بروفة الغرق العربي... وضعنا "عال العال"

09 نوفمبر 2015
عندما يفاجئ المطر الحكومات العربية (العربي الجديد)
+ الخط -


تصرخ الشابة في عمان "يا حرام"، وهي مندهشة من غرق شاب وطفل وسط المدينة في كراج سيارات. في بيروت كانت السيول قبل أيام تنقل معها النفايات منتقلة بين شارع وآخر غير آبهة بإتيكيت الفوارق بين "أحياء راقية" و"أحزمة الفقر". الإسكندرية، مدينة الضجيج المسائي بكورنيشها الممتد كمتنفس شعبي للأحياء الداخلية والناس تتأبط الكراسي البلاستيكية "لتشم هواء البحر" تصير بحد ذاتها بحراً.

القائمة طويلة، من عمان إلى اليمن وحتى بلاد الشام وشمال أفريقيا، مطر يحاصر ذات يوم سكان "ركن الدين" ويجرف معه كل ما في طريق سيله، لأن "الساهرين على أمن الوطن" أغلقوا بإحكام أغطية الصرف الصحي، ويظل بعضهم يردد: لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والاشتراكية.

استمع أحياناً لتبريرات بعض من يتكرمون بالرد على أسئلة "الأخ المواطن" فأقتنع مثل الجميع: الحق كل الحق على مؤامرة الغيوم التي سُمح لها أن تحمل أعاصير مثل كاترينا ونتاشا، على غفلة من رجال الدولة اليقظين على مصلحة "الأخ المواطن".

إذا ما بدأ موسم الشتاء، وتهاطلت الثلوج حتى أغلقت مدارس ومعامل ومؤسسات "الأخ المواطن".

يتهكم لاجئ سوري وهو "يدردش" معي عن قضية تهريب اللاجئين نحو اليونان، مطلقاً ضحكة ألم: "يللا على الأقل يعتبروها بروفة الغرق الذي يسمعون عنه".

بعض الدول، ومعاذ الله أن أقصد "الإمبريالية" منها، تجد في النفايات نعمة لتحرقها وتزود المنازل بماء ساخن وتدفئها، بينما في حالة المطر الشديد الشبيه بالطوفان يطاح برؤوس وحكومات. لكن في بلاد "الرأسمالية المتوحشة"، إذا سقطت قطعة جليد من أعلى العمارة على مواطن في الشارع قد يؤدي الأمر إلى محكمة لرفع الضرر "النفسي" عن المواطن، ويغرم صاحب العمارة.

فهل يستحق "المواطن" أن يموت صعقاً بالكهرباء في دولة عربية، ما تزال محكومة بالفساد وسرقة الكهرباء وضياع المليارات بالمحسوبيات والانتماءات المذهبية؟

ليس في الأمر مدعاة للتهكم، ثمة أرواح فقدت، وتفقد يومياً، ليس فقط بإهمال يصل حد "لعن جد أجداد... الأخ المواطن" غير الراضي عن حاكم البراميل المتفجرة، بتهجيره غرقاً ثم البكاء عليه بفعل "التوحش الرأسمالي الغربي الذي يتاجر بالأخ المواطن".

قبل فترة سرت "نظرية مؤامرة" تقول: "لم تكن العاصفة الرملية الأخيرة سوى من صناعة الأميركيين لإسقاط بعض المناطق ومساعدة الإرهابيين في سورية".

لقد عرت موجة السيول بنى عربية متهالكة ولا شك، والأغرب اعتبار "الأخ المواطن" المعترض على ما يحصل بأنه مجرد متأفف ونرجسي ولا يقدر جهود الخطط الخمسية والعشرية!

كنا في الصغر نستدل بشعارات أيديولوجية "الدول الرجعية والدول التقدمية"، وحين كبرنا كان ما يزال مطلوباً منا أن نرى مد إسفلت وإغلاق حفر شارع في "التقدمية" قمة التقدم... حتى إن أهل دمشق كان ممنوع عليهم أن يتساءلوا عما يسمى "متحلق جنوبي" أخذ من الجيوب والجهود ربع قرن لإكمال بنائه.

مفردة الفساد تودي بناطقها إلى ما وراء الشمس... فكل شيء "عال العال" في بلادنا، وخصوصاً في الدول التي تعتبر نفسها "أم الدنيا" و"باريس الشرق" و"ثورية". ويقول بعضهم: البنى التحتية تحتاج نقوداً، وبصراحة كم مواطن عربي في العراق وليبيا وسورية ولبنان وما بينها سأل: أين ذهبت أموال الشعب؟

ذات مرة قالها حسني مبارك لنخبة المجتمع من طلبة الجامعة: "أما تكونوا قادرين على تأمين القمح ابقوا اسألوني على علاقتي بأميركا". أي أن الحق كل الحق على الشعب... من الزبالة إلى الطوفان... والحكومات مظلومة لا يريد أحد أن يصدقها حين تقول: "وضعنا أفضل بكثير جداً من أوزباكستان".

اقرأ أيضاً: لليوم الرابع...قطع طرق وانهيار عقارات بالإسكندرية