باينده محمد... أفغاني سبعيني يشقى من أجل لقمة العيش

07 أكتوبر 2018
تجاوز السبعين (العربي الجديد)
+ الخط -

عندما يبلغ المرء السبعين من عمره، يكون قد حان موعد استراحته بعد كدّ استمرّ لعقود. لكنّ باينده محمد ليس من هؤلاء الذين قُدّر لهم أن يرتاحوا في شيخوختهم

الحياة في أفغانستان قاسية جداً خصوصاً في حالة الفقراء ومحدودي الدخل، لكنّ كثيرين من بينهم يكافحون يوماً بيوم سعياً لتأمين قوت عائلاتهم بكرامة من دون أن يمدّوا يوماً أيديهم تسولاً أو سرقة، على الرغم من أنّ بعضهم وصل إلى سنّ التقاعد. الحياة بالنسبة لهم رحلة كفاح مستمرة حتى آخر الأنفاس. من هؤلاء باينده محمد.

لم يكن باينده محمد قد بلغ العشرين من عمره عندما توجّه إلى سوق العمل وراح يمارس أعمالاً اختلفت ما بين شاقة وخفيفة، وهدفه تأسيس عائلة وإنجاب أبناء يسندونه. لكنّه لم يدرِ حينها أنّه في شيخوخته، سوف يجد نفسه محتاجاً إلى لقمة عيش. اليوم، ينجح حيناً في تأمين حصّة طعام له، وفي أحيان أخرى يذهب إلى النوم من دون أيّ طعام، ليبقى سنده الأول والأخير التوكّل على الله، بعدما صار مسؤولاً عن ثلاثة من أحفاده الصغار الذين خسروا والدهم وبقوا أمانة في عنقه جدهم لوالدتهم.




في الصباح الباكر، يخرج باينده محمد البالغ من العمر 72 عاماً من منزله، بعد تناوله وجبة الفطور، شاي أخضر مع سكّر أو من دون سكّر بالإضافة إلى خبز أفغاني. ويقصد دكانه الصغير، وهو كناية عن غرفة خشبية، حيث يستغرق ساعة على أقلّ تقدير كي يخرج أغراضه منه ويعرضها للأطفال.

منذ الصباح وحتى موعد صلاة المغرب، يجلس باينده محمد أمام دكانه، ليكسب ما بين 200 أفغانية (نحو 2.70 دولار أميركي) و 300 أفغانية (نحو أربعة دولارات). لكنّ هذا لا يكفيه لتوفير وجبة واحدة لأحفاده، بالتالي فإنّ قلق الرجل الوحيد في الوقت الراهن هو أن يوفّر لأسرته قوت يومها وأن يحتفظ بشيء ممّا يكسبه من أجل دوائه ودواء زوجته.

يقول باينده محمد: "همّي الوحيد في الوقت الراهن هو أن أعيش ما تبقى من حياتي بكرامة ومن دون أن أمدّ يدي إلى أحد. أتعب جداً عندما أبقى جالساً طوال النهار، وأشعر بألم شديد في ظهري ورقبتي. وعلى الرغم من أنّني في بعض الأحيان لا أكسب أيّ شيء طوال النهار، فإنّني أصرّ على الاستمرار. سوف أعمل ما دامت في جسدي قوّة تدفعني إلى الخروج من المنزل، وعدم البقاء مكتوف اليدَين". ويشرح: "أتعب جسدياً عندما أعمل طوال النهار عند قارعة الطريق، ولكنّني أرتاح معنوياً عندما أكسب قوت عائلتي"، مؤكداً أنّ "أسرتي تعاني كثيراً وقد باتت محرومة من احتياجات أساسية كثيرة. وأنا لا أرغب في حياة الرفاهية بل فقط تأمين خبز في نهاية اليوم".

أنجب باينده محمد وزوجته سبعة أولاد، ست بنات وابناً واحداً هو الأصغر. البنات تزوّجنَ جميعهنّ، لكنّ وفاة زوج ابنته البكر جعلتها تعيش مع أولادها الثلاثة في منزل والدها. "ليس لديها بعد الله إلا أنا"، بحسب ما يقول الجدّ. أمّا ابنه خالد البالغ من العمر 22 عاماً، فلديه اضطراب عقلي، ولا يتوقع والده أن يعمل في يوم. همّه أن يبقى ابنه في المنزل من دون شجارات مع الجيران والأقارب.



بالنسبة إلى باينده محمد، فإنّ "المشاكل التي واجهتها في حياتي كبيرة، لكنّ ما أرهقني كثيراً هو وفاة صهري التي جعلت ابنتي وأولادها في ذمّتي وأنا في حال لا تسمح لي بفعل الكثير لها. كذلك تقلقني جداً حالة ابني الوحيد. هو سليم من الناحية الجسدية، لكنّه مريض نفسياً. وربّما فقري وحال الأسرة المعيشية كان لهما تأثير في مرضه".

يصرّ باينده محمد على تعليم أحفاده الصغار، فيقصدون المدرسة في الصباح، وعند عودتهم منها في وقت الظهيرة يحملون له وجبة الغداء، ويبقون معه. فيساعدونه في نقل البضائع، ويحلّون محلّه عند أداء صلاة الجمعة. ويؤكد أنّهم "يساعدونني، ولولاهم ما كنت لأتمكّن من مواصلة هذا العمل المتواضع". يضيف الجد: "في بعض الأحيان، عندما أرى أولاد ابنتي يساعدونني، أحزن. فهؤلاء الصغار يُحرمون من وقت لعبهم وتجوّلهم في الشوارع، خلافاً لحال الأطفال الآخرين. هم للأسف، لا يستطيعون القيام بذلك".

في السابق، كان باينده محمد يدفع ثلاثة آلاف أفغانية (نحو 40 دولاراً) بدل إيجار المنزل الذي يسكنه وعائلته. لكنّ واحداً من أقاربه أمّن له غرفتَين كان قد بناهما لحارس له. وهذا الأمر ساعده كثيراً، إذ إنّه لم يعد مضطراً إلى دفع بدل إيجار. كذلك فإنّ قريبه يسدد رسوم الكهرباء ويساعده في أمور الحياة الأخرى، ولولاه كان من الصعب جداً عليه أن يكمل حياته هو وعائلته.




من جهة أخرى، تساعده زوجته في المصاريف، فهي تعمل خبازة في داخل المنزل. الناس يحضرون الدقيق لها، وهي تخبز في مقابل أجرة. وهذا الأمر لا يساعد فقط في كسب بعض من المال، بل يوفّر الخبز للعائلة، فلا تحتاج بالتالي إلى شرائه في معظم الأحيان. كذلك، فإنّ ثمّة مساعدة يقدّمها له أصحاب المحلات الموجودة بالقرب من الغرفة الخشبية الصغيرة التي يعدّها دكاناً له ويبيع فيها بضائع تهمّ الأطفال. وفي حين يمدّه بعضهم بالمال، يعمد آخرون إلى شراء البضائع الخاصة بالأطفال، في حين أنّ ثمّة من يقدّم له ما تحتاج إليه أسرته من طعام وغيره.