وأرجع المسؤول، في حديث لـ"العربي الجديد"، توجه العبادي نحو هذا الخيار، إلى "عدم قدرة الحكومة الاتحادية على القيام بالمهمة بمفردها، خصوصاً في ما يتعلّق بمنازل العراقيين المدمرة في تلك المدن والتي تجاوز عددها نحو ربع مليون منزل وشقة سكنية وباتت تشكّل ملفاً إنسانياً خطيراً داخل محافظات شمال العراق وغربه"، مؤكداً أنّ "مؤتمر الكويت وما أسفر عنه، لم يترجم منه أي بند على أرض الواقع حتى الآن".
وتعرّضت 38 مدينة وقضاء ومحافظة عراقية شمال البلاد وغربها إلى دمار واسع نتيجة المعارك التي رافقت عملية تحريرها من مسلحي تنظيم "داعش" الذي اجتاح العراق منتصف عام 2014، قادماً من الأراضي السورية، ومستغلاً حركة الاحتجاجات التي نفذتها عشائر عربية شمال العراق وغربه ضد السياسة الطائفية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وأدرج البرلمان العراقي 21 مدينة من هذه المدن كمناطق منكوبة في فترات متفاوتة من هذا العام ونهاية العام الماضي، وهي المدن التي تجاوزت نسبة الدمار فيها أكثر من 60 في المائة وشملت البنى التحتية والخدمات والممتلكات، إضافة إلى تسجيلها خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين. ومن أبرز هذه المدن: الموصل وتلعفر والفلوجة وتكريت والرمادي وهيت ومدن شمال شرق ديالى وبيجي والبعاج والقيارة والحويجة والقائم والرطبة وجرف الصخر ويثرب ومدن وبلدات أخرى.
وحتى الآن لم تباشر الحكومة العراقية بعمليات إعادة إعمار أو تأهيل في المدن المحررة، باستثناء رفع الأنقاض وتفكيك الألغام والمتفجرات التي خلّفها "داعش"، إذ ما زال السكان يعانون من انهيار قطاعات مهمة في البنى التحتية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والطرق والجسور والصحة والتعليم، عدا عن منازل المواطنين المدمرة وانتشار الأمراض والأوبئة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة نتيجة الدمار الذي أصاب المعامل والورش والمصالح التجارية في تلك المدن.
ووفقاً للمسؤول نفسه، فإن مؤتمر الكويت الخاص بالمانحين للعراق "لم يحقق نتائج تذكر، والدول التي أعلنت عن تبرعها لم تسلّم العراق دولاراً واحداً حتى الآن، رغم الحاجة الماسة للاستعجال بإغاثة السكان في تلك المناطق"، موضحاً أنّ "العمل يقتصر حالياً على منظمات دولية وأخرى تابعة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى جهود منظمات خيرية عربية، مثل الكويتية والقطرية، والتي ساعدت الحكومة على توفير مياه شرب ومساعدات مختلفة، إلى جانب منظمات محلية تعمل ضمن إمكانيات بسيطة للغاية في إطار مبادرات ذاتية، فضلاً عن تجار وميسورين من سكان هذه المدن يساعدون أيضاً، لكن هذه المساهمات لا يمكن أن تحقق شيئاً على الأرض نسبة إلى كمية الخراب الكبيرة".
وكشف المسؤول أن "الحكومة ستمنح امتيازات كبيرة للشركات المحلية التي تقوم بالمبادرة في مساعدة سكان تلك المدن ومدّ يد العون لهم، وذلك في إطار إجراءات حكومية علاجية من بينها أنّ العبادي لن يعارض زيارة أعضاء مجالس المحافظات أو المحافظين والمسؤولين المحليين إلى الدول العربية أو الأجنبية وطرق باب المنظمات، لحشد الدعم وطلب المساعدة في إعمار المدن، لا بل إنه يرحّب بمثل تلك الخطوات من قبل حكومات تلك المحافظات". وأوضح المسؤول أن "رئيس الوزراء لمّح إلى ذلك في أكثر من لقاء جمعه مع مسؤولين من تلك المحافظات، وهو ما فهم منه أنه ضوء أخضر للمساهمة في الحراك العراقي العام لجمع المساعدات لإعادة الإعمار".
وفي هذا السياق، قال حامد المطلك، النائب عن محافظة الأنبار التي تبلغ نسبة الدمار فيها نحو 80 في المائة، خصوصاً في عاصمتها مدينة الرمادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "العجز الحكومي الحالي في إعمار المدن وانتشال سكانها لا يجب أن يكون مقدمة لموضوع أخطر، فإتاحة المجال لمسؤولي المحافظات وحكوماتها المحلية بالتحرّك ينطوي على مخاطر كثيرة قد تمسّ بسيادة البلاد وتقود إلى تدخلات وإملاءات من جهات خارجية على تلك المحافظات". وأضاف المطلك أنه "بناءً على ذلك، يجب أن يبقى الملف حكراً على حكومة بغداد وحدها وأن تقوم بما في وسعها للقيام بما هو واجب عليها".
من جانبه، قال النائب عن محافظة نينوى، محمد العبد ربه، لـ "العربي الجديد"، إن "الحكومة عاجزة عن تقديم شيء للمدن المدمرة ولا إمكانيات لديها، والمعاناة مستمرة لملايين العراقيين والدمار والخراب ما زال شاخصاً كالموت فيها. لذا، فإن فتح الحكومة اليوم المجال للتحرّك أمام الحكومات المحلية يمثّل خطوة مساعدة نحو الحل"، مضيفاً "يمكن أن نعتبر ذلك تعاوناً مشتركاً بين بغداد وحكومات المحافظات وتخفيفاً من المركزية الحالية وتشاركاً في الملف".
إلا أنّ النائب عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، اعتبر أنّ "تحرّك أي جهة محلية نحو الخارج لجمع تبرعات أو الحصول على دعم لإعمار المدن يجب أن يكون تحت عين الحكومة ووفقاً لضوابط، بسبب الفساد المستشري في الحكومات المحلية"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "يجب أن تكون هناك لجنة حكومية في كل نشاط خارجي لحشد الدعم الهادف إلى إنهاء معاناة سكان المدن المحررة"، على حد قوله.