في كل مرة يقسم محمد بنبراهيم، بأغلظ الأيمان أنه لن يتعامل مع زبائنه الذين لا يوفون بما في ذمتهم عند نهاية الشهر، فدفتر ديونهم لديه ما عاد يحتمل ديوناً أخرى، لكن عندما تسأله يجابهك بابتسامة تنم عن قلة الحيلة، ويجيب "قدرنا نحن البقالين (صغار تجار التجزئة) أن نذعن لرغبات الزبائن، نغضب من عدم أدائهم ما في ذمتهم، لكن لا يمكننا أن نستغني عنهم، حتى إن تضررنا من قلة السيولة بسببهم".
ولا غنى للفقراء عن بقال الحي في الأحياء الشعبية في المغرب، حيث يلوذون به عند حاجتهم إلى المنتجات الضرورية، مثل الزيت والدقيق والحليب.. فيناولهم البقال ما يطلبونه حتى في حال عدم توفر المال في تلك اللحظة، إذ يمهلهم إلى حين ميسرة، وفي أغلب الأحيان إلى آخر الشهر.
وعُرف البقال في المغرب بدفتر شهير يشمل أسماء الأشخاص الذين في ذمتهم ديون تجاه المتجر، يمسكه بطريقته الخاصة ويحفظ عن ظهر قلب أسماء الزبائن والمبلغ الذي يفترض أن يؤديه كل واحد منهم.
ويعتبر رئيس الاتحاد الوطني لتجار المواد الغذائية بالجملة والتقسيط، محمد لطيفي، أن دور هؤلاء البقالين يتجاوز العلاقة بين تاجر وزبون، إذ يحظون بأهمية خاصة في حياة الأسر في المغرب، فإليهم تهرع الأسر التي تضطرها ظروف قاهرة إلى أن تقترض منهم بعض المال من أجل مواجهة مصاريف طارئة، مثل التي يقتضيها أخذ طفل إلى الطبيب، وعنده يدع أفراد الأسرة مفاتيح البيت في انتظار أن يسأل عنها أحدهم، وإليهم يتوجه الأشخاص الذين يقبلون على الزواج من أجل السؤال عن أخلاق العريس أو العروس في الحي الذي يوجد به حيه. وفي غالب الأحيان يطلعون على أسرار أغلب الأسر، لكنهم يحرصون على عدم إفشائها.
ويؤكد لطيفي أن المغرب يضم حوالى 900 ألف بقال، كل متجر منها يوفر فرصة أو فرصتي عمل، وهي نسبة معقول في البلد الذي يتجاوز عدد سكانه الثلاثين مليون نسمة، ما يشير إلى الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تضطلع به تلك المحلات في المغرب، التي تمكنت من الصمود رغم التحولات التي اخترقت المغرب في السنوات الأخيرة، حيث كانت المحلات الوحيدة التي تعرف عليها المغاربة، ونسجوا مع أصحابها علاقات وفاء كبيرة.
وينحدر أصحاب تلك المحلات في المغرب من الجنوب المغربي، خاصة من القبائل الأمازيغية،
حيث اشتهروا بممارستهم تلك المهنة، فقد توارثوها أباً عن جد، وخبروا أسرارها وطرق التعامل مع الزبائن، فأسسوا تقاليد راسخة في هذا المجال، على اعتبار أنهم يسلمون جميعهم بأن الأسر في الأحياء الفقيرة التي ينشطون فيها، يفرض على أصحاب تلك المحلات التعامل بنوع من المرونة بحيث يعطون الزبائن ما يطلبونه إلى أن تسمح ظروفهم بدفع الديون.
ومن الأسباب الرئيسية لتقديم البقالين فرص الدفع الآجل للزبائن، انتشار المحلات التجارية الكبرى التي تشكل منافسة قوية لهم، على اعتبار أنها أضحت تنتشر في وسط المدن بالقرب من محلات البقالة، ما ساهم في تراجع معاملات محلات البقالة بحوالى 25%، حسب لطيفي.
وقال لطيفي إن حجم مبيعات تلك المحلات في اليوم تتراوح بين 500 و2000 درهم، غير أن التجار يؤكدون أن هامش ربح التاجر لا يتجاوز 8% بالنسبة للمواد المحددة أسعارها من قبل الدولة، و15% بالنسبة للمواد الأخرى، علما أن ذلك الهامش يبقى رهينة قانون العرض والطلب.
اقرأ أيضا: الملابس المستعملة..تجارة رائجة في المغرب رغم حظرها
وقبل أكثر من عشر سنوات، نظمت وزارة الصناعة والتجارة، مؤتمراً وطنياً من أجل الرقي بوضعية التجارة الداخلية، تمخضت عنه 69 توصية، لم تفعّل منها سوى توصية واحدة.
ويتحدث التجار عن الباعة الجائلين الذين يعرضون بضاعتهم أمام محلات التجار الصغار، من دون أن يكونوا ملزمين بأداء الضرائب، والمتاجر الكبرى والمتوسطة التي تغزو الأحياء التي كانت لا تعرف سوى التجار الصغار.
في الوقت نفسه، يشتكي التجار من عدم حصولهم على أي حماية اجتماعية، فهم لا يستفيدون من الحق في التقاعد الذي يخوله صندوق التضامن الاجتماعي، كما لا يتمتعون بالتغطية الصحية.
وبينما ينشغل لطيفي بالتوصيات وسبل تفعيلها، يقول البقال حسن الشلح لـ"العربي الجديد" إن انتشار المحلات الكبرى، دفعه إلى منح الأسر تسهيلات في الأداء، في الوقت نفسه اشترى سيارة، حيث يحرص على إيصال السلع إلى منازل الزبائن من أجل ضمان وفائهم. تلك طريقة للتكيف مع مستجدات السوق، لم يتعلمها حسن في مدارس الاقتصاد والتسويق، بل أملتها خبرة راسخة بسوق تعرف منافسة شرسة.
ولا غنى للفقراء عن بقال الحي في الأحياء الشعبية في المغرب، حيث يلوذون به عند حاجتهم إلى المنتجات الضرورية، مثل الزيت والدقيق والحليب.. فيناولهم البقال ما يطلبونه حتى في حال عدم توفر المال في تلك اللحظة، إذ يمهلهم إلى حين ميسرة، وفي أغلب الأحيان إلى آخر الشهر.
وعُرف البقال في المغرب بدفتر شهير يشمل أسماء الأشخاص الذين في ذمتهم ديون تجاه المتجر، يمسكه بطريقته الخاصة ويحفظ عن ظهر قلب أسماء الزبائن والمبلغ الذي يفترض أن يؤديه كل واحد منهم.
ويعتبر رئيس الاتحاد الوطني لتجار المواد الغذائية بالجملة والتقسيط، محمد لطيفي، أن دور هؤلاء البقالين يتجاوز العلاقة بين تاجر وزبون، إذ يحظون بأهمية خاصة في حياة الأسر في المغرب، فإليهم تهرع الأسر التي تضطرها ظروف قاهرة إلى أن تقترض منهم بعض المال من أجل مواجهة مصاريف طارئة، مثل التي يقتضيها أخذ طفل إلى الطبيب، وعنده يدع أفراد الأسرة مفاتيح البيت في انتظار أن يسأل عنها أحدهم، وإليهم يتوجه الأشخاص الذين يقبلون على الزواج من أجل السؤال عن أخلاق العريس أو العروس في الحي الذي يوجد به حيه. وفي غالب الأحيان يطلعون على أسرار أغلب الأسر، لكنهم يحرصون على عدم إفشائها.
ويؤكد لطيفي أن المغرب يضم حوالى 900 ألف بقال، كل متجر منها يوفر فرصة أو فرصتي عمل، وهي نسبة معقول في البلد الذي يتجاوز عدد سكانه الثلاثين مليون نسمة، ما يشير إلى الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تضطلع به تلك المحلات في المغرب، التي تمكنت من الصمود رغم التحولات التي اخترقت المغرب في السنوات الأخيرة، حيث كانت المحلات الوحيدة التي تعرف عليها المغاربة، ونسجوا مع أصحابها علاقات وفاء كبيرة.
وينحدر أصحاب تلك المحلات في المغرب من الجنوب المغربي، خاصة من القبائل الأمازيغية،
ومن الأسباب الرئيسية لتقديم البقالين فرص الدفع الآجل للزبائن، انتشار المحلات التجارية الكبرى التي تشكل منافسة قوية لهم، على اعتبار أنها أضحت تنتشر في وسط المدن بالقرب من محلات البقالة، ما ساهم في تراجع معاملات محلات البقالة بحوالى 25%، حسب لطيفي.
وقال لطيفي إن حجم مبيعات تلك المحلات في اليوم تتراوح بين 500 و2000 درهم، غير أن التجار يؤكدون أن هامش ربح التاجر لا يتجاوز 8% بالنسبة للمواد المحددة أسعارها من قبل الدولة، و15% بالنسبة للمواد الأخرى، علما أن ذلك الهامش يبقى رهينة قانون العرض والطلب.
اقرأ أيضا: الملابس المستعملة..تجارة رائجة في المغرب رغم حظرها
وقبل أكثر من عشر سنوات، نظمت وزارة الصناعة والتجارة، مؤتمراً وطنياً من أجل الرقي بوضعية التجارة الداخلية، تمخضت عنه 69 توصية، لم تفعّل منها سوى توصية واحدة.
ويتحدث التجار عن الباعة الجائلين الذين يعرضون بضاعتهم أمام محلات التجار الصغار، من دون أن يكونوا ملزمين بأداء الضرائب، والمتاجر الكبرى والمتوسطة التي تغزو الأحياء التي كانت لا تعرف سوى التجار الصغار.
في الوقت نفسه، يشتكي التجار من عدم حصولهم على أي حماية اجتماعية، فهم لا يستفيدون من الحق في التقاعد الذي يخوله صندوق التضامن الاجتماعي، كما لا يتمتعون بالتغطية الصحية.
وبينما ينشغل لطيفي بالتوصيات وسبل تفعيلها، يقول البقال حسن الشلح لـ"العربي الجديد" إن انتشار المحلات الكبرى، دفعه إلى منح الأسر تسهيلات في الأداء، في الوقت نفسه اشترى سيارة، حيث يحرص على إيصال السلع إلى منازل الزبائن من أجل ضمان وفائهم. تلك طريقة للتكيف مع مستجدات السوق، لم يتعلمها حسن في مدارس الاقتصاد والتسويق، بل أملتها خبرة راسخة بسوق تعرف منافسة شرسة.