بحث عقوبات "تمييزية" مضاعفة تستهدف مجرمي "غيتوهات" الدنمارك

26 فبراير 2018
القانون لا يسري على الجميع بالتساوي (ناصر السهلي)
+ الخط -
تناقش الحكومة الدنماركية، اليوم الإثنين، مقترح قانون "تمييزي" يطالب بإنزال عقوبات جنائية مضاعفة على مرتكبيها الذين يعيشون في تجمعات سكنية "غيتوهات"، ويشكلون ما يُعرف بالمجتمع الموازي، وغالبيتهم من أصول مهاجرة، مقارنة بالمواطن الدنماركي خارجها، تمهيداً لحزمة تشديدات تُعرض الخميس المقبل.

وعرض وزير العدل، سورن بابي بولسن، من حزب المحافظين المتحالف مع حكومة لارس لوكا راسموسن من الليبراليين المحافظين، مقترحه الذي أثار جدلاً كبيراً وُصف على الأقل بـ"تمييزي وسياسي بامتياز".

وتتوالى ردود الأفعال في كوبنهاغن والمدينة الثانية آرهوس، وسط غرب البلاد، المنددة بـ"ضرورة معاقبة المجرمين في تلك التجمعات السكنية (التي يغلب على قاطنيها مواطنون من أصول مهاجرة) بضعف ما يحكم على غيرهم في بقية المناطق". على اعتبار أنها "الأكثر عرضة للمشاكل الاجتماعية"، وتعاني بحسب قاطنيها من إهمال ومشاكل مترافقة مع التصنيف.

ويقول الشاب حسان لـ"العربي الجديد"، وهو من الشباب الذين يقطنون في تلك المناطق: "يمكن أن ترسل مائة طلب توظيف، فلا يرد عليك سوى شركة تعتذر عن توظيفك". ويشرح الشاب المولود في منطقة برابراند قبل 20 عاماً، وهو من أصول عربية أنه "بمجرد أن يقرأ مستلم الطلب محل إقامتك يهمل طلب توظيفك، ولو كانت مؤهلاتك بنفس مستوى غيرك".


الأمثلة المشابهة لا تقتصر على القاطنين من أصل عربي فقط، وإنما دنماركي أيضاً. وتذكر السيدة الدنماركية بيرغيتا، لـ"العربي الجديد"، أنها عانت مع شركات التأمين "فتأمين سيارتي أكبر بكثير من تأمين سيارة أختي التي تعيش في قرية صغيرة".

وتعيد بيرغيتا هذا الأمر إلى "هيستيريا تصنيف الغيتو وإلحاقه بقوانين تعد إشارة لبقية المجتمع ومؤسساته، بوضعنا جميعا، بناء على الرمز البريدي (رمز لكل منطقة سكنية يكشف عن المكان الذي يسكنه الباحث عن تأمين شقة وسيارة وغيرهما) في سلة واحدة، ويأتي المقترح الجديد ليعطي إشارة أسوأ مما كان سابقا، وكأن نسبة قليلة جدا من الجنائيين يتحولون إلى أغلبية على الورق فنعاقب جميعا".

ومقابل هذه الآراء المنتقدة لـ"التركيز السلبي على التجمعات التي فيها شبان من أصول مهاجرة"، يرى قاطنون آخرون في المناطق المصنفة "غيتو" بأن "الحكومات والشرطة تأخروا كثيرا في التصرف بشدة، وللأسف تطلق الشرطة في كثير من المرات الشبان الجنائيين، المعروفين في محيطهم بالاسم والشكل، ليرتكبوا المزيد من المشاكل تصل إلى إطلاق النار، وكأن المطلوب بقاء الوضع على ما هو عليه. فمنذ 20 عاماً والصغار يقلدون هؤلاء الشباب حتى باتوا هم خارجين عن القانون"، وهو رأي يذكره عادل وصديقة سيمون في ضواحي آرهوس.

مقترح القانون تمييزي ضد سكان مناطق محددة (ناصر السهلي) 



ولا يختلف الأمر كثيراً في مليو باركن، في ضواحي نوربرو في كوبنهاغن، حيث يعاني السكان من "انتشار العصابات والاحتراب على مناطق النفوذ. والمثير أنك أمام يافعين كلهم من أصول غير دنماركية، وينغصون حياة الأغلبية، وسط تراخٍ أمني أراه مقصودا"، بحسب موظف عربي وناشط يعمل في برامج وقاية بين الشبيبة التي من "المحتمل انخراطها في العصابات".

وبالنسبة لمسؤول مجلس سكان منطقة مليو باركن، محمد إسلام، فإن المقترح قيد النقاش "فيه إشارة إلى أن القانون لا يسري على الجميع بالتساوي". والأخطر في رأيه "أن يبدو كأننا أمام مقترح فيه تقسيم طبقة "ألف" وطبقة "باء" في مجتمعنا، والتمييز يبدو أنه يخرج عن الحدود، وهذا يجعلني لا أستطيع التعرف على ديمقراطيتنا أو احترام الناس".

تشديد العقوبات يخل بقواعد المساواة(ناصر السهلي) 

الانقسام حول "تشديد الجهد الحكومي والعقوبات" ينتقل إلى المستوى الحقوقي والسياسي. فما ترغبه الحكومة هو "نشر 3 محطات شرطة متنقلة لكل منطقة غيتو"، وفقا لما رشح من المبادرة التي ستناقش رسميا الخميس المقبل.

بالنسبة إلى كيلد ألبيركستن، المسؤول في شركة سكن براباند، فإن "مقترح مضاعفة الأحكام مخيف، كأنه إشارة للراغبين في الانتقال إلى المنطقة بأنها غير آمنة"، وهي منطقة صرفت المليارات لتحسين وضعها وشوارعها وبنيتها التحتية لجذب سكان دنماركيين، بعد أن هيمنت على قاطنيها الأصول العربية والتركية.

الأمر عينه بالنسبة لمسؤول اللجنة المحلية في نوربرو، بضواحي كوبنهاغن، موينز بيترسن، الذي يخشى أن تؤدي سياسة العقاب الصارم بحق سكان مناطق محددة إلى "غياب الاحساس بأنك في مجتمع قانون وعدالة، هذا مدهش جدا لي ولغيري، فكيف تعاقب شبابا على اختيار أهاليهم للعيش في منطقة معينة؟". ويضيف "من الغريب جدا أن يعاقب مروج حشيش في منطقة مليو باركن بضعف ما يعاقب عليه مروج في منطقة فيلات في فريدرسبيرغ".

عقوبات مختلفة للجرائم والجنايات ذاتها(ناصر السهلي) 


ويعتبر اليسار الدنماركي تلك المقترحات أنها "تمييزية". وينتقد "مساومات الحزب الاجتماعي الديمقراطي لتصويته على هذا التشديد، الذي لا علاقة له بدولة القانون والمساواة".

ويعارض محامون مهتمون بالمساواة بين المواطنين بغض النظر عن الخلفية، ما يسمونه "قوانين تمييزية في دولة القانون".

أما وزير العدل، سورن بابي بولسن، فيسعى إلى تشديد قانون الهجرة، ومحاربة ما يسمونه "الغيتو والمجتمعات الموازية في الدنمارك، كجزء من سلة مقترحات متكاملة في المجال". وذلك من خلال تشديد الأحكام المرتبطة بالسرقات والتخريب ومخالفة القوانين ومضاعفتها عن مناطق أخرى. وهي مقترحات متوالية ضمن سياسة يمين الوسط، واليمين المتشدد المبادر منذ سنوات في "حزب الشعب".

ويصف المحامي الناشط في قضايا الحقوق المدنية، هيليا راتز، لـ"العربي الجديد"، تلك المقترحات، بأنها "لا تتماشى مع الدستور ودولة العدالة". ومثله تقول المحامية والناشطة الحقوقية في مركز "جستيتيا" الحقوقي، بيرغيتا أرنيت أريكسون، لوكالة الأنباء "ريتزاو"، الإثنين، إن "إحدى قواعد القانون مساواة الجميع أمامه". وتضيف أريكسون "إذا كنت تريد تشديد قوانينك فعليك أن تشددها على الجميع في البلد".
المساهمون