بريطانيا تتّجه نحو "نصف بريكسيت" والمفاوضات لن تبدأ الاثنين

16 يونيو 2017
سيدة معارضة لبريكسيت تتظاهر بلندن بمارس الماضي(جاستن تاليس/فرانس برس)
+ الخط -
من غير المُرجَّح أن تبدأ مفاوضات "بريكسيت" بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل، كما سبق وأعلن الجانبان. فالحكومة القوية والمستقرة التي وعدت بها رئيسة الحكومة، زعيمة حزب المحافظين، تيريزا ماي، قبل الانتخابات، لم تر النور بعد، إذ لا تزال ماي تخوض مفاوضات اللحظات الأخيرة مع ممثلي "الحزب الديمقراطي الوحدوي" لتشكيل ائتلاف يحظى بأغلبية في البرلمان، ما يعني أن خطاب التكليف الملكي سيتم تأجيله إلى ما بعد 19 يونيو/ حزيران، الذي سبق وحددته المفوضية الأوروبية كموعد لانطلاق مفاوضات "بريكسيت".

ولن يكون تأجيل موعد بدء مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الضحية الأولى بعد الهزيمة غير المتوقعة التي لحقت بالمحافظين وزعيمتهم في الانتخابات العامة التي جرت في الثامن من يونيو، وأطاحت بالأغلبية التي كان الحزب يتمتع بها في البرلمان الأخير. وتواجه ماي أصواتاً مرتفعة من داخل الحزب، والحكومة، ونواب الحزب في البرلمان، لإسقاط الشروط "العالية والقاسية" التي حددتها كخطوط عريضة للمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، والقبول باتفاق "متواضع وسلس" يحافظ على علاقة ما بين بريطانيا وأوروبا، لا سيما العضوية في السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي.

قيادات مرموقة ونافذة داخل حزب المحافظين بدأت منذ خسارة الانتخابات، الأسبوع الماضي، تدعو ليس في الغرف المغلقة وحسب، بل في وسائل الإعلام، إلى ضرورة قبول حكومة ماي بفكرة إشراك مختلف مكونات المشهد السياسي البريطاني للوصول إلى خارطة طريق لمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهي الفكرة التي تلاقي تجاوباً من كبار السياسيين، أمثال وزير الخارجية الأسبق وليام هيغ، والنائبة العمالية إيفيت كوبر، وزعيمة الحزب القومي الاسكتلندي، نيكولا ستورجون. كما أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "يوغوف" بعد الانتخابات، أن 51 بالمائة من البريطانيين يفضلون أن يقوم فريق يمثل جميع الأحزاب الرئيسية بالتفاوض على خروج بريطانيا من أوروبا. وتلقى هذه الدعوة دعم القطاع الخاص أيضاً، بما في ذلك رئيس بنك "إتش إس بي سي"، دوغلاس فلينت.



كما يؤيد رئيسا الحكومة البريطانية السابقان، جون ميجر وديفيد كاميرون، ضرورة تخلي ماي عن مواقفها السابقة إزاء "بريكسيت"، والقبول بفكرة "خروج مرن" يحافظ على علاقة للمملكة المتحدة مع السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي الأوروبي. ويأمل أصحاب الدعوة التوافقية أن تتمكن حكومة ماي بالتعاون مع القوى السياسية الأخرى، من وضع نهج توافقي للمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، يؤدي إلى "خروج مرن"، أو كما يسميه البعض "نصف بريكسيت"، بدلاً من "الخروج التام أو القاسي"، والذي هددت به ماي في يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما استبعدت العضوية في السوق الموحدة والاتحاد الجمركي.

في المقابل، وعلى الرغم من الخسارة التي مُنيت بها ماي وحزب المحافظين في الانتخابات الأخيرة، لا يزال بعض "صقور بريكسيت" من المحافظين أمثال وزير البيئة الجديد مايكل غوف، الذي تزعم حملة "الخروج" خلال حملات استفتاء "بريكسيت" عام 2016، ووزير شؤون "بريكسيت"، ديفيد ديفيس، يرفضان التنازل عن المطالب الأساسية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويرفضان التخلي عن فكرة "إما اتفاق جيد أو لا اتفاق". أما ماي التي أعلنت بكل شجاعة أنها المسؤولة عن "ورطة" خسارة الانتخابات، وتعهدت بإخراج حزب المحافظين من هذه الورطة، فتبدو أكثر تواضعاً لتقبل منطق "التسوية"، بعدما كانت تتمسك بمواقف متشددة من قبيل ما أعلنته خلال مناظرة تلفزيونية غير مباشرة، مع زعيم حزب العمال، جيرمي كوربين، يوم 29 مايو/ أيار الماضي، عندما وعدت بأن تكون "حازمة قدر الإمكان" خلال مفاوضات "بريكسيت"، مع تفضيلها لمعادلة "لا اتفاق بدلاً من قبول اتفاق سيئ". وتبدو رئيسة الوزراء، وهي تستند إلى حكومة "أقلية" ذات أغلبية هشة، أكثر استعداداً للتخلي عن تعهدات البرنامج الانتخابي لحزب المحافظين، التي تضمنت الخروج من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، وأكثر تقبلاً لتقديم تنازلات تضمن لها طول العمر السياسي ما أمكن.

وفي مقابل "تنازلات المهزوم" التي تبدي تيريزا ماي استعداداً لها منذ الخسارة التي أفقدتها الأغلبية في مجلس النواب، يبدو زعيم حزب العمال، جيرمي كوربين، في موقع أكثر قوة بعد تعزيز حضور حزبه في البرلمان، وتوسيع القاعدة الشعبية والانتخابية للحزب في انتخابات استثنائية. فهو لا يتردد بإملاء شروط "القوي" لقواعد العمل مع ماي، في ما يخص مفاوضات "بريكسيت". ويرى كوربين أنه لا يمكن أن تكون هناك مقاربة بريطانية متعددة الأطراف لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بينما ترفض ماي أن تكون واضحة بشأن الأثر المدمر لترك الاتحاد دون اتفاق. ويقول كوربين إن "حزب العمال لن يوافق على اتفاق بريكسيت مع المحافظين حتى تتخلص رئيسة الوزراء من شعار: لا اتفاق أفضل من صفقة سيئة". وكوربين يطالبها أيضاً بأن توافق على تقديم ضمانات تحمي حقوق العمال والبيئة، وضمان حقوق المواطنين الأوروبيين المقيمين في المملكة المتحدة، والعمل على تأمين حقوق المواطنين البريطانيين المقيمين في دول أوروبية أخرى.

وعلى كل حال، يظل ملف مفاوضات "بريكسيت" معلقاً، إلى حين نجاح أو فشل تيريزا ماي في تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان، لا سيما أن حظوظ تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الديمقراطي الوحدوي، اليميني المتطرف، تبدو غير أكيدة حتى اللحظة، مع تحذيرات من كبار الساسة في لندن وبلفاست من مخاطر ائتلاف كهذا على عملية "السلام الهش" في إيرلندا الشمالية، بحسب ما صرح به رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، جون ميجور. ويرى الأخير أن اتفاق ماي مع الحزب الديمقراطي الوحدوي بزعامة أرلين فوستر، قد يهدد باستبعاد الأطراف الأخرى في عملية السلام، خاصةً الجمهوريين في حزب "شين فين". وحاولت ماي احتواء القلق في هذا الشأن ووعدت، يوم الثلاثاء، بأن حكومتها "ستكون وفية بالكامل" للتعهدات التي قطعت حيال إيرلندا الشمالية.