بشار وبن سلمان في زمن نتنياهو

30 نوفمبر 2018
+ الخط -
عصر ترامب أو عصر نتنياهو، هو عصر بشار الأسد ومحمد بن سلمان وعبدالفتاح السيسي.. هو عصر السقوط المدوي للقيم الإنسانية الذي يدعمه نظام الملالي ومافيا فلاديمير بوتين، ويرعاه ويستثمر فيه بنيامين نتنياهو بخبث ودهاء.
وهكذا يستطيع بن سلمان أن يزهو بجرائمه تماما كما حال بشار الأسد، بل ويتفوق عليه بجولاته السندبادية لإعادة الاعتبار، ولكن تمت مواجهته بِصُوَرهِ الحقيقية في تونس وفي مصرعلى يد المتظاهرين والنشطاء. وستلاحقه جرائمه إلى بيونس آيرس، حيث لجأ إلى سفارة بلاده ليقيم فيها بدلا من النزول في فندق فورسيزونز الفاخر الذي أعد لإقامته.
ما من أحد مثل بشار الأسد ومحمد بن سلمان قدّم خدماتٍ لا يمكن توقعها للكيان الصهيوني ولحكومة نتنياهو. الأول دمر سورية، وشرّد شعبها وحولها من بلد يحتفظ ببعض التماسك والقوة إلى أشلاء تتنازعها احتلالات لا حصر لها، والثاني دمر اليمن وحوله من سعيد إلى فقيد!
وكلاهما، لاحق الكلمة حتى الأنامل، وخنَقا الأصوات حتى الحناجر. كان باراك أوباما، المتردد دائما، قد رسم خطوطا حمراء لبشار الأسد، وكان استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه يعني تدخلا أميركيا ودوليا ربما يؤدي الى إنهاء سيطرة الأسد على سورية.
وحيث كانت قوات الأسد وحلفاؤه من المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني لا تسيطر على أكثر من 30% من مساحة سورية، شنّ الأسد هجومه على الغوطة بغاز السارين المحرّم دوليا، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 1400 شخصا اختناقا، غالبيتهم من الأطفال والنساء.
تجاوز الأسد الخطوط الحمر التي رسمها أوباما له، تحركت البوارج الحربية الأميركية في عرض البحر المتوسط، وارتفعت وتيرة التصريحات الغربية حيال نظام الأسد. وبدأت أُسَرُ قيادات العصابة الأسدية تغادر سورية، بعضها إلى دولة الإمارات، وبعضها إلى لبنان والبعض الآخر الى أماكن أخرى.
تركت قوات النخبة لدى نظام الأسد مواقعها واحتلت المدارس والجامعات والمشافي، خشية الضربة الأميركية المرتقبة.
تحرّك نتنياهو باتجاه موسكو، طالبا منها التدخل، تسليم الترسانة الكيماوية مقابل بقاء النظام! كان اقتراحا إسرائيليا سارت به موسكو، وارتاح إليه أوباما الذي لم يكن يتوقع من بشار الأسد تجاوز خطوطه الحمراء، ففعلها. والذي لم يكن في وارد التدخل، فأحرِج، وهكذا تم إخراج الحل بدفع من نتنياهو.
محمد بن سلمان، الذي وجد نفسه في موقع السلطة الأقوى في الدولة الأكثر ثراء في العالم، تجرّأ فاعتقل كبار الأمراء والوزراء وجرّدهم من هيبتهم ومن ثرواتهم. لم يعالج تسلطه، ولم يواجه سلبطته أحد، فظن نفسه فوق الجميع، وأقوى من الجميع. تمادى في ارتكاب المجازر في اليمن، وحاصر أبناءه الفقراء الذين بلغ فيهم الجوع والمرض حداً بات فيه اليمن في كارثة إنسانية لم يصل إليها مجتمع بشري في التاريخ. وزاد به الجنون، فحاصر دولة قطر الشريك في مجلس التعاون الخليجي، ثم ذهب به العته إلى ارتكاب جريمة قتل الصحافي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في اسطنبول، حيث تم تقطيع جثته وإخفائها.
جريمة مقتل خاشقجي بهذا الشكل البشع حرّكت الرأي العام العالمي، وبات محمد بن سلمان في وضع حرج، إلى أن جاء نتنياهو بوساطته لدى رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، الذي وجد فيها سندا له في التنصل من محاسبة بن سلمان، بالرغم من الحملة الواسعة في الأوساط الأميركية الداعية لمحاسبته.
تصريحات دونالد ترامب الأخيرة بشأن بن سلمان لم تقنع أحدا. فعلاقة السعوديين مع الولايات المتحدة ليست وليدة وجود بن سلمان على رأس هرم السلطة، ولن تتغير إذا أزيح عنها. صفقات الأسلحة ومئات المليارات التي تحدث عنها ترامب ليست هي القضية. فما الذي يدفع ترامب، ومن موقع قوي، رغم الحملات داخل بلاده ومؤسسات الحكم فيها، للتنصل من محاسبة بن سلمان؟
القضية في مكان آخر تماما، فمن يرغب في وجود مجرمين دمويين على رأس السلطة في السعودية، وفي سورية، وفي باقي دول المنطقة، دمويين تجاه شعوبهم وأذلاء تجاه الصهاينة والأميركان هو نتنياهو العصر. فهؤلاء الدمويون يجعلون مجتمعاتهم مهزومة ذليلة مكبلة، ولكنهم يطأطئون الرؤوس أمام صلف وعنجهية القوى الخارجية الساعية الى إنتاج وإعادة إنتاج الهيمنة وفق موازين القوى الإقليمية والعالمية المتغيرة.
قد يكون ترامب أرعن غير عابئ بمصائر الشعوب، وقد يكون نتنياهو داهية وخبيثا متمرسا في تطويع وإغراق قوى السيطرة المحلية في الدماء وحمايتها وقت يشاء، وقد يكون مصير هؤلاء الدمويين المتسلطين على مجتمعاتنا بما يملكون من قوة ودعم وتغطية خارجية مجرد أدوات يسهل التخلص منها واستبدالها حين تنتفي الحاجة إليهم. ولكن هل سيدوم هذا الواقع لهؤلاء كلهم؟ هل ستبقى شعوبنا وشعوب العالم مجرد كتل بشرية مفتعل فيها إلى الأبد؟
0D763D6C-2C1E-437C-ABF7-2556ECA33B30
0D763D6C-2C1E-437C-ABF7-2556ECA33B30
أحمد عثمان (لبنان)
أحمد عثمان (لبنان)