بعد صدور نتائج الانتخابات الأوروبية وتشكيل التحالفات، تدخل دول الاتحاد الأوروبي في مرحلة جديدة من الصراع السياسي من أجل المناصب العليا لمؤسسات الاتحاد. وقد قال أحد المتنافسين على منصب رئاسة المفوضية الأوروبية، وهو زعيم الاشتراكيين الهولندي فرانس تيمرمانس، الأحد "صراع العروش سيبدأ لتعيين من سيحصل على تلك الوظيفة".
وبدأ الزعماء الأوروبيون عملية تفاوض من المنتظر أن تكون طويلة وشاقة؛ من أجل تحديد الرؤساء الجدد للاتحاد الأوروبي. وعقب التقاء زعماء 28 دولة أوروبية على مأدبة عشاء، في اجتماع غير رسمي، أمس الثلاثاء، ببروكسل، عقد دونالد توسك، رئيس المفوضية الأوروبية مؤتمراً صحافياً، ذكر فيه أن نسبة المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة كانت هي الأكبر على مدار الـ25 عاماً الأخيرة، معرباً عن امتنانه لذلك.
ولفت المسؤول الأوروبي إلى أن البرلمان الأوروبي وفق نتائج الانتخابات الأخيرة، أخذ شكلاً يمكّنه من تمثيل الناخبين بشكل جيد، موضحاً أن "البرلمان سيعكس بشكل أفضل الاختلافات القائمة على الحساسيات الوطنية".
وشدد توسك على ضرورة حصول الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية على مصادقة البرلمان الأوروبي، والمفوضية، باعتبار أن ذلك من الأمور المنصوص عليها في الاتفاقيات المؤسسة للاتحاد.
وأشار إلى أن الفترة المقبلة ستشهد بدء مشاورات مع المجلس الأوروبي الذي يمثل الدول الأعضاء بالبرلمان والاتحاد الأوروبيين؛ من أجل تحديد رؤساء المؤسسات الأوروبية المختلفة.
وتتركز المواجهة على رئاسة المفوضية الأوروبية لأن من سيُنتخب لتولي هذا المنصب يجب أن يحصل على دعم رؤساء الدول والحكومات والغالبية المطلقة في البرلمان الأوروبي أي 376 صوتاً.
وحدّدت الكتل السياسية في البرلمان الأوروبي مرشحيها وقد رفض رؤساء هذه الكتل، صباح الثلاثاء، أي ترشيح خارجي في إعلان تم تبنيه قبيل اجتماع لرؤساء الدول والحكومات في بروكسل.
ورفضت الكتلة الليبرالية التي تنضوي في إطارها لائحة "النهضة" المدعومة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعم هذا الإعلان، لكن عدد النواب الموقعين من الحزب الشعبي الأوروبي (يمين) والاشتراكيين والخضر، يبلغ 395 وبوسعهم تهميش الكتلة الليبرالية.
وأُبلغ توسك بموقف البرلمان الذي سينقله إلى القادة الأوروبيين أثناء قمة استثنائية تُعقد لاستخلاص العبر من الانتخابات الأوروبية التي اتّسمت بنسبة مشاركة بلغت أكثر من 50 بالمئة، ما يعزز شرعية هذا المجلس.
وسيكون لدى توسك أقل من شهر للتوصل إلى اتفاق بين الهيئتين الأوروبيتين قبل قمة 20-21 يونيو/حزيران.
وقال أحد المتنافسين على منصب رئاسة المفوضية الأوروبية، وهو زعيم الاشتراكيين الهولندي فرانس تيمرمانس، مساء الأحد "صراع العروش سيبدأ لتعيين من سيحصل على تلك الوظيفة". إلا أن الإشارة إلى مسلسل "صراع العروش" نذير شؤم لأن قصته قائمة على خيانات ومؤامرات ومجازر وكانت خاتمته مفاجئة حتى أنها خيبت آمال متابعيه. وقد تثبت المواقف التي أعلنت قبل القمة أنه محق.
ويطالب اليمين المؤيد لأوروبا وهو الحزب الشعبي الأوروبي، بمنصب رئاسة المفوضية في بروكسل لمرشحه البافاري مانفريد فيبر. وقال زعيم الحزب الشعبي الأوروبي جوزيف دول مساء الأحد "فزنا بالانتخابات وسيكون مانفريد فيبر رئيس المفوضية".
وسيجمع الحزب هيئاته وسبعة من أصل ثمانية رؤساء دول وحكومات ينتمون إلى الخط السياسي نفسه لإعلان دعمه فيبر قبل القمة الاستثنائية. وأعلنت زعيمة الحزب المحافظ الألماني (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) أنيغريت كرامب-كارينباور أن "مانفريد فيبر في موقع قائد وسنساعده للحصول على أكثرية في البرلمان الأوروبي".
تجنب أزمة
لكن الحزب الشعبي الأوروبي ضعف إذ خسر أربعين مقعداً بينها 29 كان يشغلها الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي في بافاريا، في حين أن البرلمان النمساوي سحب الثقة من المستشار سباستيان كورتز الاثنين. أما رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي علقت عضويته في الحزب الشعبي الأوروبي (والقائد الثامن الذي لن يحضر الاجتماع)، فيعارض تعيين مانفريد فيبر.
وسيحاول عدد من القادة إقناع الحزب الشعبي الأوروبي بالتخلي عن مرشحه لتجنب أزمة. ويقود حركة التمرد هذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي خرج هو أيضاً ضعيفاً من الانتخابات الأوروبية.
وتعليقاً على معارضة ماكرون، قال مسؤولون عدة في الحزب الشعبي الأوروبي لوكالة "فرانس برس"، إن "ماكرون خسر معركته ضد مارين لوبان". وبهدف تشكيل هذه الغالبية الجديدة، يعتمد ماكرون على دعم رؤساء الدول والحكومات الثمانية من الخط الليبرالي وسيسعى للحصول على تأييد القادة الاشتراكيين الخمسة.
واستقبل ماكرون، مساء الاثنين، على مأدبة عشاء زعيمهم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الذي خرج منتصرا من الانتخابات. وأبدت مدريد استعدادها لتشكيل تحالف بين الاشتراكيين والليبراليين الأوروبيين.
ويفترض أن يلتقي أيضاً ماكرون قبل القمة الأوروبية المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي دعمت فيبر في الحملة لكنها ليست مؤيدة لنظام "مرشح مختار".
وسيتغير مسؤولو خمس هيئات في الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر القادمة: رئيس البرلمان في مطلع يوليو/تموز، ورئيس المفوضية ووزير الخارجية الأوروبية وحاكم المصرف المركزي الأوروبي في نوفمبر/تشرين الثاني ورئيس المجلس في مطلع ديسمبر/كانون الأول.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان "يجب أن تكون في كلا المنصبين (رئاستا المفوضية والمجلس) شخصيتان تتمتعان بالحضور (...) وتمثلان أيضاً حالياً النفوذ الأوروبي"، وهو وصف يستبعد فيبر الذي لم يشغل يوماً منصباً حكومياً.
ويستعد البرلمان الأوروبي أيضاً للمواجهة. ويحتج المنتصرون في الانتخابات الأوروبية، وهم الليبراليون والخضر، على تلقائية تعيين مرشح الكتلة الأقوى. لكن لا يريدون أن يفرض عليهم مرشح يختاره القادة الأوروبيون.
ويفترض أن يحصل خلف جان كلود يونكر لرئاسة المفوضية الأوروبية، الذي كان "أبرز مرشحي" الحزب الشعبي الأوروبي" عام 2014، على الغالبية المطلقة في البرلمان الأوروبي أي 376 صوتاً، لذلك يجب أن يحصل على أصوات المكونات الثلاثة الرئيسية للبرلمان المتمثلة في: الحزب الشعبي الأوروبي والاشتراكيين والليبراليين.
وبالتالي فإن فرص وصول فرانس تيمرمانس ومرشحة الليبراليين الدنماركية مارغريت فيستاغر معدومة إذا أصر الحزب الشعبي الأوروبي على مانفريد فيبر.
أما في حال انسحاب هذا الأخير، فسيكون هناك ضرورة للتوصل إلى اتفاق بين الاشتراكيين والليبراليين لانتخاب أحد مرشحيهما. وقال قادة الحزب الشعبي الأوروبي "لم يعقد أي حلف بين الليبراليين والاشتراكيين".
وأكد مسؤول في الحزب الشعبي الأوروبي لوكالة الأنباء الفرنسية أن "مفاوضات ستبدأ لتوزيع المناصب وفي النهاية، الجميع سيكون راضيا، إذ سيتم التوصل إلى اتفاق".
والخميس الماضي، دعي أكثر من 400 مليون ناخب في جميع الدول الـ28 الأعضاء بالاتحاد الأوروبي للتصويت واختيار 751 عضواً في البرلمان الأوروبي.
ووفق نتائج الاقتراع، الذي انتهى الأحد، احتفظ حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط) بمكانته القيادية رغم فقدانه أكثر من 30 مقعداً، فيما تلقى الاشتراكيون والديمقراطيون في يسار الوسط ضربة قوية، لكنهم حافظوا مع ذلك على المركز الثاني.
(فرانس برس، الأناضول)