تلجأ بغداد إلى أوراق عدّة لإخضاع أربيل لشروطها، مستغلة ضعف موقف القيادة السياسية للأكراد إزاء الأزمة التي نجمت عن استفتاء انفصال إقليم كردستان. وتعدّ ورقة الموازنة، وحصة إقليم كردستان منها، من أقوى الأوراق التي تستغلها الحكومة العراقية للي ذراع الإقليم للقبول بشروطها السياسية من أجل فتح باب الحوار معه.
وتحاول بغداد، من خلال ورقة الموازنة، إرغام أربيل على تسليم المعابر الحدودية والمطارات ومنطقة فيشخابور الاستراتيجية. وتقضي ورقة الموازنة المالية للعام 2018، التي بدأ البرلمان بمناقشتها أمس السبت، بتخفيض حصة الإقليم السنوية من الموازنة من 17 في المائة الى 12.67 في المائة من أصل الموازنة العامة للبلاد، مع تفكيكها من خلال منح كل محافظة من محافظات الإقليم الثلاث حصتها، على عكس السابق، إذ كانت أربيل تتسلمها، وهي من تقوم بإدارتها داخل الإقليم بين المحافظات وفقاً لرؤيتها الخاصة. وهذا الأمر محاولة أيضاً لتعزيز استقلالية السليمانية عن أربيل، بعدما اتخذت القيادة السياسية للسليمانية (الاتحاد الوطني الكردستاني) موقفاً رافضاً ضمنياً لقرارات الحزب المسيطر في أربيل (الاتحاد الديمقراطي الكردستاني) حيال استفتاء الانفصال.
وفي السياق، قال مسؤول قريب من التحالف الوطني الحاكم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأزمة بين بغداد وأربيل قريبة من الحل، لكنّ بغداد تعرقلها"، موضحاً أنّ "حكومة كردستان حتى اليوم راضية بإلغاء نتائج الاستفتاء، وإن لم تعلن ذلك رسمياً، لكنّها تسعى للحصول على ضمانات من قبل بغداد، التي تسعى بدورها لاستغلال الأزمة وتحقيق أهداف ومكتسبات سياسية منها". وأوضح أنّ "الحكومة المركزية اليوم قلّصت موازنة إقليم كردستان بشكل كبير، وهي تعمل على إقرارها رسمياً، الأمر الذي يهدد اقتصاد كردستان بانهيار كبير وخطير، ما قد يخلق أزمات سياسية خطيرة بسبب الأزمة الاقتصادية، ما يعني أنّ كردستان سيبقى عاجزاً أمام تسديد نسب كبيرة من رواتب موظفيه".
وأشار إلى أنّ "التوجه لدى حكومة بغداد هو استغلال للأزمة لفرض شروط وإملاءات على كردستان، مقابل القبول بتفكيك الأزمة معه واللجوء إلى الحوار، خصوصاً أنّ موقف حكومة كردستان ضعيف جداً بسبب اختلاف الأحزاب الكردية معها بشأن الأزمة، وتحميل حزب مسعود البارزاني، الذي يترأس الحكومة، مسؤولية كل النتائج التي ترتبت على الاستفتاء". واعتبر أنّ "الوقت لصالح بغداد أيضاً، ولا يهمها تأخر حل الأزمة، لكن التأخير قد يجر كردستان إلى مخاطر جمة، وقد يتسبب بمشاكل داخلية خطيرة، ما يستدعي حلولاً سريعة، عبر القبول بشروط بغداد لتلافي كل ذلك". ولفت إلى أنّ "رئيس حكومة كردستان، نيجيرفان البارزاني، يسعى اليوم لدخول وسطاء للضغط على بغداد، للخروج بأقل الخسائر من الأزمة، وذلك من خلال سفره إلى تركيا ومن ثم إلى فرنسا"، مؤكداً أنّه "يسعى في باريس حالياً للحصول على التعاطف الدولي للضغط على بغداد بشأن القبول بالحوار وزيادة نسبة الموازنة".
وترفض الأحزاب الكردية التصويت على نسبة الموازنة التي حددتها بغداد لها، إذ تعلم يقيناً أنّ هذه النسبة لا تكفي لتسيير الحياة في كردستان. وأعلن النائب عن الجماعة الإسلامية الكردستانية، زانا سعيد، "رفض الكتل الكردستانية التصويت على مسودة قانون موازنة العام المقبل، بسبب تقليص حصة إقليم كردستان". وقال سعيد، في تصريح صحافي، إنّ "الأحزاب الكردية ستقاطع أي جلسة لإقرار الموازنة، في حال تمرير المسودة المقترحة من قبل الحكومة بسبب تقليص نسبة الإقليم إلى 12.67 من أصل 17 في المائة، فضلاً عن عدم وجود أي تخصيصات لقوات البشمركة أو القوات الأمنية في الإقليم". وأشار إلى أنّ "المصطلحات التي أطلقتها الحكومة الاتحادية ضمن الموازنة، تعد إهانة للأكراد، مثل محافظات الشمال، وتخصيص النسب إلى أربيل والسليمانية ودهوك، من دون ذكر محافظة حلبجة أو التعامل مع كردستان على اعتبار أنه إقليم دستوري". وأكد أنّ "الحكومة الاتحادية رفعت نسب النفقات السيادية في موازنة العام المقبل، من 65 في المائة إلى 95 في المائة، ما يعني تقليص حجم الأموال المخصصة لمحافظات الشمال أيضاً بنسب عالية جداً، الأمر الذي يحتم على الكتل الكردية مقاطعة الجلسات".
وفي خضم هذا الصراع السياسي بين بغداد وأربيل، وتمكن بغداد من إحكام اللعبة السياسية، يرجّح مراقبون قبول الأكراد بشروط بغداد، مقابل الحصول على حصة الموازنة، درءًا للمشاكل. وقال الخبير السياسي، نزار الزيادي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "بغداد أمسكت بخيوط اللعبة مع كردستان بكل أطرافها، واستغلتها بشكل كامل، وسترغم الإقليم على القبول بشروطها"، موضحاً أنّ "كردستان اليوم يواجه الانهيار الاقتصادي، والانهيار الاقتصادي يعني بشكل غير مباشر انهياراً سياسياً وأزمات خطيرة في الإقليم". وأشار إلى أنّ "كردستان اليوم معزول عن العالم، ولا موارد له بسبب الاستفتاء، والموازنة التي تحاول بغداد فرضها عليه لا تكفيه، وتجعله ضعيفاً جداً، وفاقداً لمقومات إدارة نفسه". ورجح أنّ "يجبر الإقليم على القبول بشروط بغداد أياً كانت، حرصاً منه على تلافي ما هو أخطر من ذلك". يشار إلى أنّ البرلمان العراقي بدأ عطلته التشريعية، في وقت لم يقر فيه الموازنة حتى الآن، بينما تستمر الاجتماعات والمناقشات بشأنها.