استقبلت بريطانيا أعداداً متزايدة من العائلات السورية، في السنوات الأخيرة، قادمين عن طريق برامج إعادة التوطين التي ترعاها الأمم المتحدة لتخفيف الضغط عن الدول المجاورة لسورية، ووصلت أعداد لا بأس بها لتستقر في العاصمة البريطانية لندن. إلا أنه وعلى الرغم من تحسّن أوضاعهم مقارنة بمخيمات اللجوء التي قطنوها بعد خروجهم من سورية، لا يزال الاستقرار بعيد المنال للعديد منهم؛ نظراً للتعقيدات التي يمرون بها في بريطانيا.
وكانت الحكومة البريطانية قد تعهدت، عام 2015، باستقبال عشرين ألف سوري، بعد الضغوط الشعبية في سياق "أزمة اللاجئين" الأوروبية. وتستقبل بريطانيا العائلات السورية عن طريق برنامج إعادة توطين الأفراد المحتاجين للحماية، والذي ينتقي الحالات الأكثر حاجة من قوائم اللاجئين لدى الأمم المتحدة.
ويقول وسام الحموي، الذي يعمل متطوعاً مع بعض هذه العائلات في شرقي لندن، لـ"العربي الجديد"، إن أغلب العائلات التي تعامل معها قادمة من لبنان عن طريق البرنامج المذكور. ويتم توطين السوريين في جميع أحياء لندن، بناء على استعداد المجالس البلدية المحلية لاستقبال العائلات اللاجئة. وفور إعلان المجلس المحلي استعداده لاستقبال اللاجئين، تعمل المنظمات المحلية والخيرية على الضغط من أجل تنفيذ هذه التعهدات.
وفي ذلك يروي الحموي لـ"العربي الجديد" مثالاً "في منطقة هاكني في شرق لندن، توجد منظمة تُدعى "مواطنو بريطانيا"، والتي شكلت مجموعات محلية في مختلف أحياء لندن، وتقوم هذه المجموعات بالضغط على المجالس البلدية ليتم استقبال العائلات السورية، وأيضاً تساعد هذه المجموعات في توفير الدعم المادي للعائلات القادمة، خاصة من ناحية استئجار المنازل". فلكي تستطيع هذه المنظمات إقناع المجالس المحلية بقبول السوريين، يجب أن توفر لهم السكن قبل وصولهم إلى بريطانيا.
وبعد وصول العائلة السورية إلى بريطانيا، يكون المجلس البلدي مسؤولاً عنها. وبدوره، يتعاقد مع منظمات خيرية تكون مسؤولة عن تلبية احتياجاتهم. ويتابع الحموي "فمثلاً توجد في هاكني منظمة اسمها "العمل من أجل اللاجئين"، والتي لديها موظفون مسؤولون عن مساعدة اللاجئين في تيسير أمورهم الحياتية، مثل فتح حساب بنكي، والتسجيل في مركز العمل، وتأمين تذاكر المواصلات والترجمة وغيرها".
إلا أن الحموي يلقي الضوء على المصاعب التي تواجهها هذه العائلات، والتي لا تقتصر فقط على عدم معرفتهم باللغة والنظام البريطاني، بل وتشمل أيضاً بيروقراطية الخدمات البريطانية، ومواردها القليلة نتيجة لسنوات التقشف الماضية، إضافة إلى غياب الاهتمام لدى بعض الموظفين. وغالباً ما تحتاج العائلات السورية إلى اللجوء إلى مصادر خارجية لتلبية احتياجاتها، خاصة أن بعضا منهم يعاني من مشاكل صحة أو إعاقات تتطلب اهتماماً أكبر عن الحالات العادية.
وتُعد اللغة المشكلة الأكبر التي يعاني منها السوريون الجدد في بريطانيا، فهي مدخل لأغلب المشاكل التي يمرون بها. فالعائلات القادمة لبريطانيا غالباً لا تتحدث الإنكليزية. وبينما يتعاقد المجلس البلدي مع منظمة متخصصة في الترجمة تساعدهم في تيسير أمورهم الحياتية، إلا أنها تعمل فقط خلال ساعات الدوام الرسمي، وينقصها الطواقم الكافية للتعامل مع كافة طلبات المساعدة التي يتلقونها. فالمترجم مطلوب بداية من الأمور البسيطة، مثل المساعدة في شراء حاجيات المنزل من المتجر، إلى أمور أكثر تعقيداً مثل تعبئة طلبات التسجيل في المدارس، والتعامل مع مركز العمل. ويعمل المتطوعون غالباً على سد هذه الفجوات عند الإمكان. ومما يزيد الأمر صعوبة على العائلة السورية اختلاف النظام الإداري في بريطانيا عن المعتاد.
ويتابع الحموي قائلاً "موضوع الصحة من أكبر المشاكل التي يمرون بها أيضاً، فالنظام الصحي البريطاني يعاني من إجراءات التقشف الحكومية، وبسببه أحياناً لا يتوفر مترجم في الموعد المحدد لزيارتهم، عدا عن أن المواعيد تأخذ فترات طويلة مثل ثلاثة أشهر، وعندما يحين الموعد لا يكون المترجم متوفراً، فيتم تأجيل الموعد ثلاثة أشهر أخرى. وهناك أيضاً أشخاص يرفضون التعامل معهم بسبب اللغة، لأسباب مثل العنصرية".
كما تشكل إيجارات المنازل مشكلة أخرى. فمن المعروف أن الإيجارات في لندن هي من بين الأعلى عالمياً، ونظراً لقلة موارد المجالس البلدية، فإن المبالغ التي توفرها للإيجارات لا تغطيها كاملة، عدا عن الفواتير الأخرى. وهنا تأتي المنظمات الخيرية لسد النقص في هذه الاحتياجات، إلا أن خدمات هذه المنظمات ليست مستدامة، فأحياناً تتوقف عن دفع حصتها من المساعدات نظراً لنقص التمويل، أو أحياناً أخرى بسبب انفراط عقد المجموعة التي شكلتها.
ويضيف الحموي "كما أن الأموال المتوفرة لا تفكي لأي حالات طارئة مثل الأعطال في المنزل. عادة ما يتم الأمر بالتنسيق مع المجلس البلدي الذي يتعاقد مع ورش خاصة لإصلاح هذه الأعطال. وتقوم هذه الشركات بالتعامل فقط مع المشكلة التي طلب منهم إصلاحها، وهو ما يعتمد على ميزانية المجلس البلدي المتوفرة لهذه الأغراض، والتي لا تتعامل مع جميع المشاكل".
وأخيراً توجد مشكلة الانخراط في سوق العمل. فاللاجئون مطالبون بالعمل بأسرع وقت ممكن وبضغط دائم من مركز العمل. إلا أنه يصعب الحصول على فرصة عمل جيدة من دون اللغة. ولذلك، فإن مركز العمل يلحّ دائماً على العائلات للالتزام بدورات اللغة الإنجليزية. إلا أن المشكلة، وفقاً لتجربة الحموي، أن اللاجئ لا يستطيع الالتزام بالعمل ودورات اللغة في وقت واحد. فالالتزام بأحدهما يعني التخلي عن الآخر عملياً، وهو ما يدفع البعض إلى القبول بفرص عمل برواتب متدنية، نظراً لعدم احترافهم اللغة، أو لعدم امتلاكهم المؤهلات الخاصة للعمل في بريطانيا في مهنهم التي عملوا بها في سورية.