صمّ مجلس النواب المصري أذنيه عن أنين المواطنين وآلامهم، نتيجة تأزم الأوضاع المعيشية يوماً بعد يوم، ملتزماً إقرار ما يُمرر إليه من تشريعات حكومية على مدى ثلاث سنوات، ولا سيما الاقتصادية، رضوخاً للسلطة التنفيذية واستجابة لاشتراطات صندوق النقد الدولي.
وحسب مراقبين، أبرمت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي اتفاقها مع صندوق النقد بالمخالفة لنص المادة 127 من الدستور المصري، التي توجب موافقة مجلس النواب على الاتفاقيات الدولية قبل إبرامها، فيما لم يصوت البرلمان بالموافقة على اتفاق القرض إلا في 27 مارس/آذار 2017، أي بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على دخوله حيّز التنفيذ.
ووافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد على منح مصر قرضاً على ست شرائح بقيمة إجمالية بلغت 12 مليار دولار، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
وأجرى الصندوق 5 مراجعات لبرنامج مصر الاقتصادي، خلال الفترة من يوليو/تموز 2017 وحتى يوليو/تموز 2019، لضمان التزام الحكومة المصرية تنفيذ جميع شروطه، وفي مقدمتها إصدار مجموعة من التشريعات التي استهدفت في حقيقة الأمر زيادة الأثرياء ثراءً والفقراء فقراً، جراء التوسع في فرض مزيد من الضرائب والرسوم على الشرائح الأقل دخلاً.
ونص الدستور على فرض الضرائب التصاعدية وفقاً لدخول الأفراد وقدراتهم التكليفية، إلا أن النظام يعوّل أساساً على منظومة الجباية غير المباشرة "العمياء" التي تشكل عبئاً على جميع المواطنين.
ونفذت الحكومة إجراءات "قاسية" تأثرت بها شرائح واسعة من المواطنين سلباً، تمثلت بتحرير سعر صرف الجنيه (العملة المحلية)، فتهاوى سعره أمام الدولار، بالإضافة إلى فرض ضريبة على القيمة المضافة بنسبة 14 في المائة، وإلغاء دعم الكهرباء والمواد البترولية تدريجاً، فضلاً عن إعلان التزامها الاستمرار في برنامج طرح الشركات العامة للاكتتاب العام.
وفي وقت يطالب فيه السيسي، ورئيس وأعضاء حكومته وبرلمانه، جموع المصريين، بالصبر على إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادي، وافق مجلس النواب في إبريل/نيسان 2018 على تعديل تشريعي مقدم من الحكومة، يقضي بزيادة رواتب نائب رئيس الجمهورية، ورئيسي مجلسي النواب والشيوخ، ورئيس مجلس الوزراء، ونوابه، والوزراء، إلى 42 ألف جنيه شهرياً (الحد الأقصى للأجور).
وقضى التعديل باستحقاق الفئات المشار إليها معاشاً شهرياً "يُعادل 80 في المائة من راتب أو مكافأة كل منهم في تاريخ انتهاء شغل المنصب"، مع جواز الجمع بين هذا المعاش وأي معاش مقرر بموجب أي تشريع آخر، حتى يتمتع الوزراء والمحافظون من أصحاب الخلفيات العسكرية، وذووهم (في حالة الوفاة)، بالحصول على معاشين أو أكثر من أموال الدولة.
ووافق مجلس النواب الموالي لسلطة السيسي على حزمة من مشاريع القوانين، التي طلب صندوق النقد إقرارها ارتباطاً بتنفيذ برنامجه، منها تعديل قانون شركات المساهمة والتوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات الشخص الواحد، وغيره.
واستهدف قانون الإفلاس تنظيم إجراءات الخروج الآمن للمستثمرين والشركات غير القابلة للحياة من السوق المحلي، وعدم الزج بهم في دعاوى قضائية تؤثر بسمعتهم التجارية، من خلال استحداث نظام للوساطة للحد من تكدس القضايا داخل المحاكم، وخفض حالات اللجوء إلى الدعاوى القضائية، في ضوء تأخر ترتيب مصر بمؤشر قياس حسن ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية.
وفي 15 مايو/أيار 2018، وافق مجلس النواب على قانون "إصدار الهيئة العامة للتنمية الصناعية"، استجابة لأحد اشتراطات صندوق النقد، الذي يوفر الأراضي الصناعية بالمجان أو بأسعار رمزية للمستثمرين، من خلال تحويل "تنمية الصناعة" إلى هيئة اقتصادية مستقلة، تتولى مسؤولية إصدار التراخيص الصناعية، وتوفير الأراضي للمستثمرين.
واعتبر صندوق النقد، خلال مراجعاته، أن إقرار مجلس النواب لقانوني الاستثمار، وتراخيص المنشآت الصناعية، خطوات حاسمة في تحسين مناخ الأعمال، ومكافحة الفساد، إلا أنه استدرك بالقول: "من المهم الاستمرار في وضع التشريعات الداعمة لمناخ الاستثمار، مثل دعم تنمية القطاع الخاص، في مقابل الحد من مشاركة الكيانات التابعة لوزارة الدفاع (الجيش) في التجارة".
في غضون ذلك، تهربت مصر من التزامها أمام صندوق النقد، بعدما أجلت ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة حتى عام 2020، التي فُرضت للمرة الأولى في مايو/أيار 2013 بواقع واحد في الألف على المستثمرين في البورصة، وجمعت آنذاك أكثر من 350 مليون جنيه، إلا أن الحكومة أوقفت العمل بالضريبة مع تولي السيسي للحكم في العام التالي، تحت ذريعة الحفاظ على تنافسية سوق المال.
ومن المرتقب أن يصوت مجلس النواب، خلال دور انعقاده الجاري، على مشروع قانون العمل الجديد، الذي ينتقص من حقوق العمال، سواء في ما يتعلق بالأجور أو الحماية الاجتماعية، ويقنن إجراءات الفصل التعسفي، علاوة على منح أصحاب الأعمال سلطة تقليص أجور العمال، وتغيير أنماط عملهم مقابل عدم إغلاق المنشاة التجارية أو الصناعية، وتجريم حق الإضراب بالمخالفة للدستور.
ولم يُلزم مشروع القانون أصحاب الأعمال بالتأمين الاجتماعي على العمال كشرط أساسي من شروط العمل اللائق، إلى جانب تقسيمه الأجر إلى 4 أنواع (أساسي - متغير - تأميني - ثابت)، بما يُمهد الطريق لضياع حقوق العمال.