القدرة على معرفة مكانه؛ إلى جانب ملفّ اللجوء، وحلم سعوديّات بدولة تحتضنهنّ حقاً.

طرح البرنامج أيضاً مواضيع اجتماعيّة - حقوقيّة، كملفّات الإعاقة الجسدية والتغلب عليها ومرض السرطان والمعاناة الاجتماعيّة المرافقة للمعاناة الصحية لدى النساء، واكتئاب ما بعد الولادة، والشيخوخة، والتحرّش والعنف الأسري، الطلاق، والزواج المبكر، إضافةً إلى التنمر والقوالب النمطية التي تفرض على المرأة لجهة شكلها وجسدها ولباسها.


وتزامناً مع اقتراب اليوم العالمي للنساء، طرح "بكسر التاء" أيضاً ملف اليوم الذي يعتبره البعض عيداً إنما هو فقط يوم واحد في السنة يُسمح فيه بإعلاء صوت النساء وما يواجهنَه يومياً. في الحلقة، تحدّثت 5 نساء من 5 دول عربية عن الحراك المطالب بحقوق المرأة والمساواة والتغيير في القوانين بالإضافة إلى التوعية المجتمعيّة للوصول إلى عالمٍ ليس فيه احتقارٌ للمرأة أو تمييز وعنف على أساس الجنس.



والحقيقة أنّ يوم النساء العالمي هذا العام يأتي بمكاسب جديدة، يُعدّ هذا البرنامج أحدها. فاللغة ذات السقف العالي للمشاركات، وسقف البرنامج العالي للملفّات المطروحة، يعتبران إنجازاً لشبكة "الجزيرة" المحافظة نفسها، وجرأةً للمقدمة أوجيه. إلى ذلك، فإنّ طرح قضايا المرأة من وجهة نظرها هي فقط، وبكلماتها وتجربتها، يرسم خطوطاً جديدة لتعاطي الإعلام العربي خصوصاً مع تلك القضايا، إذ لا تزال هذه الملفّات تعدّ "ساخنة" وعاملاً لجذب المشاهدين في أغلب القنوات العربيّة، فيما تُنشر صور وفيديوهات لجرائم ضدّ النساء من دون احتساب تأثيرات ذلك على حياة الضحايا. كذلك يُعطى في البرامج نفسها منبر لمرتكبي تلك الجرائم، على قاعدة حريّة التعبير، فيما إنّه في الحقيقة مساهمة في استمرار سطوة الجهة المنتهكة على المرأة.

وفيما يستمرّ تسليع النساء على أغلب القنوات، وتواجه ضحايا الاغتصاب بسؤال "ماذا كنتِ ترتدين؟"، وضحايا العنف بسؤال "ماذا كنتِ تفعلين؟"، ترفض روعة أوجيه آلية الطرح المهينة تلك، والمبرّرة أيضاً للجرائم، وتذهب إلى وضع نهجٍ جديد يقول إنّ الإعلام يمكن أن يطرح أسئلة لاستيضاح القصّة، لمعرفة وجهة نظر، ولسماع رواية، ويكتفي بذلك، فيُنتج محتوى إعلامياً بناءً، غنياً، تغييرياً، وغير مملّ، لتغطية قضايا يعود عمرها إلى عشرات السنين.