وجّه رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، وهو القائد الأعلى لقوات البشمركة الكردية، بمعالجة المشاكل ونقاط الخلل في وزارة البشمركة وتوحيد القوات في مؤسسة نظامية موحّدة، للحيلولة دون استفحال تلك المشاكل وانهيارها على غرار ما حصل للجيش العراقي، فيما تواجه هذه الدعوات أصواتاً رافضة وخصوصاً من داخل حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي يتزعمه الرئيس العراقي السابق جلال طالباني.
ففي أعقاب هزيمة الجيش العراقي في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى والأنبار، وعدم قدرته على التصدي لمسلحي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) خلال النصف الثاني من العام الماضي، واجهت قوات البشمركة الكردية تحدياً كبيراً عندما وجدت نفسها بمواجهة مسلحي "داعش" المعززين بأسلحة حديثة. وقد دفع ترجيح كفة القتال في بداية المواجهات لصالح مسلحي "داعش"، بقيادات البشمركة إلى المطالبة بالإصلاح وتحويلها نحو المؤسساتية وإبعاد التدخل الحزبي عن المنظومة العسكرية.
أقوى الدعوات المطالبة بالإصلاح لقوات البشمركة صدرت عن بارزاني، عندما وجّه رسالة من عدة نقاط إلى وزير البشمركة مصطفى سيد قادر كُشف عنها أخيراً. إلا أن دعوات الاصلاح هذه تُجابه باعتراضات بين عدد من قياديي حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني".
ظاهرة الفضائيين
من بين المشاكل التي تُواجه قوات البشمركة الكردية والناجمة بمعظمها عن تدخل الأحزاب السياسية، ظاهرة العناصر "الفضائيين"، وهم الأشخاص الذين يتقاضون الرواتب من دون وجود فعلي لهم في المؤسسات، وقد جرى تداول الكلمة في بغداد من قِبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي كشف عن آلاف المنتسبين الوهميين او الفضائيين في وزارتي الدفاع والداخلية يجري صرف رواتب بأسمائهم.
ويكشف مصدر كردي عن قرار أصدره وزير البشمركة في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي بوقف صرف رواتب نحو 400 منتسب للوزارة بالاسم فقط.
وقبل ذلك، كشف عضو اللجنة المالية في برلمان كردستان العراق، علي حمه صالح، عن وثائق تتضمن أسماء المئات من النسوة جرى تعيينهن وإحالتهن على التقاعد على ملاك وزارة البشمركة وبرتب عسكرية كبيرة، بهدف صرف رواتب عالية لهن من دون توفر مسوغات قانونية لذلك.
مشاكل متجذرة
ويشير المصدر الكردي لـ"العربي الجديد"، إلى ان "الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان، وهما حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، والحزب "الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود بارزاني، وبسبب وجودهما على رأس السلطة في الاقليم منذ العام 1992، ونتيجة للصراع بينهما، سمحا بحصول مخالفات كبيرة في مؤسسات الحكومة ومنها مؤسسة البشمركة التي خضعت لمصالح الحزبين والمسؤولين فيهما.
ويوضح أن الحزبين فرضا عبر مسؤوليهما، "عمليات تدخّل مستمرة طيلة السنوات الماضية في قوات البشمركة، من خلال تعيين الافراد المحسوبين على الحزبين وترقيتهم ومنح الرواتب والامتيازات المالية، ولم يهتم الحزبان في المقابل بإعداد القوات بشكل جيد على غرار الجيوش الحديثة، على الرغم من أن تعداد قوات البشمركة لا يقل عن 120 ألف عنصر".
ومن أسباب دعوات الاصلاح في جميع المؤسسات الحكومية في إقليم كردستان وفي الحكومة الاتحادية العراقية بشكل عام، الأزمة المالية الناجمة عن تراجع أسعار النفط عالمياً، إذ تذهب نسبة كبيرة من ميزانية الدولة للرواتب، ولذلك يريد العراق حصر الفساد الموجود في صرف الرواتب وتدقيق سجلات الأسماء لمنع تكرار الاسماء ورصد الأسماء الوهمية.
وقال وكيل وزارة البشمركة أنور حاجي عثمان، تعليقاً على الدعوات للإصلاح في وزارة البشمركة في إقليم كردستان العراق، إنه "سيجري تطبيق قوانين أصدرها برلمان الاقليم وتتعلق بإصلاح مؤسسة البشمركة".
وأضاف في تصريحات صحفية أن قضية البشمركة "حساسة وتستدعي تطبيق قوانين البرلمان حولها على مراحل".
وكان برلمان اقليم كردستان قد أصدر في أكتوبر/تشرين الأول 2014، 21 قراراً، كلها تخص تنظيم وتوحيد القوات والاتجاه بها نحو المؤسساتية وزيادة التخصيصات المالية لأفرادها وصرف حوافز مالية لهم.
رسالة بارزاني
وذكر بارزاني في الرسالة التي وجّهها للحكومة لتنظيم البشمركة، وحصلت "العربي الجديد"، على نسخة عنها، أنه "ونظراً لأهمية وزارة البشمركة والتي يقع على عاتقها مهام صعبة ومباركة، وهي وزارة شعب كردستان، ولأن حكومة إقليم كردستان حكومة موسعة وليست حكومة تقاد مناصفة بين حزبين، لذلك يجب أن يكون تعامل منتسبي الوزارة تعاملاً قومياً وليس حزبياً".
وطالب بارزاني بمراعاة عدد من النقاط في هذا الموضوع، ومنها منع ممارسة العمل الحزبي داخل الوزارة، داعياً الراغبين بالعمل الحزبي من المنتسبين إلى الاستقالة والعودة إلى أحزابهم. كما طالب بالعمل وفي أسرع وقت، على توحيد وتنظيم قوات البشمركة بعيداً عن التحزب والعامل الحزبي، ومعاقبة أي منتسب للوزارة يقدّم تقارير حول أوضاع الوزارة لحزبه.
ودعا لتغيير القيادات العسكرية التي لم تؤدِ واجباتها في الحرب ضد تنظيم "داعش"، رافضاً وجود أي قوة مسلّحة خارج إطار وزارة البشمركة.
ورأى المحلل العسكري الكردي اللواء صلاح الفيلي، أن خطوة بارزاني لتحويل البشمركة إلى جيش نظامي، تأتي في وقتها وستسهم في حماية كردستان مستقبلاً من التهديدات.
وقال الفيلي، إن دعوة بارزاني لتنظيم البشمركة، لأجل حماية كردستان من خطر الأعداء والإمساك بزمام المبادرة في المواجهات.
وتشير احصائيات وزارة المالية في إقليم كردستان إلى وجود نحو 120 ألف منتسب فعلي في قوات البشمركة، فيما تدفع الحكومة أكثر من 420 ألف راتب لمسجلين في قوائم وزارة البشمركة من مقاتلين وموظفين، وهذا الرقم يشكل أكثر من 30 بالمائة من مجموع من يتقاضون رواتب من الحكومة، إذ يصل العدد الكلي لمتقاضي الرواتب مليوناً و350 ألف شخص.
ويرى مراقبون أكراد أن التحرك لإصلاح وضع قوات البشمركة وربطها بحكومة إقليم كردستان بدل الأحزاب، "خطوة استباقية" تمنع تحوّل قسم من تلك القوات إلى السيطرة الإيرانية على غرار الميليشيات العديدة.
ويتبع نحو نصف عديد قوات البشمركة الكردية حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، وبسبب المشاكل الداخلية التي يواجهها الحزب منذ نحو عامين في أعقاب مرض زعيمه جلال طالباني الذي لا يمارس العمل السياسي منذ اصابته بجلطة دماغية نهاية 2012، يُخشى أن تتمكن إيران من السيطرة على القوة المسلّحة للحزب واخضاعها كما فعلت مع الميليشيات.
وانقسم حزب طالباني على أكثر من كتلة، فبات نائبا طالباني، كوسرت رسول، وبرهم صالح في كتلة، وعقيلة طالباني مع عدد من القياديين في كتلة، ويقوم الإيرانيون بشكل مستمر بعقد اجتماعات مع الكتل المتصارعة بهدف حل الخلافات بينها من دون تحقيق تقدم.
واتاح هذا الوضع لحزب طالباني أن يقع تحت تأثير الإيرانيين من الناحية السياسية، ويُخشى أن ينسحب ذلك على الجانب العسكري ايضاً.