برنار هنري ليفي وعدوّته... "التورته"

11 نوفمبر 2014

برنار هنري ليفي متجولاً في باريس (19يونيو/2009/Getty)

+ الخط -

عبّر التونسيون، من فئات اجتماعية وسياسية مختلفة، عن رفضهم زيارة برنار هنري ليفي بلدهم، وأبدوا تخوفاً من توقيتها وأبعادها، فغادر المفكّر الفرنسي تونس، بعد زيارة قصيرة، تحوّلت إلى ما يشبه قضية عامة...

و(ب. هـ. ل.) كما يطلق عليه الفرنسيون، إيجازا، لطالما أثار بكتاباته ومواقفه السياسية ومواقفه الاستعراضية، الكثير من الحبر، هنا وهناك، هو الذي يريد أن يلعب دورَ مثقف ومفكّر عالمي، كما كان من قبله مالرو وكامو، معنيٍّ بالقضايا الإنسانية، ومؤثر بآرائه في ضمائر الناس، وفي مجرى الصراعات الدولية. لذا، تراه، كلما اشتعلت حرب في مكان ما من العالم، شحذ همّته وعدّته الانتهازية الطفيلية، محاولاً، قبل كل شيء، وبأي ثمن، أن يجذب الأضواء إليه.

والأضواء، لسبب يعدو قدرتي على الفهم، لا تني تنجذب إليه، على الرغم من إفلاسه على مستوى المصداقية، منذ فترة طويلة، وإخراجه من دائرة "الفكر والفلسفة" من قبل أترابه من الفلاسفة الجادّين. فخارج هيمنة إعلامية ما، على الساحة الفرنسية، وركوب أمواج "المُوضة" على اختلافها، سبق للرجل أن "انتحر" فكريا وثقافيا وفنيا، أكثر من مرة. فهو، في أعمال عديدة له، لاقى فشلا ذريعا، على الرغم من كل الدعم والإمكانات المتوفرة له، وعرف نقدا وهجوما، على الرغم من كل ما يرافقه من ضجيج إعلامي.

ولا بدّ لي، هنا، من ذكر عدوّ برنار هنري ليفي الأكبر، سبب كتابة هذه المقالة، والشخص الوحيد على ما أظنّ، الذي عرف كيف يردّ المفكر- النجم، بحركةٍ تعدو النقد والمساجلة والكلام إلى مستواه الحقيقيّ، مستوى "المدّعين المشبعين بذواتهم، بشكل تراجيدي"، كما يقول، ألا وهو الصحفي البلجيكي، نويل غودان، "الفوضوي التهكّمي"، كما يعرّف نفسه، ومؤسس جمعية "أممية قذف التورته" الهادفة إلى تهزيء شخصيات معروفة، سمجة، مدّعية، أو كاذبة، وذلك بملاحقتها، وتحيّن الفرصة المناسبة لضربها بقالب كاتو طريّ، ومشبع بالكريما الدسمة، على وجهها، حين تكون تحت الأضواء، أي بحضور جمهور وكاميرات توثّق الحدث.

في قائمة "ضحايا" نويل غودان وأعوانه، تمثُل أسماء هامّة لشخصيات متنوّعة، تمّ استهدافها ما بين فرنسا وبلجيكا، من أمثال الكاتبة مرغريت دوراس، والسينمائي جان لوك غودار، والراقص موريس بيجار، ونيكولا سركوزي، وبيل غايتس، وسواهم من الأسماء اللامعة التي قد يفاجئك وجود بعضها في القائمة. لكنك، ما أن تتساءل عن السبب، حتى يتكشّف لك جانب غير بديهي في الشخصية المستهدفة، جانب نابٍ ومبالغ به يبرر استهدافها. فهل سيكون مفاجئاً، ساعتئذ، أن نعرف أن برنار هنري ليفي يحتل رأس هذه القائمة، هو الذي حصد، حتى الآن، سبع محاولات ناجحة، فاجأته في كل مرة، حيث لم يكن يتوقع، ومرّغت وجهه وصدره بالكريما البيضاء!

حين قرأت الخبر عن زيارة ليفي تونس، خطرت لي مباشرة "بلاغة" نويل غودان وقدرته الاستثنائية، وإنْ بطريقة هزلية، ضاحكة، على فضح قلة النزاهة الفكرية والسياسية والثقافية لدى أي كان، وإظهار الحجم الحقيقي لِما تضخّم وازداد والتمع، حتى كاد يعمينا عن الرؤية الحقيقية. فحركته العبثية تلك، ذات معنى، إذ تقول، من ضمن ما تقوله، إننا قد اكتفينا، و"فاض بي وملّيت"، وإننا، على غير ما تعتقد، لا نقيم اعتباراً، ولا نصدق، ولا نصادق، على ما تروّج ويبقى دون المعنى، بل خارجه تماما.

تصوّروا فرعاً شرقَ أوسطيٍّ لهذه الجمعية الرائعة، يعلن ببساطةٍ مطلقة، ببلاغة فذة، وبطفولية صرفة، ردّه على كل هذه الضوضاء. تصوّروا كم وجهاً سيُرمى بقوالب الحلوى، كم أنا "متضخمة" ستصغر وتضمر، وكم كاذباً سيشعر بالتسفيه.

أدعو إلى إنشاء فرع عربي لهذه الجمعية الأممية، وإن كنت أعرف أن كل قالب "تورته" يُقذف في وجه أحدنا، سوف يقابل بطلقة، إن لم يكن بصاروخ.

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"