مقارنة بأفلامه الأخيرة، وآخرها "قصص ميروفيتز" (2017)، يتّضح أن جديد الأميركي نواه باومباخ (1969)، "قصّة زواج" (2019)، المنتمي إلى الدراما الاجتماعية الرومانسية الكوميدية، هو أفضل ما قدّمه حتى الآن، في إطار أفلام يغلب عليها الطابع الاجتماعي، وتتمحور أساسا حول موضوع الأسرة، مع التركيز، بين حين وآخر، على العلاقات الرومانسية، ومشاكل الارتباط، والعلاقات الزوجية، لا سيما بين الشباب، أو من هم في منتصف العمر.
معروف أنّ نواه باومباخ يكتب دائما سيناريوهات أفلامه، ونادرا ما يستعين بشريك. سيناريو وحوار "قصّة زواج" يُعتبر الأقوى والأعمق بين كتاباته، وإنْ كان يُثير شعورا، ولو للحظة، بأنّ روح حوارات وودي آلن مستلْهَمة فيه، خصوصا أفلامه ذات المواضيع المُماثلة. أما قسمه الأول، فيُحيل إلى رؤى إنغمار برغمان حول تلك العلاقة المُلتبسة والمُعقّدة والمُركّبة بين فردين، هما قوام مؤسّسة الزواج.
تتقاطع أحداث "قصّة زواج" مع كَمّ كبير من الأفلام، التي تناقش قضايا الزواج والطلاق والأبناء، واستحالة العلاقة مع الآخر. لكن، رغم قِدم الموضوع، والأعمال الرائعة التي تناولته، يُقدِّم نواه باومباخ جديدا، فينجو بفيلمه من كلّ انتحال أو تكرار مقيت لما سبق. فيلمه ليس كوميديا، بالمعنى المعروف للكلمة، مع أنّ فيه قدرا من المواقف الطريفة، والحوارات الساخرة، مبتعدا عن كلّ تكلّف أو مبالغة ميلودرامية.
تدور أحداث "قصّة زواج" في نيويورك، كعادة أفلام باومباخ، ابن بروكلين. في النصف الثاني، تنتقل إلى لوس أنجليس. يتعاون مع الممثل الموهوب آدم درايفر، متخلّيا هذه المرة عن ممثله الأثير بن ستيلر. درايفر يؤدي دور تشارلي، الزوج والحبيب المتألّم، كما يوظّف بشكل رائع أداء المتألّقة سكارليت جوهانسون في دور نيكول، الأنثى المُرهَفة والمُحبّة والمُتردّدة والعنيدة. شخصيتان مثيرتان للإعجاب إلى حدّ بعيد، تعيشان في نيويورك، ولديهما ابن يُدعى هنري (آزي روبرتسون)، يبلغ 8 أعوام. ناجحان في عمليهما في مجال المسرح، هو كمخرج، وهي كممثلة وبطلة فرقته المسرحية.
خلال انفصالهما، ينكشف أهمّ وأسوأ ما في شخصيتيهما، ويظهر لاحقا سبب الحبّ الجامع بينهما، ثمّ أسباب الانفصال الذي يفرّق أحدهما عن الآخر. خلال ذلك، ينعدم حبّهما أو كرههما أو الانحياز إلى أحدهما. هذا حاصل بفضل التوظيف الذكي للحوارات، والحياد المثالي للكاميرا. لا مباراة بين الطرفين، فليس هناك خاسر أو فائز، خير أو شرير، بل مجرّد نزاع وطلاق، يُترك للمُشاهد الحكم فيهما. والفيلم ـ بحواراته واشتباكاته، والثنائيات التي فيه (شدّ ـ جذب، رقّة ـ رومانسية، انفعال ـ ألم) ـ تهيئةٌ مكرّسة، تدريجيا، لاستحالة التواصل بين حبيبين، جمعهما زواج لـ10 أعوام.
المميّز في "قصّة زواج" كامنٌ في الشبكة الرائعة التي نسجها باومباخ لينقل، بصدق، أجواء الأسرة، والعلاقة بين الزوجين ماضيا وحاضرا، ثم التفكّك والانهيار والعدائية، وأيضا حرصهما على ابنهما، مكثّفا هذا كلّه، مع خلفية عملية لمجال عملهما الفني. منذ بداية الفيلم، العلاقة بينهما منتهية، فتنكشف تبعات تلك النهاية، بصرف النظر عن من المُدان أو المظلوم أكثر.
يطرح الفيلم إحدى أهمّ نقاط الضعف في الارتباط بين البشر: المشاكل التي تحدث في النهاية ـ والتي تؤدّي إلى تفجّر الأمور في وجه الجميع، وتفضي إلى قطيعة وانفصال وطلاق ـ تكمن عادة في البداية. الأدهى أنّها تكون جلية غالبا، مرئية ومحسوسة من الطرفين، أو من أحدهما. لكن، يتمّ تجاوزها أو التغافل عنها، لرغبة أو لسبب أو لاقتناع أو لحلمٍ بإمكانية تغيير الآخر، أو تقبّلا للأمور والتعايش معها. ما يحدث في النهاية، أنّ الواقع يُكذِّب المزاعم والأحلام والأمنيات، فتفرض الأمور سطوتها.
لا يتناول الفيلم المشاكل وكيفية نشأتها، أو السعي إلى تخطّيها وتجاوزها، أو محاولات رأب الصدع والوصول إلى اتفاق أو حلول وسطى. الأمور محسومة منذ البداية لدى نيكول، التي بلغت الأمور معها غايتها، إذ تنبّهت فجأة إلى أنّ كينونتها، كشخصية وأفكار وطموحات، هُمِّشت تدريجيا، إلى أنْ ألغيت كلّيا، لصالح مشروع تشارلي وموهبته ونجاحه. وتشارلي، رغم أنّ نرجسيته غير طاغية أو مقيتة أو مُنفرة، يتّسم بطيبة ورقّة وإنصات وعمل جماعي، للحفاظ على روح الفريق.
معروف أنّ نواه باومباخ يكتب دائما سيناريوهات أفلامه، ونادرا ما يستعين بشريك. سيناريو وحوار "قصّة زواج" يُعتبر الأقوى والأعمق بين كتاباته، وإنْ كان يُثير شعورا، ولو للحظة، بأنّ روح حوارات وودي آلن مستلْهَمة فيه، خصوصا أفلامه ذات المواضيع المُماثلة. أما قسمه الأول، فيُحيل إلى رؤى إنغمار برغمان حول تلك العلاقة المُلتبسة والمُعقّدة والمُركّبة بين فردين، هما قوام مؤسّسة الزواج.
تتقاطع أحداث "قصّة زواج" مع كَمّ كبير من الأفلام، التي تناقش قضايا الزواج والطلاق والأبناء، واستحالة العلاقة مع الآخر. لكن، رغم قِدم الموضوع، والأعمال الرائعة التي تناولته، يُقدِّم نواه باومباخ جديدا، فينجو بفيلمه من كلّ انتحال أو تكرار مقيت لما سبق. فيلمه ليس كوميديا، بالمعنى المعروف للكلمة، مع أنّ فيه قدرا من المواقف الطريفة، والحوارات الساخرة، مبتعدا عن كلّ تكلّف أو مبالغة ميلودرامية.
تدور أحداث "قصّة زواج" في نيويورك، كعادة أفلام باومباخ، ابن بروكلين. في النصف الثاني، تنتقل إلى لوس أنجليس. يتعاون مع الممثل الموهوب آدم درايفر، متخلّيا هذه المرة عن ممثله الأثير بن ستيلر. درايفر يؤدي دور تشارلي، الزوج والحبيب المتألّم، كما يوظّف بشكل رائع أداء المتألّقة سكارليت جوهانسون في دور نيكول، الأنثى المُرهَفة والمُحبّة والمُتردّدة والعنيدة. شخصيتان مثيرتان للإعجاب إلى حدّ بعيد، تعيشان في نيويورك، ولديهما ابن يُدعى هنري (آزي روبرتسون)، يبلغ 8 أعوام. ناجحان في عمليهما في مجال المسرح، هو كمخرج، وهي كممثلة وبطلة فرقته المسرحية.
خلال انفصالهما، ينكشف أهمّ وأسوأ ما في شخصيتيهما، ويظهر لاحقا سبب الحبّ الجامع بينهما، ثمّ أسباب الانفصال الذي يفرّق أحدهما عن الآخر. خلال ذلك، ينعدم حبّهما أو كرههما أو الانحياز إلى أحدهما. هذا حاصل بفضل التوظيف الذكي للحوارات، والحياد المثالي للكاميرا. لا مباراة بين الطرفين، فليس هناك خاسر أو فائز، خير أو شرير، بل مجرّد نزاع وطلاق، يُترك للمُشاهد الحكم فيهما. والفيلم ـ بحواراته واشتباكاته، والثنائيات التي فيه (شدّ ـ جذب، رقّة ـ رومانسية، انفعال ـ ألم) ـ تهيئةٌ مكرّسة، تدريجيا، لاستحالة التواصل بين حبيبين، جمعهما زواج لـ10 أعوام.
المميّز في "قصّة زواج" كامنٌ في الشبكة الرائعة التي نسجها باومباخ لينقل، بصدق، أجواء الأسرة، والعلاقة بين الزوجين ماضيا وحاضرا، ثم التفكّك والانهيار والعدائية، وأيضا حرصهما على ابنهما، مكثّفا هذا كلّه، مع خلفية عملية لمجال عملهما الفني. منذ بداية الفيلم، العلاقة بينهما منتهية، فتنكشف تبعات تلك النهاية، بصرف النظر عن من المُدان أو المظلوم أكثر.
يطرح الفيلم إحدى أهمّ نقاط الضعف في الارتباط بين البشر: المشاكل التي تحدث في النهاية ـ والتي تؤدّي إلى تفجّر الأمور في وجه الجميع، وتفضي إلى قطيعة وانفصال وطلاق ـ تكمن عادة في البداية. الأدهى أنّها تكون جلية غالبا، مرئية ومحسوسة من الطرفين، أو من أحدهما. لكن، يتمّ تجاوزها أو التغافل عنها، لرغبة أو لسبب أو لاقتناع أو لحلمٍ بإمكانية تغيير الآخر، أو تقبّلا للأمور والتعايش معها. ما يحدث في النهاية، أنّ الواقع يُكذِّب المزاعم والأحلام والأمنيات، فتفرض الأمور سطوتها.
لا يتناول الفيلم المشاكل وكيفية نشأتها، أو السعي إلى تخطّيها وتجاوزها، أو محاولات رأب الصدع والوصول إلى اتفاق أو حلول وسطى. الأمور محسومة منذ البداية لدى نيكول، التي بلغت الأمور معها غايتها، إذ تنبّهت فجأة إلى أنّ كينونتها، كشخصية وأفكار وطموحات، هُمِّشت تدريجيا، إلى أنْ ألغيت كلّيا، لصالح مشروع تشارلي وموهبته ونجاحه. وتشارلي، رغم أنّ نرجسيته غير طاغية أو مقيتة أو مُنفرة، يتّسم بطيبة ورقّة وإنصات وعمل جماعي، للحفاظ على روح الفريق.
أحيانا، تكون الأمور أصعب عليه منها. هو غير مُستوعب ما يحدث. لكنّ هذا نابع من حبّ الذات، أو من "أناه" المُتضخمة قليلا، ما يُعميه عن رؤية سلوكه السلطوي، وتبعاته على مشاعر حبيبته وزوجته، والتدمير التدريجي الذي يُحدثه منذ أعوام. فهو ربما لا يرى سوى نفسه. في لا وعيه، يأبى رفض الآخر له، خصوصا إذا كان الآخر حبيبته وبطلته. إلى ذلك، هناك نرجسية مكبوتة لدى نيكول، آن لها أن تنفجر أخيرا بعد كبت طويل. لاحقا، تنتقل إلى لوس أنجليس، وتصبح نجمة تلفزيونية ناجحة، وتمارس الإخراج.
يوضح "قصّة زواج" أنّ الطلاق يكون، أحيانا كثيرة، قرارا صائبا، لكنه ليس سهلا أبدا، فهو يتطلب ـ من بين أمور عديدة ـ انضباطا نفسيا وتماسكا وصلابة وثباتا، وهذا يصعب التحكّم به والسيطرة عليه. يزداد الأمر صعوبة، إنْ تُصبح العوامل ضد ما يهواه القلب أو يريده. إنّها نقطة رئيسية، يوظّفها المخرج جيدا، فتصنع للفيلم تميّزا كبيرا، بتقديم بعض المغاير. لا يكره الطرفان أحدهما الآخر. هناك حبّ لا يزال قائما. أو على الأقل، بقايا حب. هناك أعوام من العِشرة الطيّبة، والخصال الرائعة، التي يعترف أحدهما للآخر بها. لكن ما سبق ليس كافيا لاستمرار الزواج، أو حتى لمنح الآخر محاولة أخرى.
يتطرّق "قصّة زواج" أيضا إلى أدقّ تفاصيل الإجراءات القانونية، أحيانا بطرافة، وأحيانا أخرى بشكلٍ مُهين للطرفين، وبانتهاكٍ صارخ لخصوصياتهما. يكشف كيف أنّ الإجراءات الرسمية تقضي تدريجيا على مشاعر الودّ والحبّ والاحترام، ومع اللجوء إلى القضاء والاستعانة بالمحامين، يتّضح كيف أنّ الخط الرفيع بين الحبّ والكراهية، والصداقة والاحترام، تمّ تخطّيه بشكلٍ يصعب تجاوزه. لكن، لأنّ الحبّ لم يمت كليا بعد، فإنّه يجعلهما يحافظان على قدر من الاحترام، يُفضي بهما إلى هدنة، تحدُّ من أضرار الانفصال وتبعاته على ابنهما.