برلمان القراطيس في العلوم السيسية

23 أكتوبر 2015
+ الخط -
يبدو أن معجم العلوم السيسية لا يزال يطفح بالجديد والصديد كل حين، فبعد أن تأسس على مفاهيم الانقلاب والاغتصاب والاختطاف والإخفاء القسري والكذب الحصري والقتل بدم بارد، ومبتكرات: الرئيس الطرطور، والمنقلب بالفلاتر، والحكومة الكلينكس، والعلاج بالكفتة، وجيش الكعك والبسكويت، وشرطة نخنوخ، ومشروعات الفناكيش القومية، والمتحدث العسكري الحريمي/العاطفي، والوطن الحضن، وكرة رابعة الأرضية، والإخوان الذين أسقطوا الأندلس، وأسر قائد الأسطول السادس الأميركي، وحل أزمة سد النهضة بسباطة موز، والمادة الكيميائية لتمهيد الطرق المتكسرة، وعاصمة الفنكوش، ومشروع إسكان الفنكوش، ومشروع استصلاح فدادين الفنكوش، وترعة المفهومية، وفيلسوف الأطباء وطبيب الفلاسفة، واللندة الموفرة، ومسافة السكة، والرز والحبايات، والمفتي الحرامي سارق المقالات، والرشوة الجنسية للقاضي، وضابط الشرطة القواد، ووزير الزراعة الفاسد، ووزير العدل الفاسد والبلطجي، ورشوة تأشيرات الحج، وفساد رئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس الوزراء البلدوزر المعطل، ورئيس الوزراء الصايع الضايع، ووزير التعليم الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ووزيرات عرض الأزياء، وعصر السبكي الفاجر، وشيطنة المعارضين ببرامج الراقصين، وعكشنة الإعلام، والإعلامي المخابراتي مسجل المكالمات، ومجلس إدارة العالم، والخوابير الاستراتيجية والست الرباعية التونسية، وراقصات الزيارة الألمانية، وقفوات الزيارة الأميركية، والحرب الروسية على الطريقة الكرتونية الموسوية، ...... إلى ما لا يعد من مفردات هذا العهد النكد السخيف في معجم مستخف مطفف غير شريف.
اليوم تأتي وصمة الدهر وقاصمة الظهر: برلمان القراطيس... برلمان جاء بفرمان لا يعلم عنه الشعب، ولا عرائس الظل المسماة أحزاباً، إلا أنه صدر بالمضمون والغرض والترتيب والطريقة التي أرادها العسكر بلا شريك ولا مجرد الرأي. جاء قانون تقسيم دوائرهم، ثم قانون ممارسة الحقوق والحريات السياسية ثم تعديلاتهما المتكررة، ونشرت بلا حس ولا خبر، اللهم إلا تعليقات جوفاء في أول الأمر، لم تلبث أن تلاشت أمام العين الحمراء..
برلمان العواطف والعروسة المخطوبة لقائمة (في حب مصر)، كأنه سيقضي في الأمور بالحب والحضن ونور العينين، وهذه الكلمات المعسولة التي تواتر عليها المنقلبون، وهذه القرطسة الشعارية إنما تعبر عن قائمة قراطيس الحكم العسكري الذين يستدعون، وتتم تعبئتهم وتجنيدهم من أجل عسكرة البرلمان. أغلبهم ضباط جيش وشرطة، لا يعربون على دعاياتهم عن صفاتهم ومناصبهم؛ لكي تكون المفاجأة قرطسة كبيرة للشعب ببرلمان عسكري شبه تام.
برلمان بانجو وبرايز من أجل تمكين شباب الانقلاب وشباب العمالة.. في رسالة لشباب يناير الشرفاء أن المحل مغلق للإفساد، لا للإصلاح ولا طبعا للصلاة. ثمن الخيانة والخيابة عضوية ونيابة، ولكي تكمل الأذيال أدوارها، وتكتمل قاطعة الطريق إلى المستقبل، ويعلم الجميع أن من أراد أن يكون قرطاساً، عليه أن يكون محلاساً، وعلى دخان البانجو وصلصلة البرايز سيحلو الطبل والرقص والقرطسة.
برلمان الراقصة والطبال اللذين تجرآ للترشح، الأولى لمنع التحرش وتعليم النواب فنون
الفرفشة، والآخر لاحتياج المرحلة خبرته في التصفيق والصفاقة، وضبطه للإيقاع وتعليم النواب فنون القرطسة. كيف تكون قرطاسا كفؤاً وفعالاً، وكيف تطبل على نغمة أهل السيادة والبيادة، وتقدم وصلات تساعد الراقصة على أداء دورها. وفي إثرها يتناوب الممثلون والطبالون الطواف مع مرشحي العسكر والحزب الوطني، لكي يروّجوهم على طريقة مندوبي المبيعات.
برلمان (خليهم يتفلقوا..)، بعد (خليهم يتسلوا..)، السيارة ترجع إلى الخلف، الحزب السيساوي والحزب الوطني يد واحدة، مرشحون ليس فيهم معارض واحد يوحد ربه، كلهم أتباع وببغاوات وأصحاب مطامع ومطامح، لا تكاد ترى فيهم وطنياً واحداً تشعر فيه بالخير.. هل تعلم لماذا؟ لأنهم جميعا يشاركون في جريمة جماعية مكشوفة، إهدار إرادة الشعب باسم الشعب وباستخدام آلية منذ قليل كفروا بها، وكفروا أهلها، وادعوا أن مصر لا تصلح لها، ولو بعد ربع قرن. عليهم جميعا غبار الذلة، لأنهم يشاركون في كذبة كبيرة، بل أكبر كذبة عرفتها مصر في تاريخها الحديث. برلمان القراطيس برلمان كل نذل خسيس. برلمان مسرح العرائس الذي يتقوّت على أشلاء الفرائس.
يا هؤلاء القراطيس الجدد اسمعوا، أنتم تحتقرون هذا الشعب، ولا تريدون إلا مصالحكم الآنية والأنانية، وها هي أموالكم التي لم تخرج من جيوبكم في أي نفع عام تنفق، اليوم، بكل إسراف وإسفاف، لتؤكد أنها صفقة وبيعة وشروة، وأنكم تشترون مقاعد لكم في نظام انقلابي طغياني، يقوم على التزوير والكذب والاستبداد وحشوه الفساد والإفساد.. فتبّاً لكم.
لا علاقة لأكثركم بالشأن العام، وأغلبكم لا يعرف شيئاً عن سياسة، ولا إدارة عامة ولا رقابة ولا ينتوي رقابة ولا محاسبة، وإنما هي لعب أدوار قذرة في اللعب بمصير هذا الشعب، في لحظة من أخطر لحظات تاريخه. أنتم تلعبون بالنار، وإني أنذركم من النار، وإلا فسحقاً لكم.
إذا أردت أن تكون قرطاساً، فكن ما شئت. لكن، ليس على حساب الشعب، ولا باسم الشعب، لن تقدموا سؤالاً إلا سبقت الرقابة عليه، ولن تخرجوا عن النص المكتوب لكم، وأنتم تدخلون البرلمان خائفين، وبإرادة أكثركم غير مكرهين، امتزج عندكم الطمع بالخوف، وسوف تنهارون من داخلكم، نتيجة اضطرابكم، وسوف تعلمون.
أما أنت أيها المنقلب المغرور، أيها المتلاعب بالوطن وأهله، فافعل بقراطيسك وطراطيرك ما شئت، فلن ينفعوك ساعة الحساب، ولن يحولوا بينك وبين انقلاب الانقلاب. ها هم كما تهوى، دمى تحركها، وغدا تطيح بها، لكن الأقدار عن قريب، ستطيح بكم جميعاً.
ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".