في نهاية الحلقة الثانية من مسلسل "الجماعة 2" الذي كتبه المؤلِّف وحيد حامد، وأخرجه شريف البنداري، ويتناول تاريخ مصر بالتقاطع مع مسار جماعة الإخوان المسلمين، ورموزها التاريخيين، ظهر الممثل الأردني، ياسر المصري الذي يُجسِّد ضمن أحداث المسلسل شخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وبالطبع، لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يظهر فيها ناصر تلفزيونياً أو سينمائياً، فهو ركن دائم في أغلب المسلسلات التاريخية التي تتناول فنانين أو سياسيين من تلك الفترة، عوضاً عن الأعمال التي تناولت سيرته بشكل مباشر. وفي هذا الموضوع، وبعد ظهوره في "الجماعة 2"، نتناول الصورة التي صدَّرتها الأفلام والمسلسلات عن الرئيس جمال عبد الناصر.
أحمد زكي أشهر المجسدين
في منتصف التسعينيات، قام التلفزيون المصري بإنتاج فيلم "ناصر 56"، من تأليف محفوظ عبد الرحمن، وإخراج محمد فاضل. لم تكن أفلام السير الذاتية نوعاً معتاداً في مصر، سواء في السينما أو التلفزيون، ولكن النجاح التاريخي الذي لاقاه الفيلم عند عرضه، جعل الأمر رائجاً أكثر بكثير بعد ذلك. والفضل الأول لذلك، يرجع لأداء أحمد زكي. الفيلم يتناول لحظة محددة، وهي تأميم شركة قناة السويس عام 1956، وفترة التخطيط والتنفيذ بقيادة ناصر شخصياً. وعكس الفيلم تلك الصورة التي ستظل مقترنة بناصر دائماً في الأعمال الفنية: القائد الحكيم ذا الشخصية القوية، المسيطر على كل شيء من حوله. كان من المفيد تصوير الفيلم بالأبيض والأسود لإعطائه الطابع التوثيقي اللازم، وكان أداء زكي أيقونياً للدرجة التي جعلت بعض الممثلين بعد ذلك يعودون إليه كمرجع للشخصية.
فيلم مجهول عن ناصر وآخر ظهور سينمائي
نجاح "ناصر 56" فتح الباب للسير والشخصيات التاريخية، وكان أوَّل ما حدث هو تقديم فيلم آخر عنه مرة أخرى، ذلك الذي يحمل اسم "جمال عبد الناصر"، وقام ببطولته خالد الصاوي عام 1999. لا يقتطع الفيلم فترة محددة مثلما فعل فيلم زكي. ولكن، هنا، يُجسِّد الصاوي الشخصية منذ مرحلة الشباب وحتى وفاته عام 1970، مروراً على كل المراحل التاريخيّة المهمة مثل ثورة يوليو والتأميم وهزيمة 67، وغيرها. هذا الازدحام جعل الفيلم مرتبكاً وغير متماسك، بالإضافة إلى أن الفقر الإنتاجي في الكثير من تفاصيله أثر كثيراً على صورته النهائية، ليخرج في النهاية فيلماً مجهولاً، نادراً ما يذكره أحد.
بعد ذلك، لم يظهر عبد الناصر سينمائياً إلا فيلم واحد، وهو "أيام السادات" عام 2001، من إخراج محمد خان. وجسد فيه أحمد زكي الرئيس السادات. ولعل الطريقة التي ظهر فيها جمال عبد الناصر في هذا الفيلم تختصر بشكل واضح التعامل معه بعد ذلك، فهو لم يظهر بوجهه، وتم تصويره دائماً من ظهره (كما يحدث أحياناً مع الشخصيات المقدسة)، ليصبح ذلك ترسيخاً غير متعمد لقدسية ناصر في الأعمال الفنية بعد ذلك في التلفزيون.
ناصر ملهم دائماً
تلفزيونيّاً، جاءَت أغلب ظهورات ناصر في أعمالٍ تناولت شخصيَّات من تلك الفترة. على رأس تلك المسلسلات، كان "أم كلثوم"، إنتاج 2003، وجسَّد الشخصيَّة الممثّل رياض الخولي. وكانت أغلب لحظات ظهوره، يقوم فيها بأخذ قرارات أو الدفع نحو تفاصيل مُلهِمة لكوكب الشرق. وأشهر لحظاته في المسلسل هي، حينما يأمر بإعادة إذاعة أغانيها بعد الثورة، وحين يجمعها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، ويأمرهما بضرورة العمل سوياً، ليكون نتاج ذلك، هو الأغنية الشهيرة "أنت عمري"، وهكذا في كل التفاصيل الأخرى، كان يظهر ناصر بصورة أبوية، حتى مع شخصية مُتحكِّمَة وقوية جداً مثل أم كلثوم. نفس الأمر تكرر عام 2006، مع مسلسل "العندليب" الذي تناول حياة عبد الحليم حافظ، وجسد شخصيّة عبد الناصر فيه الممثل مجدي كامل. ورغم ضعف المسلسل وفشله جماهيرياً، إلا أن كامل قدم أداءاً مقبولاً، مما دفعه بعد ذلك لأن يقرر تقديم الشخصية مرة أخرى في مسلسل عن حياته، صدر عام 2008 تحت اسم "ناصر"، وتناول حياة الشخصية كاملة، وبالطبع احتفظ بنفس حالة القدسية المرتبطة به. ولم يحقق أي نجاح يذكر. أمَّا المسلسل الأخير الذي تناول شخصية جمال عبد الناصر فكان "صديق العمر"، والذي عرض عام 2014، ويبدو للوهلة الأولى أنّه يحمل منظوراً مختلفاً لدراما وتاريخ تلك الفترة، من خلال التركيز على علاقة الصداقة التي جمعت بين الرئيس وبين المشير عبد الحكيم عامر، وأثرها على الوضع السياسي والحربي خلال فترة حكمه. إلا أن العمل الذي كتبه محمد ناير وممدوح الليثي، وأخرجه عثمان أبو لبن، لم يبتعد عن الصورة المتكررة لعبد الناصر كزعيم لا يخطئ، في مقابل الاعتماد على حكايات نميمة في الجانب الذي يخص عامر. بينما كان أبرز ما يخص المسلسل هو حالة السخرية الضخمة التي تعرض لها الممثل جمال سليمان، والذي جسد شخصية عبد الناصر، بسبب لهجته السورية الواضحة التي تجعل نطقه للكلمات ثقيلاً جداً، مما حول بعض اللحظات والمشاهد المهمة إلى شيء هزلي وغريب، ليكون "سليمان" بلا منازع هو أسوأ من جسد الشخصية في التلفزيون أو السينما. وهذا العام، ينضم ياسر المصري إلى القائمة الطويلة من الممثلين الذين قاموا بهذا الدور، وسيكون من الملفت انتظار كيفية تناول المسلسل نفسه لتلك المرحلة ولشخصية عبد الناصر، إلى جانب أداء الممثل الأردني لها.
اقــرأ أيضاً
أحمد زكي أشهر المجسدين
في منتصف التسعينيات، قام التلفزيون المصري بإنتاج فيلم "ناصر 56"، من تأليف محفوظ عبد الرحمن، وإخراج محمد فاضل. لم تكن أفلام السير الذاتية نوعاً معتاداً في مصر، سواء في السينما أو التلفزيون، ولكن النجاح التاريخي الذي لاقاه الفيلم عند عرضه، جعل الأمر رائجاً أكثر بكثير بعد ذلك. والفضل الأول لذلك، يرجع لأداء أحمد زكي. الفيلم يتناول لحظة محددة، وهي تأميم شركة قناة السويس عام 1956، وفترة التخطيط والتنفيذ بقيادة ناصر شخصياً. وعكس الفيلم تلك الصورة التي ستظل مقترنة بناصر دائماً في الأعمال الفنية: القائد الحكيم ذا الشخصية القوية، المسيطر على كل شيء من حوله. كان من المفيد تصوير الفيلم بالأبيض والأسود لإعطائه الطابع التوثيقي اللازم، وكان أداء زكي أيقونياً للدرجة التي جعلت بعض الممثلين بعد ذلك يعودون إليه كمرجع للشخصية.
فيلم مجهول عن ناصر وآخر ظهور سينمائي
نجاح "ناصر 56" فتح الباب للسير والشخصيات التاريخية، وكان أوَّل ما حدث هو تقديم فيلم آخر عنه مرة أخرى، ذلك الذي يحمل اسم "جمال عبد الناصر"، وقام ببطولته خالد الصاوي عام 1999. لا يقتطع الفيلم فترة محددة مثلما فعل فيلم زكي. ولكن، هنا، يُجسِّد الصاوي الشخصية منذ مرحلة الشباب وحتى وفاته عام 1970، مروراً على كل المراحل التاريخيّة المهمة مثل ثورة يوليو والتأميم وهزيمة 67، وغيرها. هذا الازدحام جعل الفيلم مرتبكاً وغير متماسك، بالإضافة إلى أن الفقر الإنتاجي في الكثير من تفاصيله أثر كثيراً على صورته النهائية، ليخرج في النهاية فيلماً مجهولاً، نادراً ما يذكره أحد.
بعد ذلك، لم يظهر عبد الناصر سينمائياً إلا فيلم واحد، وهو "أيام السادات" عام 2001، من إخراج محمد خان. وجسد فيه أحمد زكي الرئيس السادات. ولعل الطريقة التي ظهر فيها جمال عبد الناصر في هذا الفيلم تختصر بشكل واضح التعامل معه بعد ذلك، فهو لم يظهر بوجهه، وتم تصويره دائماً من ظهره (كما يحدث أحياناً مع الشخصيات المقدسة)، ليصبح ذلك ترسيخاً غير متعمد لقدسية ناصر في الأعمال الفنية بعد ذلك في التلفزيون.
ناصر ملهم دائماً
تلفزيونيّاً، جاءَت أغلب ظهورات ناصر في أعمالٍ تناولت شخصيَّات من تلك الفترة. على رأس تلك المسلسلات، كان "أم كلثوم"، إنتاج 2003، وجسَّد الشخصيَّة الممثّل رياض الخولي. وكانت أغلب لحظات ظهوره، يقوم فيها بأخذ قرارات أو الدفع نحو تفاصيل مُلهِمة لكوكب الشرق. وأشهر لحظاته في المسلسل هي، حينما يأمر بإعادة إذاعة أغانيها بعد الثورة، وحين يجمعها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، ويأمرهما بضرورة العمل سوياً، ليكون نتاج ذلك، هو الأغنية الشهيرة "أنت عمري"، وهكذا في كل التفاصيل الأخرى، كان يظهر ناصر بصورة أبوية، حتى مع شخصية مُتحكِّمَة وقوية جداً مثل أم كلثوم. نفس الأمر تكرر عام 2006، مع مسلسل "العندليب" الذي تناول حياة عبد الحليم حافظ، وجسد شخصيّة عبد الناصر فيه الممثل مجدي كامل. ورغم ضعف المسلسل وفشله جماهيرياً، إلا أن كامل قدم أداءاً مقبولاً، مما دفعه بعد ذلك لأن يقرر تقديم الشخصية مرة أخرى في مسلسل عن حياته، صدر عام 2008 تحت اسم "ناصر"، وتناول حياة الشخصية كاملة، وبالطبع احتفظ بنفس حالة القدسية المرتبطة به. ولم يحقق أي نجاح يذكر. أمَّا المسلسل الأخير الذي تناول شخصية جمال عبد الناصر فكان "صديق العمر"، والذي عرض عام 2014، ويبدو للوهلة الأولى أنّه يحمل منظوراً مختلفاً لدراما وتاريخ تلك الفترة، من خلال التركيز على علاقة الصداقة التي جمعت بين الرئيس وبين المشير عبد الحكيم عامر، وأثرها على الوضع السياسي والحربي خلال فترة حكمه. إلا أن العمل الذي كتبه محمد ناير وممدوح الليثي، وأخرجه عثمان أبو لبن، لم يبتعد عن الصورة المتكررة لعبد الناصر كزعيم لا يخطئ، في مقابل الاعتماد على حكايات نميمة في الجانب الذي يخص عامر. بينما كان أبرز ما يخص المسلسل هو حالة السخرية الضخمة التي تعرض لها الممثل جمال سليمان، والذي جسد شخصية عبد الناصر، بسبب لهجته السورية الواضحة التي تجعل نطقه للكلمات ثقيلاً جداً، مما حول بعض اللحظات والمشاهد المهمة إلى شيء هزلي وغريب، ليكون "سليمان" بلا منازع هو أسوأ من جسد الشخصية في التلفزيون أو السينما. وهذا العام، ينضم ياسر المصري إلى القائمة الطويلة من الممثلين الذين قاموا بهذا الدور، وسيكون من الملفت انتظار كيفية تناول المسلسل نفسه لتلك المرحلة ولشخصية عبد الناصر، إلى جانب أداء الممثل الأردني لها.