بداية نهوض.. بداية سقوط

30 مارس 2014
"تسليم غرناطة"، لـ فرانشيسكو براديلا
+ الخط -

كنت على وشك أن أُنهي روايتي الثانية التي تتحدث عن منطقة الخليج ومحيطها في نهاية القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر حين وقع في يدي كتاب بعنوان: "1492- العام الذي بدأ فيه عالمنا"، تأليف فيليب فرناندز آرميستو.

لم أتردد في شرائه، وكعادتي كتبت على ورقته الأولى: اقتنيت هذا الكتاب يوم 5 فبراير 2013 من مكتبة فويلز في لندن. وعلى صفحة الغلاف الأخيرة جاء وصف الكتاب كما يلي، مع بعض التصرف في الترجمة:

"في البحث عن أصل العالم الحديث، 1492 يأخذ القارئ في رحلة حول العالم برفقة رحالة حقيقيين.. من كيفية توزيع السلطة والمال حول العالم إلى تقسيم الأديان والحضارات له؛ حوادث بدأت عام 1492 غيرت شكل العالم، حروب وسحر ووباء واضطهاد وفقر ونبوءات، علوم وفنون، كل الأمجاد والحماقات موجودة في هذا الكتاب". ولكن هل العنوان الذي اختاره المؤلف لكتابه صحيح؟

عندما كنت أبحث وأُعدّ كتابي الثاني، وجدت أن نهاية القرن الخامس عشر كانت مفصلية في تاريخ العالم، فقد حصلت عدة حوادث غيرت توازناته وأعادت رسمه، وهي:
● سقوط القسطنطينية على يد محمد الفاتح في 29 مايو/أيار 1453
● سقوط غرناطة؛ آخر معاقل المسلمين في الأندلس، على يد الملكيين الكاثوليكيين في 2 يناير/كانون الثاني 1492
● اكتشاف كرستوفر كولومبس لأميركا في 12 أكتوبر/تشرين الأول 1492
● اتفاقية "تورديسيلاس" بين البرتغال وإسبانيا في 7 يونيو/حزيران 1494.


سقوط القسطنطينية وانعزال شرق العالم عن غربه بوجود قوة العثمانيين الناشئة في نقطة التقاء قارتي أوروبا وآسيا، جعلا الغرب يبحث عن وسيلة للالتفاف حول هذه القوة، وقد ساعد على ذلك مباركة البابا لاتفاقية "تورديسيلاس" التي قسمت العالم إلى قسمين بين إسبانيا التي حصلت على حصتها في الأراضي الجديدة التي اكتشفها كولومبس، وبين البرتغال التي حصلت على كل الأراضي الواقعة إلى الشرق من خط الطول الذي يمر في المحيط الأطلسي؛ فأصبحت أفريقيا والجزيرة العربية والهند وآسيا ملكاً لملك البرتغال ولورثته من بعده.

هذه الاتفاقية التي أعطت البرتغاليين الحق في السيطرة على تجارة البهارات وارتكاب المجازر باسم الرب في أغلب الموانئ التي تطل على المحيط الهندي وبحر العرب لمدة 170 سنة.

ولو وافقنا المؤلف في ما ذهب إليه، فإن هناك حادثتين كبيرتين وقعتا عام 1492، هما اكتشاف أميركا وسقوط غرناطة، ولكن هل من المعقول أن يكون سقوط غرناطة بداية لعالم الغرب الجديد؟

سأتحدث عن تداعيات سقوط غرناطة على العالم الغربي في مقالات لاحقة، ولكنها بالتأكيد تداعيات سلبية أكثر منها إيجابية، فعدد الكتب التي أحرقت في ساحة الرملة وحدها قد أخرت النهوض الغربي لسنين طويلة، وطرد مئات الآلاف من المسلمين الأندلسيين سبب أزمة اقتصادية قاسية عانت منها إسبانيا قبل أن تنقذها منها كنوز العالم الجديد.

لقد أحسن المؤلف فيليب آرميستو اختياره عام 1492 ليكون تاريخاً لبداية العالم الغربي، غير أنه تناسى أن هذا التاريخ هو بداية السقوط للعالم الشرقي أيضاً، أو على الأقل لجزء منه.

المساهمون