وشهدت محافظة صلاح الدين عام 2015، معارك عنيفة بين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ومقاتلي "الحشد الشعبي" والجيش العراقي بدعم من التحالف الدولي، انتهت بخسارة التنظيم مساحات واسعة من المحافظة، أبرزها؛ تكريت، وبيجي، والصينية بينما لا يزال يحافظ على مدن أخرى غرب وشمال تكريت. وعلى الرغم من استعادة السيطرة على عدد من مدن المحافظة ذات التركيبة السنية، لم يُسمح لأحد من سكانها البالغ عددهم نحو مليون و750 ألف نسمة، بالعودة إلى مناطقهم. ويمثّل الساتر الترابي الذي اقتربت المليشيات من إنجازه حول مدينة يثرب 80 كيلومتراً جنوب تكريت. أخطر محاولات العزل التي تشهدها المحافظة بسبب فصلها عن محافظة صلاح الدين وربطها مع ديالى المجاورة من خلال مدينة الخالص المجاورة.
في هذا السياق، يقول عضو مجلس عشائر صلاح الدين، الشيخ محمد عواد الجواري لـ"العربي الجديد"، إن "خطوة المليشيات الجديدة تتم بالتزامن مع إنشاء سور بغداد وحفر خنادق في الأنبار ومثلها في ديالى وإقليم كردستان. وجميعها تتم على أسس طائفية ضيقة وخطيرة تهدد وحدة العراق". ويضيف الجواري، أن "الساتر الترابي الذي بدأت المليشيات به من خلال عشرات الجرافات التي استقدمتها يبلغ معدل ارتفاعه مترَين وعرضه ثلاثة أمتار ويحيط ببلدات مثل الدجيل، ويثرب، والضلوعية، وسامراء، والدور، والبو عجيل، والصينية، والمجمع. كما أنّ هناك منازل مواطنين جُرفت لبناء هذا الساتر الذي يتحول في بعض المناطق إلى خندق عميق".
ويوضح الجواري، أنّه "على الرغم من أن يثرب تابعة لصلاح الدين فقد أصبح على من يريد دخولها التوجه إلى ديالى أولاً، بسبب فصلها عن جسم المحافظة الأم "، مشيراً إلى وجود أهداف عدة وراء عزل يثرب وربطها بمحافظة ديالى". ويعدد العشائري بعض هذه الأهداف، قائلاً: أوّلها، وقوع يثرب بين بلدتَي بلد في محافظة صلاح الدين والخالص في محافظة ديالى اللتَين تعتبران من أهم معاقل المليشيات في العراق، فضلاً عن تأمين وصول الزائرين العراقيين والإيرانيين إلى المراقد الدينية في سامراء وبلد. ويحذر الزعيم القبلي من وجود محاولة للتغيير الديمغرافي في مناطق جنوب صلاح الدين، من خلال إلحاق بلدة يثرب ذات الغالبية السنية بمحافظة ديالى، مؤكداً أن "هذا الأمر سيغير من التركيبة السكانية للمنطقة بسبب وجود أغلبية شيعية في منطقتي بلد والدجيل المحاذيتين ليثرب".
وسيطر "داعش" على مدن محافظة صلاح الدين بعد يومين فقط من احتلاله الموصل وانسحاب قوات الجيش وحكومتها المحلية منها في العاشر من حزيران /يونيو 2014. واستمرت سيطرته نحو عام قبل بدء حملة التحالف الدولي لدعم القوات العراقية في استعادة هذه المدن.
اقرأ أيضاً: سور بغداد... جدار فصل بين العراقيين برعاية إيرانية
من جهته، يقول العضو السابق في المجلس المحلي في يثرب سلمان الجبوري لـ"العربي الجديد"، إن المليشيات التي اغتالت واعتقلت مئات المدنيين من سكان يثرب، فجّرت آلاف المنازل في المنطقة وساوتها بالأرض. كما منعت أصحابها من العودة إليها قبل دفع مبالغ مالية كبيرة وصلت إلى ملايين الدنانير"، مستغرباً صمت الحكومتَين المحلية والاتحادية وممثلي صلاح الدين في البرلمان عن الجرائم التي ترتكب في مناطق جنوب صلاح الدين.
ويكشف الجبوري عن وجود محاولات لإعادة رسم حدود محافظة صلاح الدين، من خلال اقتطاع بعض المناطق وضمها إلى محافظتَي بغداد وديالى، مطالباً برفع الأصوات لتدويل قضية هذه المناطق على غرار ما حدث بعد أحداث المقدادية في محافظة ديالى. ويضيف أنّ "منع المليشيات من دخول المنظمات الإنسانية إلى محافظة صلاح الدين يشير بوضوح إلى مدى فداحة الجرائم التي ارتكبت في المحافظة"، مؤكداً أن الجماعات المسلحة تخشى من اكتشاف حجم الخراب الذي خلّفته في عدد من المدن والقرى.
بدوره، يقول عضو مجلس مدينة تكريت، حميد حسين التكريتي لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس الحكومة حيدر العبادي على علم بما يحصل، مؤكداً أنه أرسل، قبل أيام عدة، لجنة إلى المحافظة ضمّت ضباطاً كباراً لتقصي الوضع والاطلاع على حقيقة ما تقوم به المليشيات. ويبيّن التكريتي أنّ "اللجنة المرسلة أوصت باستمرار إقامة السواتر من قبل المليشيات، معتبرة أنّها خطوة جيدة للحفاظ على أمن المناطق داخلياً وعدم فسح المجال لتسلّل الإرهابيين إليها، وهو ما دعا العبادي إلى التزام الصمت"، على حدّ تعبيره. ويوضح أنّ "المخططات التي تم وضعها لم يتم إطلاع حكومة صلاح الدين المحليّة عليها، بحجة أنّ المهمة لها خصوصيتها".
اقرأ أيضاً: اختفاء نحو 1000 عراقي من المناطق المحررة بصلاح الدين