في هذا السياق، ذكر قيادي بارز في التحالف الحاكم، أمس الأربعاء، أن "رئيس الوزراء حيدر العبادي أبلغ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بعدم إمكانية التعامل مع البارزاني في الفترة المقبلة، ومن الضرورة التعامل مع شخصية أخرى تؤمن بالعراق الفيدرالي الذي كفله الدستور". وأشار القيادي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أطرافاً كردية تشاطر العبادي التوجه نفسه، كالاتحاد الوطني والتغيير والجماعة الإسلامية وتحالف من أجل الديمقراطية، ومنظمات وحركات مدنية مختلفة في الإقليم. ونأمل أن يتحمل السيد البارزاني المسؤولية ويعلن استقالته والسماح لقيادات أخرى من حزبه، أو أحزاب أخرى، بإدارة الملف الاقتصادي والأمني مع الإقليم، وقبل كل شيء إدارة ملف العلاقة بين الإقليم والحكومة الاتحادية ببغداد".
وكانت حكومة الإقليم قدّمت، فجر أمس، تنازلاً جديداً، عبر تجميد نتائج الاستفتاء بشكل تام، وبدء مفاوضات ضمن الدستور، ووقف إطلاق النار بين قوات البشمركة والجيش العراقي، ووقف التحركات على حدود الإقليم. إلا أن قيادات بارزة بالتحالف الحاكم وأعضاء في البرلمان، اعتبروا أن "العرض غير كافٍ ويجب الإعلان عن إلغاء الاستفتاء بشكل كامل وكأنه لم يحدث بالمطلق قبل القبول بأي حوار مع أربيل وفق الدستور".
في هذا الإطار، اعتبر القيادي بالتحالف الحاكم في بغداد، المقرّب من رئيس الحكومة، جاسم محمد جعفر، أن "تجميد الاستفتاء تحايل على العبارات، والحكومة لن تقبل بأقل من إلغائه وإلغاء ما ترتب عليه". وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بالنسبة للحكومة فإن موقفها رافض للمبادرة التي أطلقتها أربيل، ومسألة التجميد يمكن اعتبارها أمراً غير مهم بالنسبة لنا، والمطلوب هو إلغاؤه، ويجب أن يصدر الإلغاء من البارزاني نفسه، لا من حكومة نجيرفان البارزاني".
ولفت إلى أنه "خلال ذلك تواصل الحكومة عمليتها لبسط سيطرتها على المنافذ، ومنها فيشخابور مع تركيا، كما ستواصل إجراءاتها المتخذة بعد الاستفتاء ضد كردستان". وحول مصير البارزاني، قال "نعم ليس سراً ما سأقوله، لكن البارزاني سيُقال أو يستقيل. وهذا ما يمكن الجزم به بالتأكيد. وهي رغبة كردية قبل أن تكون عراقية عامة".
من جانبه، رأى عضو البرلمان، حيدر الفوادي، أنه "على الحكومة إغلاق أي باب للحوار مع البارزاني، حتى الإلغاء التام لنتائج الاستفتاء، لا تجميده"، مضيفاً في بيان صحافي، أن "الحكومة مطالبة أيضاً بمواصلة بسط سلطتها على إقليم شمال العراق، ومن بينها السيطرة على المطارات والمنافذ الحدودية وآبار النفط".
في غضون ذلك، كشف المستشار الإعلامي لرئيس إقليم كردستان كفاح محمود، لـ"العربي الجديد"، أن "الإقليم لم يتلقَّ أي رد من بغداد حول الخطوة التي اتخذتها أربيل من تجميد نتائج الاستفتاء ووقف القتال والبدء بعملية حوار شاملة". وأشار إلى أن "الحوار سيكون ضمن الدستور ومن خلال طاولة تجمع الطرفين، لكن الحكومة العراقية لم تصدر أي موقف من ذلك".
من جهتها، أكدت مصادر عسكرية عراقية، لـ"العربي الجديد"، "استمرار التحشيد العسكري للقوات الاتحادية على مشارف منطقة فيشخابور، استعداداً للتقدم المفترض أن يتم بعد انتهاء المهلة التي حددتها بغداد مساء الثلاثاء الماضي لأربيل، وسط ترجيحات بتقدم القوات، فجر اليوم الخميس، إلى المنطقة"، وهو ما أكده القيادي بالتحالف جاسم محمد جعفر لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "قواتنا ستدخل فيشخابور بالقوة أو بالسلم".
في هذه الأثناء، شدّدت القيادية في حزب التغيير، سروى عبد الواحد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على أن "المطلب الشعبي والسياسي اليوم هو إقالة البارزاني، ويجب أن يستمع لذلك قبل فوات الأوان وتغليب مصلحة الشعب الكردي على مصلحته". ولفتت إلى أن "خطوة الاستفتاء وما جلبته من خسائر يجب عليه أن يتحملها وحده".
أما عضو حزب الاتحاد الكردستاني بالسليمانية، كمال بياره، فكشف لـ"العربي الجديد"، أن "جلسة برلمان كردستان، المقررة اليوم الخميس، ستشهد طرح مبادرة تشكيل حكومة إنقاذ مؤقتة، وتفكيك منظومة رئاسة الإقليم بما فيها مسعود البارزاني". وبيّن أن "جلسة البرلمان ستناقش توزيع سلطات رئاسة الإقليم الممنوحة لها وفقاً لقانون رئاسة الإقليم لعام 2005 النافذ، إلى السلطات الثلاث الأخرى، البرلمان والحكومة ومجلس القضاء".
وأكد أنه "تمّت دعوة جميع أعضاء البرلمان للحضور إلى جلسة اليوم لمناقشة ذلك، من خلال مشروع قرار يقضي بمنح سلطات رئيس الإقليم للبرلمان والحكومة ومجلس القضاء وإلغاء رئاسة الإقليم في موعد أقصاه الخامس من الشهر المقبل، ولحين إجراء الانتخابات المقبلة العام المقبل".
بدوره، ذكر النائب عن كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني، عبد الله محمود، في حديث لوكالة أخبار كردية، أن "جلسة البرلمان ستناقش نقل سلطات رئيس إقليم كردستان إلى السلطة القانونية والتشريعية والقضائية". وكان برلمان كردستان مدّد، يوم الثلاثاء الماضي، عمر الدورة الحالية له بأصوات 60 عضواً من أصل 110 أعضاء ولمدة ثمانية أشهر فقط.
البارزاني بات اليوم محاصراً من داخل الإقليم من قبل كتل المعارضة الكردية، وسط دفع من بغداد في الاتجاه نفسه للإطاحة به. وما فاقم ذلك هو دخول الإقليم في فراغ دستوري، بعد انتهاء ولايته وعدم إجراء الانتخابات، فضلاً عن أن النص الدستوري واضح لناحية تضمنه عدم إمكانية تولي رئيس الإقليم أكثر من فترتين رئاسيتين مجموعهما ثماني سنوات، وهو ما ينطبق على البارزاني تماماً.
وأشارت المصادر المقرّبة من الحزب الديمقراطي، إلى أنه "بوشر طرح أسماء بديلة من داخل الحزب بشكل جدي، كبديل عن البارزاني، من أبرزهم نجله مسرور وابن شقيقه نجيرفان البارزاني، إلا أن الاسمين لا يحظيان بقبول من قبل الأطراف الكردية الأخرى وكذلك بغداد. ما يدفع إلى الاعتقاد بأن مشاكل كردستان الداخلية ستطول أكثر من اللازم، وهو ما سيؤثر على الأزمة مع بغداد، التي تحاول اليوم إنجاز مهام عسكرية لها داخل مناطق سيطرة الأكراد، مثل السيطرة على المعابر الدولية مع إيران وتركيا قبل الدخول بأي حوار".
في السياق عينه، أفضى اجتماع رئيس الوزراء حيدر العبادي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن جملة من التفاهمات رسخت في النهاية التوافق الحالي بين الجانبين في ما يتعلق بملف إقليم كردستان. ونقل بيان مشترك عن أردوغان استعداده لدعم العراق في جهود إعمار المدن المحررة وإعادة النازحين لمنازلهم وإنشاء سد مشترك لمعالجة نقص المياه، معرباً في الوقت ذاته عن قلقه الشديد من تواجد منظمة حزب "العمال الكردستاني" والمنظمات الإرهابية الأخرى في كردستان، كونها تشكل خطراً مشتركاً على البلدين الجارين، داعياً إلى "التعاون لمواجهة ذلك الخطر، فضلاً عن التوافق في ما يتعلق بقضية استفتاء كردستان ورفضها واحترام وحدة وسيادة العراق". وفي مؤتمر صحافي مشترك، أشار الرئيس التركي إلى أنه ناقش مع العبادي الخطوات المشتركة التي سيتم اتخاذها في المرحلة المقبلة تجاه كردستان العراق، وعرض خدمات تركيا "للمشاركة في مكافحة العمال الكردستاني في المناطق العراقية". بدوره، من جانبه، طمأن العبادي إلى أنه "سيتم معاقبة جميع المجموعات المسلحة خارج إطار الدستور العراقي".