واجهت الصادرات المصرية، التي تعد واحدة من أهم مصادر النقد الأجنبي للاقتصاد المصري، تحديات كثيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، أبرزها شح الدولار، وتفاقم أزمة نقص الطاقة، التي منعت المصانع من تحقيق مستهدفاتها الإنتاجية والتصديرية، فضلا عن تردي الأوضاع السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد، والسياسات الخاطئة للحكومات، خاصة بعد انقلاب 3 يوليو 2013.
وتعاني مصر حاليا من أزمة في تدبير العملة الصعبة، بعد تراجع احتياطيها من النقد الأجنبي من 36 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير 2011، إلى 17.521 مليار دولار بنهاية مايو الماضي، وذلك قبل أن تسدد مصر بداية الشهر الجاري وديعة لدولة قطر، والبالغ قيمتها مليار دولار، وقسطا لنادي باريس قيمته 700 مليون دولار، ما يعني خروج 1.7 مليار دولار من حصيلة الاحتياطي من النقد الأجنبي".
وكشفت هيئة الرقابة على الصادرات والواردات المصرية التابعة لوزارة الصناعة المصرية، عن تراجع كبير في حركة الصادرات إلى الخارج. وحسب أرقام حديثة صادرة عن الهيئة، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، فقد تراجعت صادرات مصر غير البترولية خلال عام 2015 لتبلغ 18.592 مليار دولار، مقابل 22.262 مليار دولار في عام 2014، و21.42 مليار دولار في عام 2013، و21.83 مليار دولار في 2012، و22.3 مليار دولار في عام 2011 (عام الثورة).
كما انخفضت قيمة الصادرات المصرية البترولية من 9.237 مليارات دولار عام 2011 إلي 7.548 مليارات دولار عام 2013، ثم إلى 6.261 مليارات دولار فقط عام 2014. وحسب تصريحات صحافية لمصدر مسؤول في وزارة البترول، فقد تراجعت صادرات مصر البترولية بنحو 41% خلال الفترة من يوليو إلى فبراير من العام المالي السابق 2015- 2016، متأثرة بالانخفاض الحاد في أسعار النفط العالمية.
وهبطت أسعار النفط بنحو 77% من أعلى مستوى لها عند 115 دولارا للبرميل في يونيو 2014، لتصل إلى مستوى 27 دولارا للبرميل في يناير الماضي، قبل أن ترتد مرة أخرى مقتربة من مستوى 50 دولارا للبرميل خلال الفترة الأخيرة.
وخلصت هيئة الرقابة على الصادرات والواردات المصرية، إلى أن تراجع سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الرئيسية، خاصة اليورو والدولار، من أهم أسباب تراجع صادرات البلاد، إضافة إلى توقف عدد كبير من المصانع بسبب نقص الغاز والاضطرابات الأمنية، ما أدى إلى تراجع الإنتاج، وبالتالي الصادرات.
وأحصى تقرير للهيئة الحكومية أيضا، أسبابا أخرى، من بينها ضعف تنافسية المنتجات المصرية، وتعثر الخطط الترويجية لها في الخارج، وعدم توفير الطاقة اللازمة للقطاعات كثيفة استهلاك الطاقة، التي تساهم بشكل كبير في الصادرات، فضلا عن زيادة تكلفة المياه والكهرباء.
ونبهت إلى أن تراجع صادرات المنتجات الزراعية، مثل البطاطس والبصل والطماطم والفاصوليا والبرتقال والمانجو، يعود إلى رفض الصادرات المصرية من هذه المواد من قبل الدول الأوروبية، بسبب عدم وجود مشاريع محلية لمكافحة الآفات والحشرات.
ولفتت الهيئة إلى الآثار السلبية لسيطرة الدولة لمدة طويلة على قطاع التصدير، منوهة في الوقت نفسه إلى غياب الاهتمام بالبنية التحتية للتصدير، خاصة على مستوى التخزين والتبريد والنقل، إلى جانب عدم وجود كوادر بشرية مؤهلة للنهوض بصادرات البلاد.
وحمّل التقرير الحكومة المصرية مسؤولية تراجع الصادرات غير البترولية، بشكل حاد، خصوصا قطاعات الصناعات الهندسية والكيماوية والملابس الجاهزة والجلود والصناعات الغذائية.
وتوقع مستثمرون مصريون، استمرار خسائر الصادرات المصرية، خلال الفترة المقبلة، بسبب استمرار أزمة نقص الدولار، وما ترتب عليها من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، وعجز الشركات والمصانع عن استيراد احتياجاتها من المواد الخام، خاصة الصناعات التي تعتمد في إنتاجها اعتمادا كليا على المواد الخام المستوردة من الخارج، إضافة إلى مشاكل أخرى، منها نقص الطاقة.
وقال رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية، عمرو أبوفريخة، في تصريحات صحافية، إن المنتجين في مصر يعانون من عدم توفر الدولار لشراء الخامات ومستلزمات الإنتاج، كما أن التسهيلات التي كانوا يحصلون عليها من الموردين في الخارج لم تعد متاحة حاليا، حيث إن أغلبهم يطلب الدفع مقدما لضمان حقه.
وأشار إلى أن المصدّرين لم يستفيدوا من انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، لأن "تراجعه أدى إلى زيادة تكلفة استيراد الخامات والمكونات".
وبسبب الأزمات التي تعاني منها الصادرات المصرية، انتقد اتحاد الغرف التجارية المصرية التي تضم في عضويتها أكثر من 3 ملايين تاجر، عدم وجود رؤية أو استراتيجية واضحة المعالم لدى الحكومة للنهوض بالصادرات.
وقال الاتحاد، في بيان له، في يناير الماضي، إن الصادرات مازالت مستمرة في الانهيار، وإن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة المصرية، أثبتت فشلها في مختلف دول العالم، وتؤثر بالسلب على جذب الاستثمارات، وتدفع العديد من الدول إلى المعاملة بالمثل، ما يؤثر سلبا على الصادرات المصرية.
ومن ناحيته، تقدم اتحاد الصناعات المصرية بمذكرة إلى رئيس مجلس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل، مطالبا بتخفيض سعر الغاز لجميع الصناعات المصرية من مبلغ 7 دولارات حاليا إلى 4.5 دولارات، للمساهمة في إنعاش القطاع الصناعي المصري، ولا سيما في ظل انخفاض أسعار البترول عالميا.
وقال رئيس اتحاد الصناعات المصرية، محمد زكي السويدي، في بيان صحافي "إن مثل هذه الخطوة من شأنها تخفيض تكلفة الإنتاج، مما يساهم في زيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية عالميا ومحليا، خاصة أن المنتجات العالمية قد استفادت كثيرا من انخفاض أسعار البترول على مدار الأعوام الأخيرة، واستطاعت فتح أسواق جديدة بعدما تمكنت من خفض تكاليفها في الإنتاج".
وأضاف السويدي، أن تخفيض سعر الغاز لكافة الصناعات وانتعاش القطاع الصناعي سيقود إلى ارتفاع الصادرات وزيادة حصيلة العملات الحرة، وتخفيف الطلب عليها محليا، فيتم توفيرها لاستيراد المواد الأساسية، كما ستساهم هذه الانتعاشة في زيادة الدخل القومي عن طريق ارتفاع العائدات من ضريبة المبيعات والضريبة العامة على مدخلات الصناعة وغيرها من الرسوم.