امتلاك منزل خاص أمر أساسيّ بالنسبة إلى كثيرين، غير أنّ أسعار العقارات المرتفعة وأزمة قروض الإسكان التي يشهدها لبنان أخيراً تجعل مواطنين كثراً يرضون بـ"الإيجار"... على مضض
هل تبحث عن شقّة/ بيت للإيجار في بيروت؟ لا داعي للقلق. الخيارات مفتوحة أمامك. إلى جانب الأصدقاء الذين قد تسألهم عن "شيء مناسب" من حولهم، ومكاتب السماسرة الصغيرة في الأحياء أو تلك الكبيرة التي صارت مؤسّسات مربحة لأصحابها، في الإمكان تصفّح مواقع إلكترونيّة متخصّصة في هذا المجال. الأمر صار شائعاً في زمن التكنولوجيات الجديدة. كذلك، في إمكان أحد أصدقائك الافتراضيّين أن يدعوك إلى إحدى المجموعات المغلقة الخاصة بالمؤجّرين والمستأجرين على موقع "فيسبوك" مثلاً، أو في إمكانك طلب الانتساب - المجّاني بالتأكيد - إليها، فتردك بالتالي إشعارات كلّما أضاف أحد الأعضاء عرضاً جديداً، فيما تستطيع بدورك أن تعلن عن حاجتك بالتفصيل.
صفة "المؤقّت" في العقارات المستأجرة لا بدّ من أنّها تؤرّق من يرغب في "الاستقرار" أو في "استقرار ما"، غير أنّه لا مفرّ من اللجوء إلى المؤقّت على أمل النجاح مستقبلاً في الحصول على ما هو "دائم". والبحث عمّا هو مؤقّت لا بدّ من أن يختلف عن التفتيش عمّا هو دائم، لجهة الشروط والمساومات، لا سيّما التنازل عن بعض ممّا يمكن وصفه بالبديهيّات أو المسلّمات بالنسبة إلى الباحث عن مسكن. بالتالي قد تجد نفسك مضطرّاً إلى الرضوخ لما هو "الحدّ الأدنى"، وأقلّ أحياناً، أو لما يفوق قدرتك الماليّة بمرّات ومرّات.
"شقّة مجدّدة/ مرمّمة في الأشرفيّة، على بعد دقائق من وسط بيروت. موقع مميّز. غرفة نوم وصالون وغرفة طعام وحمّامان ومطبخ وشرفة. مفروشة بالكامل ومجهّزة بكلّ الأدوات الكهربائيّة. 900 دولار أميركيّ". يبدو الإعلان مغرياً، لا سيّما أنّ الصور المرفقة به تظهر أثاثاً ما زال مغلّفاً بالنايلون وأرضيّة برّاقة. تتّصل الشابة برقم الهاتف المدوّن وكلّها أمل ألا تكون الشقّة قد أُجّرت. ما زالت شاغرة، فتأخذ موعداً سريعاً من صاحبها. لشدّة حماستها، سها عن بالها السؤال عن توفّر مصعد وموقف خاص للسيّارة وتفاصيل أخرى بديهيّة. كانت تلك الشقّة الأولى التي تعجبها، بعد خيبات عدّة، وتسرع إلى رؤيتها.
تصل إلى العنوان المحدّد. ثمّة مبنى شبه متهالك. تعيد الاتصال بصاحب الشقّة، فيؤكّد لها أنّها "وصلت". يبدو أنّ التجديد/ الترميم لم يطاول المبنى، وتحاول غضّ الطرف. الشقّة في الطبقة الرابعة، والمصعد معطّل منذ مدّة، علمت لاحقاً بأنّها تجاوزت العامَين، لكنّ الأمر يستحقّ العناء فالشقّة بدت "رائعة" في الصور. عند المدخل، يرحّب رجل ستّينيّ بالمستأجرة المحتملة، فيما تنبعث رائحة عفن من الداخل. يبدأ حديثه بالمال الذي أنفقه على تجديد/ ترميم شقّته هذه، وينطلقان في جولتهما. الأرضيّة ليس برّاقة، فالغبار يغطّيها، فيما التصقت بها أوساخ مختلفة في بقع معيّنة. أثاث المنزل هو نفسه الظاهر في الصور، غير أنّه مستهلك. أين ذهبت أغطية النايلون؟! جهاز التكييف يصدر صوتاً غريباً، فيحاول الرجل استدراك الأمر قائلاً: "أرسله في اليومَين المقبلَين إلى ورشة الصيانة".
تنتهي الجولة في المنزل، والشابة لم تنطق بكلمة واحدة. من جهة، لم يسمح الرجل الستّينيّ لها بذلك نظراً إلى ثرثرته، ومن أخرى كانت لا تزال تحت وطأة الصدمة. "متى جدّدت الشقّة سيّد كريم؟". أخيراً، يخرج سؤال. كان ذلك قبل خمسة أعوام، بحسب ما يجيب. تشعر بشيء من الإحراج إزاء إبداء امتعاضها من عدم ذكر ذلك في الإعلان الذي يوحي بأنّ الأمر تمّ حديثاً... فتصمت. يضيف الرجل أنّ "عائلتَين فقط توالتا على السكن في الشقّة. كما ترين، ما زالت جديدة". تبتسم له، تشكره على وقته الثمين، وتؤكّد له أنّها سوف تتّصل به في اليومَين المقبلَين لبتّ الأمر. "لا تتأخّري، حتى لا تضيّعي الفرصة".
بالنسبة إلى أصحاب العقارات، كلّ واحدة من شققهم "فرصة". هذا ما سلّمت به الشابة بعد تجارب عدّة تتشابه إلى حدّ ما.
ما بين الخديعة، عبر عرض صور غير دقيقة كليّاً، بهدف الإيحاء بأنّ الشقّة/ البيت "لقطة" لا يجب تفويتها، وبين الطلبات التعجيزيّة التي تفرض على المستأجر سداد أشهر ثلاثة أو أربعة أو حتى ستّة كمقدّم من دون احتساب عمولة السمسار، إذا كان المالك قد لجأ إلى خدماته، فإنّ الباحث عن شقّة في بيروت لا يُحسَد على ما هو فيه. العمليّة شاقة من النواحي كافة... هي بالفعل كذلك، لا سيّما إذا كان ذلك الباحث في حاجة ملحّة إلى سكن.
والباحث عن شقّة/ بيت للإيجار لا بدّ من أن يضع جدولاً ينظّم فيه "زياراته" للشقق المعروضة لذلك الغرض والمحتملة كسكن "ملائم". الأمر يتطلّب تفرّغاً، لا سيّما أنّ التنقّل في شوارع العاصمة ليس ميسّراً بفعل زحمة السير الخانقة التي لا مواقيت محدّدة لها. وإذا بلغ الراغب في الإيجار مقصده، لا بدّ من أن يبحث عن مكان شاغر لركن سيارته، في حال كان يملك واحدة. وهنا "معضلة" لا بدّ من التنبّه إليها. أصحاب الشقق لا يوفّرون عادة مواقف لمستأجريهم، وإذا فعلوا فإنّهم يرفعون حكماً بدلات الإيجار، ويمنّنون المستأجر المحتمل بذلك. ربّما ذلك حقّ لهم في وقت يصعب العثور على مرائب للسيارات في أنحاء مختلفة من المدينة. يبدو أنّ كلّ شيء مباح لهم. النظام الاقتصادي في البلاد يتيح لهم ذلك من جهة، ومن أخرى حاجة الناس إلى سكن في العاصمة. "كلّ شيء بثمنه"... عبارة تتكرّر على ألسنة الملّاك. يبدو أنّها صارت من أدبيّات سوق العقارات وأسواق أخرى كثيرة.