تعيش المشاورات الحكومية في تونس مراحلها الأخيرة، قبل إنهائها رسمياً وعقد جلسة عامة لمنح الثقة لحكومة يوسف الشاهد. ويحيط الشاهد المشاورات بتكتم تام، محاولا إبقاءها قيد السرية ما أمكن، وهو ما أثار غضب الأحزاب السياسية بدءاً من المشاركة في الائتلاف الحاكم إلى بقية المشاركين في مبادرة قرطاج.
وشرع الشاهد، اليوم الثلاثاء، في تقديم الردود على مقترحات الأحزاب، والتي إن لم تواجه برفض من طرفها فقد تسرّع في تقديم التشكيلة النهائية إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ومنه إلى البرلمان.
وفي هذا الإطار، عقد الشاهد اليوم، لقاءً غير رسمي، مع رئيس البرلمان التونسي محمد الناصر. وأكدت مصادر مقربة من رئيس الحكومة المكلف لـ"العربي الجديد" أن الشاهد قدم للناصر حصيلة المشاورات والنتائج التي توصل إليها بخصوص حصة الأحزاب المشاركة من الوزارات والاقتراحات الموجهة لغير المتحزبين أو غير المنخرطين في مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، والملامح الأولية للحكومة بهدف الاستماع لرأي هذا الأخير حولها. وأردفت ذات المصادر أن الاجتماع تعرض أيضا إلى الدعم الذي سيقدمه البرلمان لحكومة الشاهد وإمكانية عقد جلسة عامة الأسبوع المقبل لمنحها الثقة.
واستمع الشاهد أيضا لأمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، حول تشكيلة الحكومة. وأوضح العباسي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الاتحاد جاء لتقديم النصيحة للشاهد وليبدي رأيه في تشكيلة الحكومة، وقد عبّر صراحة لرئيس الحكومة المكلف عن وجوب مغادرة بعض الوزراء من الفريق القديم، نظراً لصعوبة التعامل معهم، وتجاهلهم الحق النقابي، ما ولّد عدداً من الأزمات في المجالات الراجعة إليهم بالنظر، وعدم تماشيهم مع ضرورات المرحلة، بل يعملون وفق أجنداتهم الخاصة على غرار وزيري الشؤون الدينية والمالية".
وأضاف العباسي أن رؤية الاتحاد للحكومة تتمثل في أن تكوّن فريقاً متجانساً يجمع بين سياسيين وغير متحزبين على أن يكون مقياس الاختيار هو الكفاءة والسير الذاتية والقدرة على تسيير الوزارة والسيطرة على الملفات، مشدداً على أن منظمة الشغيلة لم تدخل في التفاصيل، بل اكتفت بالتحاور، وحول نوعية الكفاءات التي يمكن أن تتولى الحقائب التي للاتحاد علاقة بها.
وبالتوازي مع اللقاءات التي يجريها الشاهد، انطلق في الرد على مقترحات الأحزاب السياسية. وأفادت مصادر من نداء تونس لـ"العربي الجديد" أن الشاهد رفض إسناد أي حقيبة وزارية لنواب من كتلة النداء، ولم يقدم إلا كتابة دولة واحدة لنائب رفضها هذا الأخير. وأعلم الشاهد اللجنة المفاوضة من النداء وكتلته أن نصيب الحزب ثلاث وزارات وثلاث كتابات دولة، وأن كلا من سلمى اللومي، والناجي جلول، وسعيد العايدي، من المغادرين للحكومة، فيما لم يحسم بعد في سليم شاكر وزير المالية، وأسند أسماء ندائية من الحزب لا من الكتلة. ومن المتوقع أن يخلف ذلك ثورة داخل الكتلة النيابية للنداء، خاصة مع تصاعد الخلاف بين رئيسها سفيان طوبال، ورئيس الهيئة السياسية للنداء حافظ قائد السبسي، حول الأسماء المرشحة التي تحظى بدعم الحزب.
في المقابل، اقترح الشاهد على حركة النهضة ثلاث وزارات أيضا وكتابتي دولة، حيث تم الإبقاء على زياد العذاري، والقبول بعماد الحمامي والسيدة لونيسي، واسمين من التكنوقراط الذين تدعمهم الحركة. ويبدو أن النهضة بدورها ستشهد نقاشات حادة في حال قبولها هذا المقترح، لا سيما في ظل بداية تشكل كتلتين داخلها والتململ الذي شهدته عند اقتراح الأسماء والإصرار على الإبقاء على زياد العذاري وتجاهل أسماء أخرى لها وزنها وتاريخها النضالي داخل الحركة.
وعلق عضو لجنة الخمسة عشر، التي ترافق المكتب التنفيذي لحزب النهضة في النقاشات حول الحكومة، عبد اللطيف المكي لـ"العربي الجديد" على حصة الحزب من الوزارات وفق المعطيات الأولية، قائلا إن النهضة ترى أن الأهم من الحقائب والأسماء هو القرارات التي ستتخذها هذه الحكومة وأداؤها في ما يتعلق بالمفاوضات الاجتماعية وفرض الأمن في البلاد.
وأكد أن لجنة الخمسة عشر ستُعقد غدا للنظر في الرد الرسمي للشاهد، كما ستعقد الكتلة ومجلس الشورى بدورهما اجتماعاً حول الموضوع.
ووفق تأكيدات الشاهد لعدة شخصيات التقاها، فإنه قدم عروضاً لشخصيات سياسية عدة للانضمام للحكومة، من بينها أسماء من حزب مشروع تونس ومن جمعيات من المجتمع المدني، فيما يتجه لقبول ملف النائب عن الحزب الجمهوري إياد الدهماني لتولي حقيبة العلاقة مع البرلمان، ومواصلة التفاوض مع النائب المستقل ورجل الأعمال مهدي بن غربية والقيادي بالجبهة المنجي الرحوي الذي يتجه إلى رفض الحقيبة التي اقترحت من طرف الشاهد. ومن المرجح بقوة أيضا أن رئيس الحكومة المكلف يتجه نحو الإبقاء على كل من وزير الخارجية خميس الجهيناوي، ووزير العدل عمر منصور، ووزير الداخلية الهادي مجدوب.
ولم يرد الشاهد بعد، على كلٍّ من الاتحاد الوطني الحر، وحزب آفاق، وحزب المبادرة، وما زال بصدد البحث عن صيغة مرضية للأحزاب الثلاثة المذكورة حتى يضمن بقاءها في الحكومة في إطار ما نصت عليه وثيقة مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، ويرى مراقبون أن سير المشاورات لا يعد محل رضا أغلب المشاركين فيها، وهو ما قد يحدث إشكاليات في الساعات المقبلة، بالتزامن مع ردود الشاهد حول المقترحات المقدمة إليه من طرفهم.