بحر غزة ملوث

05 مايو 2017
قد يحرمان من بحرهما (محمد الحجار)
+ الخط -
هذا الصيف لن يحظى الغزيون ببحر نظيف يستجمون فيه أو يجلسون على شاطئه فهو باختصار ملوث. أعلنت بلدية مدينة غزة (شمال قطاع غزة) أنّه في حال استمرت أزمة انقطاع التيار الكهربائي إلى جانب ظروف الحصار الخانق، ستمنع، بالتعاون مع الجهات المختصة، المواطنين من الاصطياف والسباحة في البحر، تفادياً لأيّ ضرر بصحتهم.

لاقى هذا التصريح انزعاجاً كبيراً في صفوف الغزيين، فبحر غزة متنفسهم الوحيد، بالنظر إلى محدودية أماكن التنزه وقلّتها وعدم قدرة كثير من العائلات على دفع مبالغ للتوجه إلى مسابح خاصة أو مناطق ترفيه. ويأتي ذلك في ظل أزمات عدة تعتبر الأشد منذ أكثر من 10 سنوات من الحصار، فالكهرباء في منازلهم لا تصل أكثر من 4 ساعات يومياً، والمياه الموزعة من البلديات تعمل مرة واحدة أسبوعياً لساعات محددة. تلوث البحر يزيد أزماتهم.

مدير دائرة المياه والصرف الصحي المهندس ماهر سالم يقول لـ"العربي الجديد" إنّ بلدية غزة تعمل فيها 65 بئر مياه، و11 مضخة صرف صحي، ومحطة واحدة لمعالجة المياه، وهذه المنشآت تعمل بالكامل على الكهرباء، لكنّ عجز الكهرباء وصل إلى أكثر من 80 في المائة.

وضعت بلدية غزة خططاً لتقديم الخدمات ومحاولة تفادي الأزمة، ووفرت مادة السولار لتشغيل مولداتها لكنّ الموارد تكفي لتلبية حاجة شهرين فقط، بشرط استمرار الجدول الحالي الذي ينص على تشغيلها 4 ساعات يومياً فقط. يقول سالم إنّ اشتداد الأزمة سيضطر البلدية إلى وقف معالجة مياه الصرف الصحي، ما يعني ضخ مياه غير معالجة إلى شاطئ بحر غزة.

يعلق: "في حال توقفت المعالجة، سينشأ تلوث كبير في المياه وعلى الشاطئ، ما سيؤدي إلى منع المواطنين من التوجه إلى الشاطئ، ومنع الاصطياد في معظم مناطق بحر غزة".

يشير إلى أنّ شبكة الصرف الصحي تغطي 90 في المائة من احتياجات مدينة غزة التي يسكن فيها 700 ألف نسمة، ويزيد العدد نهاراً إلى مليون نسمة يستخدمون المرافق العامة.

لم يكن هذا التصريح وحده المقلق للغزيين، فأتى بيان آخر ليؤكد أنّ الأزمة تحولت إلى كارثة. فقد حذرت مصلحة مياه بلديات الساحل في قطاع غزة المواطنين من السباحة في البحر وارتياد الشواطئ هذا الصيف، بسبب تفاقم أزمة التيار الكهربائي، وعدم تمكن مصلحة المياه والبلديات من معالجة مياه الصرف الصحي قبل ضخها إلى مياه البحر.

(محمد الحجار) 


أضافت أنّ هناك بعض المواقع لا يجوز فيها السباحة مطلقاً، لعدم اكتمال معالجة مياه الصرف الصحي، مع خشية على صحة الأطفال وكبار السن الذين هم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض والفيروسات. وذكرت أنّ نحو 110 آلاف كوب من الصرف الصحي يجري ضخها يومياً في مياه البحر عبر 13 مضخة من رفح جنوباً حتى بيت لاهيا شمالاً.

المهندس والباحث في الشؤون البيئية أحمد الدسوقي الموجود حالياً في الضفة الغربية، يسافر كلّ عام إلى قطاع غزة لإجراء بعض الدراسات والبحوث حول الأزمات البيئية لصالح عدة منظمات دولية. يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ بحر غزة ملوث منذ سبع سنوات لكنّ نسبة التلوث كانت أقل من العام الحالي.

يضيف أنّ التلوث يعدم التنوع النباتي داخل قاع البحر ويخرج الكثير من الطحالب إلى الشاطئ في طول ساحل البحر بسبب المواد الكيميائية. يشير الدسوقي إلى أنّ نسبة تلوث شاطئ مدينة غزة وحدها نحو 80 في المائة، لكن في بقية المحافظات الساحلية فإنّ النسبة 55 في المائة. ويعتبر أنّ شواطئ بحر القطاع ككلّ من الأعلى تلوثاً في العالم بفعل المياه العادمة.

(محمد الحجار) 


أحمد الطويل أحد المواطنين الذين يرتادون كورنيش بحر غزة وشاطئه مع عائلته. يستغرب هذه التصريحات ويقول: "نأتي إلى البحر ثلاث مرات أسبوعياً بسبب انقطاع الكهرباء في المنزل، فبدلاً من الجلوس في الظلام نجلس تحت أضواء شارع البحر والكورنيش ويلعب الأطفال أمامنا". يقول لـ"العربي الجديد": "جميع سكان قطاع غزة يعتبرون أنّ البحر ينسيهم همومهم، وأنا واحد منهم. فحتى لو كان البحر ملوثاً سأجلس أمام شاطئ البحر، للاستمتاع بالهواء، خصوصاً أنّني غير قادر على دفع مبالغ للمسابح أو غيرها من أماكن الاستجمام".

(محمد الحجار) 


لا تقتصر هذه المشكلة على المتنزهين، بل تمتد إلى الباعة المتجولين الذين ينتظرون فصل الصيف لأنّه مصدر رزق لعام كامل، فمنهم من ينشئ بسطة صغيرة يبيع عندها، ومنهم من يعمل على عربة يبيع عليها الألعاب أو المسليات أو المشاوي، أو يبيع المثلجات. مع هذه الأزمة سيضطرون إلى البحث عن مصدر رزق آخر وإلاّ الجلوس في المنزل.

محمد شاهين أحد هؤلاء. يبيع على عربته البطاطا الحلوة ومسليات الأطفال. موسم عمله يمتد من مايو/ أيار حتى أكتوبر/ تشرين الأول عادة. الأرباح التي يجنيها تكفيه مع أسرته لباقي شهور العام التي لا يعمل فيها. يقول لـ"العربي الجديد": "البحر مجاني أمام جميع الباعة ولا ضرائب، لكنّ هذه الأزمة تضربنا في الصميم خصوصاً أنّني مسؤول عن عائلة من سبعة أفراد. سأبحث عن مهنة أخرى، ولو كعامل لدى آخرين".

المساهمون