بابا نويل في ساحات لبنان

25 ديسمبر 2019
من ساحة الشهداء في وسط بيروت (محمد سلمان)
+ الخط -
لعلّ شعار "ما إلنا غير بعض تعوا نحتفل سوا" يختصر مظاهر عيد الميلاد في لبنان، فالعيد هذه السنة مختلفٌ في الشكل، عميقٌ في المضمون. على شجرته علّق اللبنانيّون آمالاً وأمنياتٍ بولادة لبنان الجديد، وسطّروا ببضع رسومٍ وكلماتٍ، مطالب حياتية ومعيشية تقاعست الدولة عن تأمين أبسطها، فعقدوا العزم على تحقيقها منذ انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

تعدّدت ساحات الاعتصام، وتمايزت أشجار الميلاد بأشكالها وزينتها المتواضعة من الدواليب (إطارات السيارات) إلى قطع القماش الملوّنة بألوان العلم اللبناني، فالعبوات البلاستيكيّة، في خطوةٍ صديقةٍ للبيئة، وغيرها من فنون الابتكار والتزيين بما يوائم بين روحيّة الانتفاضة الشعبية ومعاني الميلاد. تنوّعت الاحتفالات بالرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة، غير أنّ العنوان واحدٌ لم يتبدّل. فمن العاصمة بيروت إلى الشمال مروراً بالجنوب والبقاع ومختلف المناطق اللبنانية، تتجسّد احتفالات الميلاد بحملاتٍ من التكافل والتضامن الاجتماعي وجمع التبرّعات وتوزيع الهدايا وتنظيم الألعاب والأنشطة الترفيهيّة، علّها تكرّس المعاني الحقيقيّة للأعياد، فتفرح ولو قليلاً قلوباً قسا عليها الزمن، ولم تعرف من العيد سوى اسمه وتاريخ حلوله، وتكسر وإن جزئياً "حصريّة" العيد واحتفالاته بطبقة اجتماعية دون سواها.

ففي العاصمة بيروت، وتحت شعار "ثورة العيد" وزّعت مجموعة من السيدات الهدايا والطعام في ساحة الشهداء، حيث أُقيمت أجواء ميلاديّة احتفالية ونشاطات ترفيهيّة للأطفال، كما تمّ إرسال بعض الهدايا إلى عددٍ من المناطق في محافظتي الشمال والجنوب.



وفي الساحة نفسها، أفضت حملة تضامنية تحت شعار "لأنّه ما إلنا غير بعض تعوا نحتفل سوا" إلى إضاءة "شجرة الميلاد في الثورة" تحت عنوان "صفر ميزانية من المال العام". وقد أتت الحملة نتيجة مبادرة مشتركة بين الإعلامية يمنى فواز والمهندس روي داغر والمصمّمتين كالين جولان وكارلا داغر.

وفي حديثها لـ"العربي الجديد"، قالت فواز: "أردنا التأكيد على أنّنا نستطيع أن نساعد بعضنا البعض في هذه الفترة الصعبة، وتمكّنا من رفع شجرة الميلاد من دون أي كلفة مدفوعة من المال العام إنّما جمعنا التبرّعات العينية والنقديّة، على عكس العام الماضي حيث أنفقت بلدية بيروت على زينة عيد الميلاد مبلغ مليوني دولار أميركي، ما يظهر حجم الفساد وسوء الإدارة". ولفتت إلى أنّ "عيد الميلاد يجسّد ولادة السيد المسيح، والانتفاضة اليوم تجسّد ولادة لبنان الجديد بعد ثورة الألم والغضب، فثقافة اللبنانيّين هي ثقافة حياة ولن يرهبنا أي شيء، كما لن يثنينا الوضع الاقتصادي عن الاحتفال بالأعياد"، مشيرةً إلى أنّ "شجرة الميلاد في العاصمة هي عبارة عن خيمة تحمل أمنيات اللبنانيّات واللبنانيّين، جمعت الكلمات والأعمال الفنية والغرافيتي، وفي أسفلها وُضعت مغارة مرسومة وحائط للأمنيات".

من جهته، شدّد الناشط مالك السعدي على أنّ "رمزيّة العيد هذه السنة تكمن في احتفالنا بإنجازات الانتفاضة، على أن تكتمل فرحة العيد بتحقيق مطالبنا كاملةً وباستقلال لبنان عن هذه المنظومة الفاسدة. ولعلّ إضاءة شجرة الميلاد وسط بيروت خير دليل على وحدتنا وتضامننا كلبنانيّين".

توزيع هدايا العيد في ساحة الشهداء (العربي الجديد) 


وفي شمال لبنان، شهدت مدينة طرابلس التي لُقّبت بـ"عروس الثورة" إضاءة شجرتين ميلاديّتين زُيّنتا بألوان العلم اللبناني في كلّ من دوار النيني وساحة عبد الحميد كرامي، الساحة الرئيسيّة في المدينة المعروفة بساحة النور، حيث أمل الناشط جوني نحّاس "ولادة جديدة لهذا البلد، فعيد الميلاد يعبّر عن الحقيقة والمحبة والأمل. ولقد افتتحنا على مدى يومين مدينة ألعابٍ مجانيّة في معرض رشيد كرامي الدولي، شكّلت مساحة فرحٍ لأكثر من 10 آلاف طفلٍ. كما جمعنا تبرّعاتٍ عبارة عن ألبسة سيتمّ تسليمها إلى جمعياتٍ أهلية لتوزّعها على المحتاجين".

وقد تميّزت بلدة شكا الشمالية، بشجرة ميلادية صديقة للبيئة صُنعت من نحو 120 ألف عبوة مياه بلاستيكية فارغة، تحت عنوان "#جمعوها_ما تكبّوها (لا ترموها)"، لتشكّل إنجازاً ينوي الدخول إلى موسوعة "غينيس" العالمية عن فئة "أكبر مجسّم مصنوع من عبوات بلاستيكية".
أجواء الأعياد لم تغب عن جنوب لبنان، فقد احتفلت مدينة صيدا بإضاءة شجرة الميلاد وتعليق مطالب الانتفاضة على أغصانها، ناهيك عن سلسلة نشاطات بينها نشاط "العيد بألف عيد"، حيث تمّ جمع تبرّعاتٍ تنوّعت بين ألبسة ولعب وأدوات منزلية، وبيعها بقيمة ألف ليرة لبنانيّة (50 سنتاً أميركياً) عن كل قطعة. "يعود ريع هذا النشاط لشراء الحصص الغذائية من محالٍ صغيرة وتوزيعها على العائلات الفقيرة المحتاجة، ما يشكّل حلقة صغيرة من تنمية اقتصاديّة ألغت نوعاً ما الطبقيّة في المدينة"، وفق قول الناشطة غنى صالح لـ"العربي الجديد".

وأضافت: "العيد هذه السنة غير كل الأعياد، هناك تكافل اجتماعي غاية في الروعة، نتلمّس معه معاني المحبة والتسامح بشكل فعلي حقيقي"، لافتةً إلى أنّهم سيوزّعون ليلة العيد الهدايا على الأطفال.

وبقطع القماش تزيّنت شجرة الميلاد في مدينة النبطيّة مجسّدةً ألوان العلم اللبناني، بانتظار أن تحتضن مطالب المحتجّين ليلة الميلاد، على طريقة رسائل "بابا نويل" بحيث توضع بجانبها علب كرتونٍ مليئة بـ"الهموم والهواجس والآمال"."فالعيد هذه السنة مختلفٌ عن الأعوام السابقة" كما قالت مدرّبة المسرح العلاجي الناشطة ميرنا بشارة "كونه يأتي في زمن الثورة، ثورة فرحٍ وعطاءٍ وقفت بوجه الانقسامات المذهبية والطائفيّة، لتظهر وجه لبنان الحقيقي والجميل، لبنان المحبّة والتآلف". ميرنا، الوالدة لثلاث فتيات، تمنّت بدورها "ولادة جديدة للبنان ومستقبلاً يستحقه أبناؤنا وبناتنا".



وفي مدينة صور، تقف شجرة الميلاد وسط ساحة الاعتصام استعداداً لاحتفال ميلادي بالمناسبة، إذ قالت الناشطة منى جهمي لـ"العربي الجديد": "هي المرة الأولى التي نقف فيها لنعبّر عن رأينا، لقد استطعنا بوحدتنا أن نسقط الحكومة، وكلّنا أمل أن نحقق التغيير ونتكاتف بعيداً عن الإحباط والاستسلام".

شجرة عيد ثورية في ساحة الشهداء (العربي الجديد) 


بدورها، آثرت مدينة بعلبك (البقاع الشمالي) الاحتفال بالعيد على طريقتها، إذ أضاء المحتجّون شجرة مصنوعة من دواليب (إطارات) السيارات، في إشارة إلى ما تمثّله من أداةٍ اعتمدوا عليها عند قطع الطرقات لتحقيق مطالبهم: "نحن في معركة ميلاد هذا الوطن"، وفق المعلم الثانوي، الناشط حسن مظلوم، مؤكّداً أنّها "بداية ولادةٍ لوطنٍ جديدٍ تشبه ولادة السيد المسيح وأي ولادة للحق على مستوى الإنسانيّة. إنّه عيد التلاقي والاتحاد بوجه السلطة الفاسدة التي أوصلتنا للانهيار المالي والاقتصادي والأخلاقي". من جهةٍ ثانية، ستشهد بعلبك توزيع الهدايا على المحتاجين وتنظيم احتفالٍ لمناسبة الأعياد.

وبالمرور على بلدة تعلبايا البقاعية، فالاحتفال بالأعياد لن يفارق ساحة الاعتصام، إذ أكّد الناشط ملحم الحشيمي أنّهم لن يتركوا الشارع "إلا بعد رحيل الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، لنحقّق بذلك عيدنا الصحيح"، وقال: "لقد أضأنا شجرة العيد، وكلّنا إيمان بأنّ الميلاد هذه السنة أجمل بكثير، له نكهته الخاصة، فهو اليوم عيدٌ لكلّ لبنان".