مع بدء القوات العراقية اقتحام آخر ثلاثة كيلومترات من مدينة الموصل، يسيطر عليها عناصر تنظيم "داعش"، والتي تمثل واحدا في المائة فقط من مجموع مساحة المدينة، التي تطلّب تحريرها نحو تسعة أشهر وبخسائر بشرية ومادية هائلة، تتجه اليوم الأنظار نحو تلعفر، آخر معاقل "داعش" في نينوى شمال العراق، والتي تحاصرها جنوباً قوات عراقية، وكردية غرباً، والمليشيات المسلحة الموالية لإيران من الشرق والشمال.
وباشرت القوات العراقية، ممثلة بجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية ووحدات خاصة من الجيش العراقي، أمس الأحد، عملية اقتحام المربع القديم للموصل، أو ما يعرف بـ"الموصل العتيقة"، التي تبلغ مساحتها نحو ثلاثة كيلومترات فقط، وتقع فيها المنارة الحدباء وجامع النوري، الذي ألقى زعيم تنظيم "داعش"، أبو بكر البغدادي، خطبة خلافته الأولى منه، منتصف العام 2014. وقال مسؤولون عسكريون في الجيش العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن أسبوعاً واحداً على نهاية المعركة سيكون مناسباً، إذا استمرت الأجواء ملائمة للهجوم من دون عواصف ترابية، كما حصل الأسبوع الماضي. وتدور اشتباكات بين 200 إلى 300 مسلح من تنظيم "داعش" مع القوات العراقية المشتركة التي تندفع بقوة قوامها نحو 20 ألف مقاتل من جميع الاتجاهات، وسط قلق بالغ على مصير نحو 100 ألف مدني حشرهم "داعش" في تلك المنطقة. وقال قائد الشرطة الاتحادية العراقية، الفريق رائد شاكر جودت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "قواتنا تتجه لإعلان تحرير كامل مدينة الموصل خلال أيام قليلة" وفقا لقوله.
وأصدر رئيس الوزراء، حيدر العبادي، أخيراً، توجيهات للقيادات العسكرية بضرورة عدم وضع أي سقف زمني لإكمال تحرير الموصل، بعد ستة وعود أطلقها قادة عسكريون حول انتهاء العمليات العسكرية وإعلان الموصل محررة. إلا أن التنافس بين تشكيلات القوات العراقية المشاركة في الهجوم، فضلاً عن مليشيات "الحشد الشعبي"، تدفع إلى التسابق على إعلان الإنجازات التي تتم على محاور القتال اليومية، إذ يصدف أن يتبنى الجيش تحرير منطقة أو حي سكني، ثم يصدر بيان مماثل من المليشيات أو الشرطة الاتحادية تتبنى فيه العملية ذاتها، بتفاصيل تختلف عن تلك التي أوردها الشريك المنافس في القتال. ويضيف جودت أن "السيطرة على جامع النوري ستكون بمثابة تدمير مشروع خلافة البغدادي، وضربة رمزية كبيرة للتنظيم وأنصاره"، لافتاً إلى أن "المناطق الأثرية هي المشكلة الثانية بعد المدنيين المكدسين في تلك المنطقة، إذ سيكون استخدام السلاح الثقيل خطأ كبيراً، رغم قدرته على حسم المعركة مع الإرهابيين". وكشفت الأمم المتحدة أن نحو 100 ألف مدني يحتجزهم "داعش" كدروع بشرية وسط المدينة القديمة في الموصل. وقال ممثل مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في العراق، برونو جدو، في مؤتمر صحافي في جنيف، إن "داعش" يحتجز المدنيين خلال معارك خارج الموصل، ويرغمهم على التوجه إلى المدينة القديمة، أحد الأحياء الأخيرة التي لا تزال تحت سيطرته.
جولة جديدة مع "داعش" في تلعفر
ويكشف نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع العراقية، النائب نايف الشمري، لـ"العربي الجديد"، عن أن "تلعفر هي وجهة القوات المشتركة المقبلة بعد الموصل"، موضحاً أنه "بعد اكتمال عملية الموصل خلال أيام، سيتم التوجه إلى تلعفر، وستتولى القوات العراقية عملية اقتحام المدينة". وأضاف أن "الجدول الزمني يشير إلى إمكانية تحرير تلعفر والحويجة والقائم، آخر وأهم ثلاثة معاقل للتنظيم في العراق قبل نهاية العام الحالي". وأوضح أنه "تم إعداد خطة كاملة من قبل قيادة العمليات المشتركة لتحرير قضاء تلعفر، ومن دونه لن يكون بمقدورنا الإعلان عن تحرير نينوى بالكامل" وفقاً لقوله. ورجح ضابط رفيع المستوى في وزارة الدفاع العراقية عدم مشاركة مليشيات "الحشد الشعبي" في اقتحام مدينة تلعفر، بسبب خصوصية المدينة، الطائفية والقومية، إذ يقطنها عراقيون تركمان وعرب من طوائف دينية مختلفة، وسبق أن رفض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اقتحام مليشيات "الحشد" للمدينة، وتوعد بخطوات مقابلة في حال تم ذلك. إلا أن الصورة الحالية تشي بغير ذلك، إذ يلف المدينة نحو 15 ألف عنصر من المليشيات، برفقة وحدات من "الحرس الثوري" الإيراني.
وأوضح المحلل العسكري، هشام الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، أنه، وبحسب التحركات التي بدأت منذ أيام، فقد اتجهت قوات من الجيش العراقي و"فرقة العباس" القتالية، وهي فصيل تابع إلى مليشيات "الحشد الشعبي"، نحو تلعفر، موضحاً أنه تم، خلال ثلاثة أيام، السيطرة على 12 قرية ومزرعة وبعض مفارق الطرق الهامة، وبالتالي الوجهة واضحة، وهي تلعفر. وقال "بعد تلعفر ستكون الحويجة، لأن لها أهمية استراتيجية وإنسانية، ومن ثم القائم غرب الأنبار، على اعتبار أن هذه المنطقة متداخلة مع سورية، وأي نصر لا يعتبر نصراً ما لم يتم إنهاء عمق داعش داخل الأراضي السورية المحاذية للعراق". وتتربع مدينة تلعفر على رأس المثلث العربي التركي، حيث العراق وسورية مع تركيا، ويبلغ تعداد سكانها نحو 300 ألف، وهم من القوميتين العربية والتركمانية مع أقلية كردية. وتبلغ مساحتها 4453 كيلومتراً مربعاً، ويتحدث غالبية أهل المدينة اللغة التركمانية، بلهجة خاصة، إلى جانب العربية، اللغة الرسمية في المدينة، التي تقع على بعد 38 كيلومتراً من الحدود التركية، و60 كيلومتراً من الحدود السورية، إلى الغرب من مدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى شمال العراق. وتشتهر تلعفر بقلعتها الأثرية، التي بنيت في العهد الآشوري. وبحسب مراقبين، فإن أبرز الخلافات تكمن في المناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد من جهة وبين الشيعة والسنة من جهة أخرى، خصوصاً إن حاول "الحشد الشعبي" دخول مدينة تلعفر، ذات الأغلبية التركمانية "السنية".