لم تكن أول 100 يوم في عهد الملك، سلمان بن عبدالعزيز، عادية، بل كانت حافلة بالكثير من التغييرات الجذرية في السياسة السعودية، فخلال هذه المدة أصدر 50 أمراً ملكياً غيّر فيها الكثير من وجه الدولة، وفتح الباب واسعاً لجيل الشباب من الأسرة المالكة وللوزراء، مغيّراً من الصورة القديمة للدولة، وخاض حرباً في اليمن ضد الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية ولوقف التمدد الإيراني، كما أعاد فتح باب التواصل مع تركيا وقطر.
أعاد الملك سلمان تشكيل ملامح الحكومة السعودية، فبعد أقل من أسبوع من تولية الحكم أصدر 34 قراراً ملكياً قضت بتشكيل مجلس الوزراء، وإلغاء المجالس العليا، وحصرها في مجلسين فقط، الأول للشؤون السياسية والأمنية، والآخر للشؤون الاقتصادية والتنموية، ودعم المرافق العامة بـ 110 مليارات ريال.
كما شملت القرارات تغييرات واسعة في أمراء المناطق. وقبل أقل من أسبوع أصدر حزمة قرارات جديدة، فعيّن الأمير، محمد بن نايف، ولياً للعهد، بدلاً من الأمير، مقرن بن عبدالعزيز، الذي طلب إعفاءه من هذا المنصب، والأمير، محمد بن سلمان، ولياً لولي العهد، وإعفاء الأمير سعود الفيصل من وزارة الخارجية بناءً على طلبه، كما عين وزراء جدداً للصحة والعمل والاقتصاد، وبعدها بيوم، أعاد تشكيل مجلس إدارة شركة "أرامكو" السعودية، وهناك تكهنات بأنه سيصدر قريباً قراراً بإلغاء وزارة البترول والثروة المعدنية، واستبدالها بوزارة للطاقة بصلاحيات أوسع تشمل الماء والكهرباء والطاقة النووية.
اقرأ أيضاً: "فورين بوليسي": قرارات الملك سلمان جاءت لصدّ التمدد الإيراني"
سلسلة القرارات الملكية وصفتها صحيفة "فايننشال تايمز" بتبني الجدارة، وقالت في افتتاحية لها:"إن هذه القرارات مهدت الطريق للقادة المحترفين من جيل الشباب لتولي المسؤولية، الأمير محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية أحد هؤلاء القادة الشباب، الذين دعموا الأمن السعودي داخلياً وتصدّى للإرهاب، ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع الشاب الذي لعب دوراً محورياً في عملية (عاصفة الحزم)".
وأضافت: "وزراء الخارجية والبترول والمالية والصحة تقودها شخصيات محترفة، تلقت تعليمها في الولايات المتحدة الأميركية"، واعتبرت الصحيفة أن أهم أولويات السعودية الجديدة هي التصدي للخطر الإيراني الذي عمق الخلاف السنّي الشيعي".
كما اتفق الإعلام الدولي والمحللون السياسيون على أن أهم قرارات الملك سلمان كانت إعلان بدء عمليات "عاصفة الحزم" بمشاركة 10 دول عربية وإسلامية، التي وقفت إلى جانب الشعب اليمني والشرعية ضدّ الانقلابيين الحوثيين. وبعد قرابة الشهر من بدء العمليات العسكرية، بدأت ملامح عودة اليمن إلى الطريق الصحيح تتضح.
ويؤكد المحلل السياسي وأستاذ علم الجريمة والمنظمات الإرهابية، يوسف الرميح، أن أهم قرارات الملك كانت البدء بعمليات "عاصفة الحزم"، كونها رسمت صورة جديدة للسعودية أمام العالم، ويقول في تصريح لـ "العربي الجديد": "عاصفة الحزم لم تفد اليمن فقط، بل أفادت السعودية لأنها عرّفت العالَم أن السعودية ليست بلداً طيبة فقط، بل بلداً قوية وحازمة أيضاً، أصبح العالم يروننا بلدا طيبة وقوية في الوقت نفسه".
وأضاف قائلا: "من القرارات المهمة، والتي رسمت عهداً جديداً للسعودية هو تثبيت نظام الحكم السعودي، وكان لوجود الأمير، محمد بن نايف، كولي للعهد، والأمير، محمد بن سلمان، كولي لولي العهد، دور مهم في نقل السلطة للجيل الثاني والثالث، وهذا يؤكد قوة الحكم السعودي وعلى أن العائلة المالكة متماسكة".
ويشدد الدكتور الرميح على أن انتقال السلطة بشكل هادئ وسلس خطوة كبيرة، ويضيف: "شاهدنا في الفترة الماضية قرارات حازمة وسريعة، مثل إقالة وزير الصحة بعد فترة وجيزة من تعيينه، مثل هذه القرارات جعلت المواطن مرفوع الرأس ويعرف أنه سيأخذ حقه من أي مسؤول مهما كان، وباتت هناك سهولة في وصول المواطن إلى أعلى هرم في السلطة"، ويعتبر المحلل السياسي أن فتح الملك سلمان حساباً رسمياً على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، جعله أقرب للمواطنين وأكثر معرفة بما يدور في الدولة.
اقرأ أيضاً: تعيينات القيادة السعودية تمهّد لحسم أزمات في المنطقة
من جانبه يؤكد رئيس مركز السياسات البترولية، راشد أبانمي، أن قرارات الملك سلمان جعلت اتخاذ القرار يتم بشكل أسرع وأكثر حيوية، ويقول لـ "العربي الجديد": "كان من أهم القرارات إلغاء المجالس العليا، لأن هذا القرار قضى على الازدواجية، فكل مجلس كان يتقاطع مع عمل وزارة ما، وكان كل طرف ينقض عمل الآخر، ولهذا كانت النتائج ضعيفة".
ويتابع بتفصيل أكبر: "الكرة باتت في ملعب الوزراء، فوجود مجالس عليا في كل القطاعات، مثل الإعلام والحج والبترول وغيرها، كان اعترافاً ضمنيّاً بتكدس الأعمال والبيروقراطية، التي أنهكت الوزارات، والتي تحولت إلى عائق، وأيضا اعترافاً ضمنيّاً بفشل الوزارات، وهو أمر لن يقبله مسؤول وإداري محنك، مثل الملك سلمان، الذي يملك خبرة أكثر من خمسين عاماً في إمارة الرياض، ولهذا ألغى كل هذه الازدواجية في الأسبوع الأول من توليه الحكم".
ويضيف: "المجلسان الجديدان انقسما لأمني، سواء كان داخليّاً أو خارجيّاً من جهة، وتنموي اقتصادي من جهة أخرى، وأعضاؤهما من الوزراء أنفسهم، وبالتالي اختفت الازدواجية السابقة، وتم القضاء على البيروقراطية ولم يعد هناك عذر للوزراء لكي لا ينجحوا في عملهم".
ويتابع: "قرارات الملك سلمان دفعت السعودية إلى عهد جديد، لم نره في السابق، لأنه بث الروح من جديد في العمل الحكومي، بعد أن وضع الوزارات على المحك، لكي تعمل بجدية وتنفذ دورها مباشرة، أو يكون هناك تغير ديناميكي".
اقرأ أيضاً: الصحف العالميّة تصف التعيينات الملكية السعوديّة بالمفاجئة