بدائل الكهرباء لاتفيد أمام تزايد "الظلام" في غزة

11 يناير 2017
المواطنون يلجأون إلى المولدات (عبدالحكيم أبورياش/ العربي الجديد)
+ الخط -
باتت أزمة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، أكثر قسوة على قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً منذ عام 2006، والذي يقطنه مليونا فلسطيني، حيث اشتدت الأزمة مع دخول فصل الشتاء لتصل ذروتها، بعد أن وصلت ساعات القطع يومياً إلى نحو عشرين ساعة. 

ويلجأ المواطنون في القطاع إلى الاعتماد على البدائل المتاحة، التي أضحت لا تصمد كثيراً في ظل طول مدة انقطاع التيار، كالمولدات التي تعمل بالسولار، بالإضافة إلى البطاريات وأجهزة "يو بي أس" و"الليدات".

و"يو بي أس" عبارة عن جهاز له بطارية داخلية، وبإمكانه تأمين الكهرباء في فترة قصيرة جداً عند انقطاع التيار الكهربائي، ويكثر استعماله غالبا في المكاتب لا سيما مع الأجهزة الإلكترونية والحاسبات.

أما "الليد" ففكرته مستوحاة من فلاش كاميرا الهاتف المحمول، وهو عبارة عن شريط يضم أكثر من صف من الفلاشات، كالتي توجد في الكشاف الكهربائي المتداول في الأسواق، ويتم تشغيله بواسطة بطارية صغيرة تشحن بين الفينة والأخرى.

وأضحت أزمة انقطاع الكهرباء حديث الغزيين الأوحد على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل غياب الأفق بحلها والوصول إلى تحسين عمل برنامج الطاقة الواصلة لمنازلهم، إذ وصل الأمر لخروج بعض المسيرات العفوية في الشوارع للمطالبة بإيجاد حل ينهي الأزمة.
ويقول طارق لبد، مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع الكهرباء، إن القطاع يعاني من عجز في الطاقة وأي زيادة في الكميات الحالية لا تعمل إلا على تحسين جدول التوزيع بشكل طفيف فقط نظراً لزيادة الأحمال على الشبكة.

ويوضح لبد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه في حال عملت محطة توليد الطاقة بكامل قدرتها الإنتاجية، فإن إجمالي الطاقة المتوفر سيصل إلى 48% وسيعمل على تثبيت جدول ثماني ساعات وصل وثماني ساعات فصل.

ويؤكد المسؤول أنّ القطاع يحتاج إلى توفير 550 ميغاواط من أجل إنهاء أزمة التيار الكهربائي المتفاقمة منذ عدة سنوات، في الوقت الذي لا يتجاوز إجمالي الطاقة المتوفر 240 ميغاواط حال عملت جميعها دون أعطال.

وبحسب تقديرات خبراء ومختصين اقتصاديين، فإن الغزيين أنفقوا طيلة عشر سنوات من عمر الأزمة ما يزيد عن مليار ونصف مليار دولار أميركي، من أجل توفير بدائل مؤقتة عن التيار الكهربائي في ساعات انقطاعها، في الوقت الذي لا تتجاوز كلفة إنشاء محطة جديدة 300 مليون دولار.

ويقول سمير أبو مدللة، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، إن ملف أزمة الكهرباء المتفاقم منذ أكثر من عشر سنوات أصبح عبئاً كبيراً على مختلف الفئات الفلسطينية في القطاع، لا سيما التجار الذين أضحوا يتحملون عدداً من فواتير الكهرباء.

ويوضح أبو مدللة لـ"العربي الجديد"، أن فئة التجار أضحت تتحمل فاتورة التيار الكهربائي القادمة من الشركة بالإضافة للمولدات والطاقة الشمسية وأنظمة الإنارة المؤقتة وغيرها من البدائل التي تكبدوها، بالإضافة إلى جميع المواطنين.
ويؤكد أستاذ الاقتصاد أن مشكلة التيار الكهربائي سياسية بامتياز حتى هذه اللحظة، وتتشارك فيها أطراف الانقسام مجتمعة وفي ظل عدم وجود أي حلول أو بدائل حقيقية تنهي هذه المعاناة المستمرة منذ عام 2006.



ويشير إلى أن الآونة الأخيرة شهدت أفكاراً من دولة قطر لتشكيل سلطة الطاقة وشركة توزيع الكهرباء عبر شخصيات مستقلة توافقية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة لدعم قطري من أجل تفعيل مشروع تمديد خط كهرباء 161 القادم من إسرائبل، لكن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اشترطت اقتطاع أموال هذا الخط من أموال المقاصة (الضرائب) التي يجري تحويلها إلى خزينة وزارة المالية في رام الله، في الوقت التي رفضت السلطة الفلسطينية ذلك.

ويضيف أبو مدللة أنّ محطة توليد الكهرباء يمكنها العمل بكامل طاقتها إذا جرى إعفاؤها من ضريبة "البلو" التي تفرضها وزارة المالية والهيئة العامة للبترول على السولار المورد لمحطة التوليد الوحيدة في القطاع المحاصر إسرائيلياً للعام العاشر على التوالي.
و"البلو" ضريبة مفروضة على المحروقات في الأراضي الفلسطينية، ويبلغ متوسط قيمتها قرابة 3 شواكل (0.77 دولار) على كل لتر من الوقود، ويجري تحصيلها من قبل وزارة المالية والهيئة العامة للبترول في مؤسسات السلطة الفلسطينية.

وأعفت الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله، وقود محطة التوليد من 80% من ضريبة البلو، في حين جرى الإبقاء على 20% منها، بالإضافة إلى مجموع من الضرائب الأخرى المفروضة على السولار الصناعي المورد لمحطة توليد كهرباء غزة.
ويؤكد نهاد نشوان، الخبير الاقتصادي، أن أطرافاً عدة تتحمل المسؤولية الكاملة عن أزمة الكهرباء، منها سلطة الطاقة في رام الله، ومحطة توليد الكهرباء بغزة، وشركة التوزيع، بالإضافة إلى المستهلكين في القطاع.

ويوضح نشوان لـ"العربي الجديد"، أن إجمالي ما يجري توليده من محطة توليد الكهرباء لا يتجاوز 10% من الاحتياج المطلوب، إذ لا يتجاوز إجمالي ما يجري توزيعه من عمل المحطة 46 ميغاواط وهو لا يلبي حاجة السكان.

ويشير إلى أن إجمالي ما تستطيع محطة توليد الكهرباء توفيره لا يتجاوز 100 ميغاواط، وهو أقل من ثلث احتياج السكان، أي أنها لا توفر إلا 22 ميغاواط من الطاقة المطلوبة لتوفير الكهرباء على مدار الساعة.



ويحمل نشوان المستثمرين القائمين على هذه الشركة مسؤولية شح الطاقة الصادرة عن المحطة، كونهم لم يعملوا على تطويرها أو تحديثها لزيادة حجم الطاقة، أو عقد أي شراكات مع أطراف مختلفة وشراكات خارجية لزيادة الطاقة الكهربائية.

وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن نحو 21 ميغاواط تفقدها شركة توزيع التيار الكهربائي بغزة من إجمالي الطاقة الواصلة من الخطوط الإسرائيلية والمصرية ومحطة توليد الكهرباء، بفعل أعمال السرقة وكذلك الكهرباء الواصلة للمساجد والمؤسسات الحكومية.

ويضيف أن سلطة الطاقة في رام الله لم تعمل طيلة فترة الأزمة على محاولة إعفاء وقود المحطة برام الله من الضرائب، إذ يقدر حجم الضرائب المفروض على السولار الصناعي بأكثر من 156% يجري دفعها من غزة لشراء الوقود.

ويحتاج القطاع إلى نحو 550 ميغاواط، لكن لا يتوفر منها سوى قرابة 222 ميغاواط في أحسن الأحوال، وتأتي من ثلاثة مصادر، وهي: محطة غزة بنحو 80 ميغاواط، وخطوط كهرباء قادمة من الاحتلال بمقدار 120 ميغاواط، وأخرى مصرية بـ22 ميغاوات.
وكان نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، قال في وقت سابق، إنه تم طرح الكثير من الحلول لكن السلطة الفلسطينية رفضتها جميعها تحت ذريعة السيادة، كان آخرها تحرك إماراتي لإنشاء محطة توليد كهرباء جديدة.

وأشار أبو مرزوق إلى أن البنك الإسلامي للتنمية رصد 100 مليون دولار لإنشاء محطة كهرباء تغذي قطاع غزة، وعطلتها السلطة ولم توافق عليها، بالإضافة لتحرك تركي للتعامل مع كل المشكلات، ورصدوا لذلك جهوداً ومبالغ مالية كبيرة لحل مشكلة الكهرباء، وكذلك الوعود القطرية سواء بمد خط الغاز وتجديد محطة الكهرباء وربط خط 161، إلا أن كل هذه المساعي تعطلت بسبب رفض السلطة.

المساهمون