برازيل 2014 .. هل انتهت العزلة؟

25 يونيو 2014
اليونان صعدت لاول مرة في التاريخ للدور الثاني (getty)
+ الخط -

في خطبته الشهيرة بالأكاديمية السويدية عام 1982، تحدث الأديب العالمي "جابريل جارثيا ماركيز" بعد حصوله على جائزة نوبل في الآداب عن عزلة أميركا اللاتينية. أستاذ الواقعية السحرية الذي فوجئ العالم بروايته الأشهر على الاطلاق "مئة عام من العزلة" حكى بكل فخر عن وطنه وأهله وناسه أثناء تسلمه للجائزة رفيعة المقام.

وأعتقد أن أنسب عنوان لهذا المونديال حتى الآن هو الخروج من العزلة لمنتخبات عديدة في الأميريكتين رفقة بعض الفرق الأوروبية المتواضعة كاليونان. فرق الأوروغواي، كولومبيا، اليونان، كوستاريكا، رباعي صعد إلى الدور المقبل، ثلاثة فرق من بعيد، ورابع أوروبي على الورق، وفي الهم والمتاعب شرق أوسطي ممزوج بصبغة لاتينية.

تعاني اليونان أزمة اقتصادية طاحنة مستمرة منذ عقود وحتى الآن، فشلت جميع المسكنات والحلول في فعل شيء تجاه شبح الافلاس المؤكد. بلاد الاغريق، أحفاد الفلاسفة والعلماء، أرسطو وسقراط وغيرهم ممن أثروا القارة العجوز وسط سني الظلام. اليونان التي أنجبت هؤلاء، أصبحت عاجزة تماما عن مسايرة جيرانها واستسلمت للدوامة الغارقة. و كما أوصل ماركيز صراخ قارته المعزولة الى العالم، استمرت كرة القدم في وضع دول عديدة على الساحة من جديد بعد غياب. ومن بين ظروف شبه مستحيلة، صعد فريق أثينا إلى الدور المقبل.

# استراتيجية الرجل الإضافي

تلعب اليونان دائماً بتكتيك مزيج بين 5-3-2 و 4-5-1 باستخدام لاعب إضافي في الخط الأخير، استراتيجية أوجدها الألماني أوتو ريهاجل في يورو 2004 حينما ضرب أعظم مفاجأة وفاز باللقب في النهاية. فكرة جلبت نجاحاً إعجازياً جعل الجيل الحالي يعيد تكرارها مرة أخرى، وهذه المرة مع الارتكاز مانياتيس. يوانيس مانيا يقوم بدور محوري داخل التشكيلة، هو المدافع الثالث حينما يلعب الخصم بثنائي من المهاجمين كما حدث أمام كولومبيا.

بينما أمام ساحل العاج، دروجبا هو اللاعب الوحيد داخل الصندوق، فيقوم مانياتيس بمراقبة يايا توريه صانع اللعب ولاعب الوسط المهاجم، ليعيد أحفاد الإغريق نفس فكرة أكثر من منتخب خلال البطولة، استخدام الرقابة الفردية في منطقة المنتصف، وعدم الاعتماد فقط على نظام رقابة المكان.

يوانيس يعود للدفاع، هنا تبدأ سياسة الترحيل، أي تحول كوني لاعب الوسط المساند إلى منطقة الارتكاز الدفاعي، ويعود كاراجونيس كابتن ونجم الفريق إلى منطقة الوسط الصريح عوضاً عن دوره في صناعة اللعب. اليونان تسير من الأمام إلى الخلف بشكل منظم جداً، فقط كولومبيا هي من أحرجتهم بسبب المهارات اللاتينية، وسرعة اللاعبين في الثلث الهجومي الأخير.

هجومياً، الفريق يعتمد على اللياقة البدنية الحديدية لثلاثي يدافع ويهاجم في وقت واحد. سامراس مهاجم صريح لكنه يعود لشغل دور الجناح حينما تكون الهجمة لصالح المارد الأفريقي، ويتحول إلى الوسط من أجل بداية الضغط على دفاع كوت ديفوار. هجوم لا يسجل كثيراً، فقط هدفين طوال الدور الأول لكنه يقوم بمجهود مضاعف، في الضغط والدفاع وتبادل المراكز، لذلك نجحت اليونان في النهاية، منتخب غير ممتع أبداً لكنه يقاتل حتى النفس الأخير.

# زمن الكرة اللاتينية

متابعو المونديال على موعد مع مواجهة نارية في الدور المقبل، أوروجواي الفريق الذي أقصى إيطاليا وإنجلترا في مواجهة مفاجأة البطولة السعيدة حتى الآن، المنتخب الكولومبي. رفاق فالكاو عانوا من غياب التايجر قبل البطولة، إنه النسخة الأفضل للمهاجم المتكامل الذي يصنع الفرق ويسجلها، لذلك كان من المفترض أن يُشّكل غيابه أزمة كبيرة في صفوف فرق المدرب بيكرمان، لكن هذا لم يحدث حتى الآن، والسر في وفرة البدائل.

جاكسون مارتينيز، أدريان راموس، جيمس رودريجز، كوادرادو، والبدلاء جوتيريز وباكا والباقون، فتّش عن المواهب الشابة وعمل كشافي اللعبة. في الوقت الذي تعاني فيه أوروبا من ندرة المواهب، تنطلق القارة اللاتينية بأسماء جديدة ونجوم أصحاب مستوى عالي للغاية. السر ليس في الطقس أو الظروف أو أي عذر، بل في العين التي تبحث وتجد وتطوّر وتغامر بلا خوف.

كولومبيا تلعب بأكثر من طريقة لعب، 4-2-3-1، 4-1-4-1، 4-4-2. ديناميكية الفريق، ومسألة وجود رابط شامل يسير الكل على خطاه. وبمعنى آخر، الفريق يصبح لاعباً واحداً فقط، في الهجوم وفي الدفاع وفي كل الحالات. الفرق الكروية الآن قليل منها من يلعب بهذه الفلسفة أما الباقون فعملها الفردي يكون أكبر، لذلك هي فرق رائعة لكن أبداً لن تصل إلى مرحلة الإبداع.

الكولومبيون يمتازون بمهارات فردية خارقة لكن الرابط الجماعي واضح للغاية، في التحرك، والتمركز، والدفاع، والهجوم. لذلك رغم أن الخصم الأوروجواني يعتبر صعب المراس وفريقاً يُهزم بصعوبة بالغة، إلا أن بيكرمان ورجاله لديهم فرص كبيرة وحقيقية في الصعود إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، لأن هذا المونديال يفتح أبوابه على مصاريعها إلى هذه النوعية من المنافسين.

المساهمون